مكتبة وأرشيف

د عدلي الهواري

للمساهمة في التراكم المعرفي وتعزيز التفكير النقدي

ORCID iD icon https://orcid.org/0000-0003-4420-3590
 

بيروت 1982: اليوم ي


في اليوم الرابع من شهر حزيران (يونيو) 1982، بدأت إسرائيل عدوانا جديدا على لبنان. ولكنّه هذه المرة لم يكتف بقصف مواقع عسكرية ومدنية، أو بالسيطرة على مساحة ما من الجزء الجنوبي من لبنان، بل توجهت جحافل الجيش الإسرائيلي إلى العاصمة بيروت.

سرعةُ وصول القوات الإسرائيلية إلى بيروت (خلال أسبوع تقريبا)، كانت مفاجئة وصادمة للكثيرين في المقاومة الفلسطينية وفي أوساط مؤيديها. ولكنّ سهولة احتلال كل المناطق من جنوب بيروت وحتى آخر نقطة في الجنوب اللبناني لم تتحقق للإسرائيليين في محاولة السيطرة على بيروت. ولو انهارت المقاومة في بيروت كما حدث في الجنوب اللبناني لدخلتها القوات الإسرائيلية منتشية بسرعة وسهولة النصر، وقضت على من تبقى من المقاومين.

الوضع في بيروت اختلف، فالمقاومة سارعت إلى بناء التحصينات، وكان التصميم على القتال قويا، فتعثر التقدم الإسرائيلي. وفرضت إسرائيل حصارا على بيروت دام أكثر من شهرين، تعرض ساكنوها خلالهما إلى قصف شديد، وطالبت إسرائيل المقاومة بإلقاء السلاح والخروج من بيروت.

شمل الاجتياح الإسرائيلي للبنان توجيه ضربات قاسية للوجود العسكري السوري، وتدمير بطاريات الصواريخ السورية التي نشرت في البقاع اللبناني. ولكن تم مبكرا التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار إسرائيلي سوري، واستفردت القوات الإسرائيلية ببيروت.

إن عدوانا بهذا الحجم لا يكون رد فعل آنيا على عمل ما تعتبره إسرائيل عملا غير مقبول فترد عليه بعمل عسكري، سواء أكانت الذريعة إطلاق صواريخ على مستوطناتها في شمال فلسطين، أو محاولة اغتيال سفيرها في لندن. هذا الحجم من القوات، وتوجيه ضربات للقوات السورية وتدمير بطاريات صواريخها في البقاع، والمجيء إلى بيروت للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية (م ت ف)، عناصر خطة لا بد أنه تم التفكير فيها والإعداد لها منذ وقت طويل.

والأمر لم يكن عسكريا بحتا، بل تم ضمن سياق سياسي ظنّت إسرائيل أنها من خلاله ستعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة ابتداء من لبنان، وذلك بتنصيب كيان سياسي لبناني يقيم اتفاقية سلام معها، فيصبح لبنان ثاني دولة عربية (بعد مصر) توقع معاهدة سلام مع إسرائيل، وتصبح سورية بالتالي في وضع لا تحسد عليه قد يضطرها إلى الدخول في مفاوضات للتوصل إلى معاهدة سلام، أو تصبح عرضة لاعتداءات إسرائيلية متكررة مثلما كان يحدث للبنان.

كما أن المخطط السياسي هذا لا يمكن أن يتم دون علم المستفيدين منه وتعاونهم، ومن الغباء أن يظن أحد (كما سنرى في إحدى الوثائق المنشورة في الكتاب) أن بعض القوى اللبنانية المعادية للوجود الفلسطيني في لبنان لم تكن على علم بما سيحدث. منطق الأحداث وما جرى على أرض الواقع يؤكد أن الجماعات هذه كانت تنتظر تنفيذ دورها في المخطط.

JPEG - 36.3 كيليبايت
غلاف كتاب: بيروت 1982: اليوم ي

بحث