-
الشيخوخة والشباب
أثناء سنوات مراهقتي، وقبلها في سني طفولتي، ثم وخلال سنوات الشباب، كنت أظن أن لا علاقة تربطني بكبار السن، لا أهتم بأفكارهم إلا انتقاء، ومنهم والدي الذي عودت نفسي على طاعته رحمه الله، أما مشاكل كبار السن فلم أكن أعبأ بها ولا أوليها اهتماما إيجابيا. وأعتقد أن من الصعب على أي شاب أن (...)
-
الرجل الذي حمل البحر
هذه القصة مهداة إلى روح أبي الذي أحب البحر وحمله معه
لم يكن أبي رجلا عاديا. عاش طيلة حياته يفاجئنا بأعماله غير العادية، لذلك لم يستطع أحد منا فهم تلك التصرفات التي كانت تجلب لنفسه السرور وتجعله يحظى بمحبة الناس. نجح في إخفاء أسرار آلامه المزمنة في خبايا نفسه. كان نظره
-
على كرسي لويس الرابع عشر/ج2
ها أنذا برفقة غازويل صاحبة الفندق، الأرملة الألمانية الشقراء ذات الأصول الآريّة الواضحة للعيان، التي تحمل الجنسية الفرنسية كما أخبرتني، وتفوح من أردانها رائحة (سوار دي باري)، العطر الأرقى في ذلك الزمن الجميل.
تركت العزيز ڤيكي في عهدة غريمتي فتاة الاستقبال إيّاها، التي قلت لها (...)
-
على كرسي لويس الرابع عشر: ج1
ملاحظة من الكاتب: هذه الحكاية لم أروها في موضوع: "عندما تركت سكني في المدينة"، النص المنشور مؤخرا في ثلاثة أجزاء، اعتقادا مني أن الحكاية تستحق أن أخصّص لها موضوعا مستقلا، لا سيما أنني تذكرت الواقعة وأنا أقرأ في العدد 107 من "عود الند" موضوع الكاتبة لبنى ياسين: "ألوان لا تليق (...)
-
لم يكتمل حواري مع نافذتي
كعادتي أعود إليك يا نافذتي، حين أفيض شوقا لحريتي التي اعتدت عليها مدى عمري الذي طال. أكاد أشبهك أيتها النافذة في سكونك وثباتك، على الأقل في الأيام والسنين القليلة الماضية.
لا أدري أينا افضل حظا، أنت مطمئنة راسخة مثبتة في مقرك، وليس بمشيئتك، لكنك ربما اعتدت على هذا المقام، أما (...)
-
عندما تركتً سكني في المدينة/ج3
الجزء الثالث والأخير
في باريس كانت تنتظرنا بعض الإجراءات الإدارية في السفارة اللبنانية، والحجز في الشركة الوطنية للطيران التي أعمل فيها، والتي أوفدتني مرارا إلى الخارج، وساهمتْ لاحقا في مساعدتي على تعليم أولادي. ولا زلتُ حتى الساعة أشعر أن لها في ذمتي فضلٌ كبير، فمنْ تعلّم من (...)
-
في ظلال ذاكرة شامية
فتحتُ عيني على الشمس تضيء غرفتي بعد أيام شتائية طويلة ومدلهمة، وشحوب رمادي في أفقي.
الشمس تذكرني ببلادي، أجمل مكان في الدنيا، حيث الضياء لا يمَلُّ الإسترخاء فوق الجبال والتلال والبيوت، والأشجار تحبذ ألا تتطاول كثيراً الى السماء لتبقى قريبة مني قادرة على الانحناء ومعانقتي داخل (...)
-
عندما تركتً سكني في المدينة/ج2
كان برنامج الأسبوع الأول يقتضي أن ندرس الغازات، من الأوكسجين "والأزوت" والهواء وزيت الكوابح المستخدم "والإيدروليك"، والتركيز على خصائصه في الكثافة ودرجة تجمُّدِه وغليانه، بالإضافة إلى مبدأ القنوات المتصلة للعجلات، ورافعة الساق أو "العفريت"، واختفائها في جسم الطائرة (...)
-
عندما تركتً سكني في المدينة/ج1
إذا كان المحرك في الطائرات بمكانة الروح من الجسد عند الأنسان، فإن أهمية "القائمة" والعجلات “L,atterrisseur” في الطائرات لا تقل عن أهمية القلب والروح جنبا إلى جنب.
منذ بداية الأحلام التي راودت البشر في التحليق وتقليد الطّيور، ومن عهد ليوناردو داڤينشي وعباس بن فرناس وحتى داسُّو (...)
-
سأكون هناك
لم أكُن أجدُ حرجا كبيرا في الكذب عليها، الكذب عليها بالذات. كنّا جميعا نُخفي عن أمّهاتنا أمورا ونكشف عن أخرى. حتّى تلك التي نختار البوح بها نغلّفها بعناية مصطنعة كما نغلّف الهدايا الرخيصة. نغلّفها ببعض كذبٍ ناصع البياض.
كلّ ما أخفيتهُ عنها ما كنتُ أراهُ يندرج في إطار (...)
-
بانت الفضيحة وانقضى الأمر
تلك البلدة في شمال لبنان، ولا تبعد كثيرا عن الفيحاء، صعودا إلى الشرق في اتجاه باب الشمس، وغابة الأرز في بشرّي، موطن الأرواح المتمردة وجبران النّبي، والتي لا تحتاج إلى تفكير طويل، لكي يكتشف المرء أين تكون، وما اسمها بالإشارة إلى الحرف الأول من الاسم. يكفي التذكير بالكرم والضيافة (...)
-
غزة: كلنا أصدقاء في الحرب
نجوت من معارك كثيرة ولم أعد طفلا لأعرف كيف يرى الأطفال هذه الطائرات. ابنة أخي دائما ما ترسل التحية إلى الطائرة وتتمتم بلغتها التي لا أفهمها، لكنها هي اللغة ذاتها التي تستخدمها حين تقابلني لترحب بي أو لألعب معها في فناء البيت. ترحب بالطائرة، إلا أنها تخاف من القذيفة، والواضح (...)
-
أثقل من رضوى
أن يكتب الإنسان سيرته الذاتية أمر مألوف، وهو يتأمل تيارها المتدفق. ولكن الكتابة عن الحياة، وهو يخوض غمارها ويصارع لججها مسجلا اللحظات المصيرية: مواجهة المرض ومواجهة الخيبات والطغيان والفساد، آنفا أن يموت جبانا، نص له وهج الجذوة المتوقدة في الروح المبدعة؛ نقرأ في ضوئه تجليات (...)
-
طيف لينا
بدت لي بين جمع الطالبات كائنا أثيريا تحيطه هالة نور. لم تكن تشارك في المحاضرات إلا في القضايا التي تتطلب قدرات إبداعية، كأنها تضن بإهدار طاقتها في العادي والمألوف.
وكثيرا ما عرضت عليّ نصوصها المبدعة. شيء ما في ملامحها يستدعي إلى ذهني صور أميرات الأساطير في اللوحات العالمية: ذلك (...)
-
جدتي والجامع وعبق الياسمين
لبست معطفها الأسود، وأحكمت ربط برانيلها (*) حول رأسها ثم شدته بقوة لتتأكد من إحكام ربطته، ثم مدت يدها إلى طبق الياسمين، وقبضت منه قبضة، ودستها في صدرها.
ثم قالت لي: "هيا لنذهب".
سألتها ببراءة الأطفال: "إلي أين يا جدتي؟"
"سنذهب إلي الجامع الكبير. لقد نذرت أن أقرأ ثلاثة موالد (...)
-
مغال في قناعته ج2
تركنا دار البلديّة وأكملنا طريقنا في محاذاة البحيرة باتجاه ريڤا، عبر أنفاق كانت تستخدم مصانعاً للأسلحة والذخيرة إبان الحرب العالمية الثانية، حولوها بعدما انتفتِ الحاجة إليها طريقاً تساعد على سهولة المرور في منطقة تكثر فيها الثلوج. والأنفاق المتقطعة هذه تحاذي البحيرة لبعض الكيلو (...)
-
مغالٍ في قناعته
تعَدَّيتُ مسألة الغنى والفقر إلى حالٍ من الرضى والحمد، والقناعة بقسمتي في الدنيا، فالفقيرُ لله وعبدُه لا يملكُ مالاً يبدده على "الهوى" في السياحة والسفر "وشم الهوا" في النّمسا، ولا في قبرص من بلاد الجوار؛ أو الشام قبل أن تغرق في "مآسيها"، أو في دنيا الله الواسعة البعيدة، فلم (...)
-
طريق بين الضمة والفتحة
بشر عاديون جدا من ترونهم يمرون يوميا من هناك، على جدرانهم في عالم يتهمه الجميع بالافتراض ويلصقون به كل عيوبهم ونقائصهم، من كذب ونفاق وتجرد من المشاعر فقط ليبرروا لأنفسهم ما يفعلون، وهناك أولئك الذين أفضلهم هم كذلك بشر عاديون، لكن في داخلهم عوالما من الأناقة الآدمية التي (...)
-
الحكاية هي المأوى
ربما كانت هي المأوى من الواقع الغامض، المراوغ، المجهول. هي الحكاية إذن، ترويها أمي ونحن أطفال دون السابعة. كان المساء يخيم فوق البيوت، والظلمة تهيمن، تفصح النفوس عن حيرتها، وخوفها، ورغبتها في الهروب من دوامة الواقع، إلى مرفأ الحكاية، إلى المأوى. كنا ننام على أسرةٍ حولها، وهي (...)
-
نعمة الحياة
اليوم: الثلاثاء، 1 يناير/كانون الثاني 2013. الساعة: دقيقة واحدة بعد الثانية عشرة منتصف ليل الاثنين: 31 ديسمبر/كانون الأول 2012. رحل عام وقدم آخر. الاحتفالات جارية على قدم وساق في بقاع العالم أجمع رغم ما مر عليه من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية ومآس وصعوبات وحروب وانتفاضات، (...)