كتاب: تقييم الديمقـراطيـة في الأردن: 1990-2010
منهجية التدقيق الديمقراطي
د. عدلي الهواري
الخلل في حجة المعترضين على عالمية المعايير يكمن في أن النية حسنة، ولكن نتائجها ليست كذلك. هؤلاء المنظرون لا يتلفتون إلى النقاشات التي تجري في أوساط كل ثقافة حول ما يجب الاحتفاظ به منها، وما يجب تغييره. حتى المنظرون الذين يحاولون تجنب الأوروبية-المركزية من خلال إظهار الاحترام للثقافات الأخرى يخفقون في الاطلاع على الآراء والنقاشات التي تجري داخل هذه الثقافات.
ما هو التدقيق الديمقراطي؟ في تعريف ديفيد بيثام (1994، ص 25) «إنه المشروع البسيط ولكن الطموح لتقييم حالة الديمقراطية في بلد واحد».
المهمة ليست بسيطة أبدا، خاصة عندما ينظر المرء إلى الموارد المحدودة المتاحة لباحث واحد. عندما خطرت فكرة التدقيق الديمقراطي في بال بيثام، كان من الضروري تحديد «مواصفات لما يجب تدقيقه بالضبط»، وأن تكون هناك «معايير لتكون علامات قياس»، يتم التدقيق وفقها (ص 25).
رفض بيثام بعض المعايير المحتملة، أولها تقييم الديمقراطية «وفق المعايير التي يدعي الممارس [السياسي] أنه يسترشد بها». معيار آخر هو «القيم الضمنية في النظام السياسي». المعيار الثالث هو «ما يفهمه المواطنون أنفسهم أنه الديمقراطية» (ص 26). اعتماد المعيارين الأولين يعني قبول أن النظام ديمقراطي في حين أن هدف التدقيق تقييم مدى ديمقراطيته (بيثام 1994، ص 26).
والمعيار الثالث رفضه بيثام لأن «سوء استخدام مصطلح» الديمقراطية «في اللغة الشعبية جعله يعني أي ترتيبات سياسية تحظى برضا الشخص عنها، وأصبح خاليا من أي مرجعية موضوعية» (ص 26). كذلك، فإن اعتماد المعيار على «المؤسسات والإجراءات القائمة في الأنظمة السياسية الغربية» له عيبان: الأول أنه «لا يوجد سبب لوصف هذه المؤسسات بأنها «ديمقراطية» بدلا من «ليبرالية» أو «تعددية» أو «بولي آركية» [الحكم المتعدد] أو أي مصطلح آخر نريده.
مصطلح «الحكم المتعدد» (بولي آركي) استخدمه دال (1989) واعتبره أعلى مستوى من الديمقراطية. وفق مواصفات دال، للحكم المتعدد سمتان رئيسيتان، الأولى مواطنة واسعة النطاق لتشمل نسبة عالية نسبيا من السكان البالغين. والسمة الثانية، حقوق المواطنة، وهذه تشمل معارضة أعلى المسؤولين في الحكومة والتصويت على إزاحتهم من مناصبهم. ويتطلب الحكم المتعدد وفق تصور دال له سبعة أمور: (1) مسؤولين منتخبين. (2) انتخابات حرة ونزيهة. (3) حق الاقتراع الشامل. (4) الحق في الترشح للمناصب الرسمية. (5) حرية التعبير. (6) معلومات بديلة. (7) تمتع الجمعيات بالإدارة الذاتية (ص 220).
أعود الآن إلى مناقشة بيثام لمعايير التدقيق الديمقراطي، فمن الأسباب الأخرى لرفضه «ما يفهمه المواطنون أنفسهم أنه الديمقراطية» هو الاحتمال القوي أن يؤدي تطبيق هذا المعيار إلى توجيه الاتهام بأن المفهوم «أوروبي-مركزي» لأنه لا يقدم طريقة للتمييز بين «المؤسسات والإجراءات غير الغربية التي وفرت طرقا بديلة حقيقية لتحقيق الديمقراطية» (ص 26).
المركزية الأوروبية
قبل الاستمرار في استعراض رد بيثام على الاعتراضات التي يمكن إثارتها فيما يتعلق بالتدقيق الديمقراطي، أود مناقشة التهمة التي توجه في كثير من الأحيان للمفاهيم والحجج، أي أنها أوروبية مركزية. وفق تعريف سمير أمين (1989، ص 7):
الأوروبية-المركزية هي ظاهرة ثقافية بمعنى أنها تفترض وجود ثوابت ثقافية مميزة لا يمكن اختزالها تشكّل المسارات التاريخية للشعوب المختلفة. المركزية الأوروبية بالتالي معادية للعالمية، لأنها غير مهتمة بالبحث عن قوانين عامة محتملة للتطور البشري. لكنها تقدم نفسها على أنها عالمية، لأنها تدعي أن تقليد النموذج الغربي من قبل جميع الشعوب هو الحل الوحيد لتحديات عصرنا.
فيما يتعلق بالدمقرطة في العالم العربي، يرى الصديقي (2009) أن «النماذج الأوروبية المركزية، لا سيما الدمقرطة، لا تنطبق بسهولة على التجارب الديمقراطية العربية» (ص 10). ويشير إلى أن «الطرق والمفاهيم الأوروبية المركزية عصية على النقل» (ص 11). يقيم الصديقي تجارب الدمقرطة في العالم العربي «من خلال عدسة ضد-الأسسية» (ص 7). ويقول إن «علم الوجود القائم على ضد-الأسسية يعترف بأن الدمقرطة الأوربية-الأميركية هي وظيفة زمن، وهناك حاجة إلى معرفة محددة السياق لقراءة الانتقال الديمقراطي العربي» (ص 47).
الأسسية وضد-الأسسية
قبل مناقشة آراء الصديقي، من الضروري تحديد ما هو المقصود بالأسسية، وضد-الأسسية. حسب شرح ركمور وسنغر (1992) فإن «الأسسية هي نظرية معرفيّة تهدف إلى أن تكون مستقلة عن ادعاءات علم الوجود، وهي نظرية يبرر فيها العقل ادعاءه المعرفي» (ص 6). في المقابل، ضد-الأسسية هي «نقيض أشكال الأسسية المختلفة» (ص 8).
وبدقة أكبر، هي «الرفض المبدئي لأي جهد يهدف إلى التحقق من صحة ادعاءات المعرفة دون الاستناد إلى أساس مطلق أو نهائي معروف على وجه اليقين، سواء أكان اليقين لا يمكن بلوغه، أو أن نموذج المعرفة كهيكل موحد يرتكز على أساس من اليقين» (ص 8).
سعيد (2004) يضع نفسه ضمن «الأسسيين الخام». وهو يرفض القبول بأن «حقوق الإنسان هي أشياء ثقافية أو نحوية»، ويقول إن انتهاكات حقوق الإنسان «حقيقية مثل أي شيء يمكن أن نواجهه» (ص 136).
يلاحظ السيد (2010) أن الصديقي «يرفض الافتراضات الأساسية لمنظري الانتقال الديمقراطي، ويبحث عن اللبنات الأساسية لهيكل تحليلي آخر. غير أنه لا يكمل بناء الهيكل، ويترك هذه المهمة للمستقبل، ولكن دون أي تلميحات لشكل المبنى» (ص 185).
يعترف الصديقي (2004) بأن «ضد-الأسسية نفسها ليست فوق النقد، أو دون تحديات» (ص 57). ويشير في هذا الصدد إلى كرويل (1996) الذي يتهم مناهضي الأسسية «بإرساء أسس جديدة للفكر» (ص 57). لذلك، لا تؤدي عدسة الصديقي بالضرورة إلى تقييم أفضل للدمقرطة في العالم العربي.
هناك اتفاق في دراسات التحول الديمقراطي على أن الانتقال من الديكتاتورية يحدث من خلال مسارات مختلفة ولأسباب متنوعة. كل انتقال يتأثر بظروف واعتبارات محلية. وكما تلاحظ غيديس (2004): «كتب العديد من الدراسات الجيدة عن الانتقال الديمقراطي، ولكن القليل من التفسيرات العامة التي يطرحها الباحثون تبين أنها تنطبق على كل الحالات» (ص 2).
ومع ذلك، فإن الحكم على نموذج، أو مفهوم، أو أسلوب بأنه أوروبي-مركزي، حسب تعريف سمير أمين للأوروبية-المركزية يجب أن يصدر وفق معايير. وإلا ستكون هناك نزعة لرفض شامل لكل ما هو أوروبي وغربي. ويبدو لي أن الأوروبية-المركزية تحولت إلى تهمة سهلة لرفض الأفكار والمفاهيم والحجج. وتبدو شكلا من أشكال الاستغراب ردا على الاستشراق.
معايير عالمية أم خاصة بكل ثقافة؟
الجدل حول الأوروبية-المركزية له وجه آخر وهو حول معايير حقوق الإنسان: هل يجب أن تكون عالمية أم معايير خاصة بكل ثقافة؟ المعايير المستخدمة في التدقيق الديمقراطي عالمية. ليس لكل المسلمين اعتراض على هذه. يقول الغزالي (1990، ص 69):
إن الديمقراطيات الغربية إجمالا وضعت ضوابط محترمة للحياة السياسية الصحيحة، وينبغي أن ننقل الكثير من هذه الأقطار لتسد النقص الناشئ عن جمودنا الفقهي قرونا طويلة. وقد قلت وما زلت أقول: إننا أغلقنا باب الاجتهاد قرابة ألف عام، فإذا سبقنا غيرنا في شؤون إنسانية مطلقة، فلا معنى لابتداء السعي من حيث وقفنا متجاهلين كدح غيرنا نحو الكمال!
رأي كهذا يقودني إلى اعتبار رفض الصديقي انطباق المفاهيم الأوروبية والغربية على الدول العربية وغيرها رفضا في غير محله. الأفكار العربية أو الإسلامية أو الهندية أو الصينية أو غيرها لا يجوز رفضها على أساس كونها أفكارا خاصة بثقافة معينة. تبادل التلاقح ظاهرة صحية.
رغبة بيثام في تجنب تهمة الأوروبية المركزية تستحق الثناء، إلا أنه لا يمكن تفاديها حتى لو حاول المرء ذلك جاهدا. الأمر نفسه ينطبق على الحجج المتعلقة بعالمية الحقوق والمعايير الأخرى. طالما بقيت أوروبا (أو الغرب بشكل عام) أكثر تطورا، فإن شيئا من الأوروبية-المركزية لا يمكن تفاديه.
الدول الساعية إلى تطوير أوضاعها تحاكي الغرب إلى حد كبير رغم محاولات الحفاظ على هوية ثقافية فريدة. لو نظرنا إلى حالة الصين كمثال على أن التحديث لا يعني التغريب، فإن هذا المثال صحيح جزئيا. إذا فهم التغريب بمعنى سطحي، مثل ارتداء الملابس الغربية، والاستماع إلى الموسيقى الغربية، وتناول الوجبات السريعة الغربية، فسوف أتفق مع الرأي الذي يرى أن الشعب الصيني قد يرغب في الاحتفاظ بما يفضله من أذواق وأساليب.
ولكن إذا وسع نطاق هذا الرأي ليشمل القول إن الشعب الصيني يفضل الحريات المحدودة، فعندئذ لا أتفق معه. الناس في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن العرق والدين والثقافة، يحبون الحرية.
أحد الاعتراضات على التدقيق الديمقراطي هو «طابع ونوعية الديمقراطية في بلد ما لا يمكن تقييمهما من خلال قائمة من المعايير التي تعتبر مستقلة عن بعضها بعضا» (بيثام 1994، ص 31). أساس الاعتراض هو أن «نظاما سياسيا ما يعمل من علاقات معقدة بين مختلف المؤسسات والممارسات» (ص 31). يوافق بيثام على صحة الاعتراض ولكنه يقول إنه «لا يترتب على ذلك تخلينا عن تبني معايير عامة لتقييم ممارسات مختلفة في دول أو نظم سياسية مختلفة» (ص 31).
هناك اعتراض آخر يتعلق بـ «ما إذا كان من المناسب للأكاديميين المشاركة في مثل هذه الممارسة القائمة صراحة على التقييم وإصدار الأحكام» (ص 35). يشرح بيثام (1994، ص 35) أن مشاركة من هذا القبيل لا تعتبر مشكلة في كل المجالات الأكاديمية، لأن «الذي يعملون في مجال النظرية السياسية المعيارية يواجهون صعوبة أقل في هذا الشأن مقارنة بالذين يعملون بشكل رئيسي في العلوم السياسية التحليلية والاستكشافية».
ويضيف بيثام: كل مؤشرات الديمقراطية «قائمة بالضرورة على التقييم وإصدار الأحكام» (ص 35). اختيار درجة من سلم درجات أمر ينطوي على إصدار حكم، وخاصة عندما تصبح الأحكام دليلا يستخدم في السياسة الخارجية لبلد تجاه آخر. وليس من غير المعقول أن تسأل الدول التي تدمغ بحكم الدولة التي أصدرت الحكم إن كانت مستعدة لأن تُقيم باستخدام معايير مماثلة.
وبعد أن يفرغ بيثام من شرح ما للتدقيق الديمقراطي وما عليه، يحدد ثلاثين مؤشرا للديمقراطية. وتم تطوير الأسئلة بعد التعاون مع المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، التي يبلغ عدد الأسئلة في استبيناها تسعين سؤالا.
رغم رد بيثام على الاعتراضات المختلفة، فإن الجدل حول المعايير التي يجب استخدامها يستحق إجراء المزيد من المناقشة، خاصة فيما يتعلق بما إذا كان يجب أن تكون هناك حقوق عالمية. أحد الانتقادات الموجهة إلى المعايير العالمية هو أن «فيها تحيزا ليبراليا غربيا» (هيومانا 1987، ص 5).
يتفق هيومانا مع الملاحظة ويؤكد أنها «حقيقية لا يمكن إنكارها». ولكنه يقول إن الدول التي تنضم إلى الأمم المتحدة تفعل ذلك طواعية. ويشير إلى أنه حتى بعد فعل ذلك، لا تزال هناك فجوة بين النظرية والممارسة. ويذكر، على سبيل المثال، الدول الإسلامية التي انضمت إلى الأمم المتحدة، ومع ذلك فإنها تعطي «دينها وتقاليدها الأولوية على واجبها تجاه الأمم المتحدة، وهذه حقيقة لا خلاف عليها» (ص 5).
وتعارض موف (2008) نهج العالمية. وتؤيد وجود «نوع من التعددية دافع عنه كارل شميت» الذي «أصر على أن العالم متعدد الأكوان وليس كونا واحدا». وتفضل نظاما عالميا متعدد الأقطاب لأن في ذلك حماية من الهيمنة.
هذا أمر جيد لو كان صحيحا. من المرجح جدا أن يتم في عالم متعدد الأقطاب تقاسم الهيمنة بين القوى الكبرى، وأن تمارس في مناطق نفوذ كل منها. هكذا كان الوضع قبل أن يصبح العالم ثنائي القطب أثناء الحرب الباردة. أميركا اللاتينية كانت مخصصة للهيمنة الأميركية. وبريطانيا وفرنسا اتفقتا على الأراضي التي تريدان استعمارهما في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
الاتجاه العام لرأي موف سليم. ولكن عندما يتعلق الأمر بجوانب محددة، تصبح نظرتها إشكالية، وخاصة عندما تناقش حقوق الإنسان، فهي تقول: «هناك شيء إشكالي حول فكرة حقوق الإنسان التي يجب قبولها من جميع الثقافات» (ص 454). قال شميت ([1929] 2007): «لا يمكن للكيان السياسي أن يكون عالميا بمعنى احتضان البشرية جميعها والعالم كله» (ص 53).
ولكن المعيار العالمي لحقوق الإنسان لا يعني كيانا سياسيا يضم البشرية جميعها والعالم كله. إضافة إلى ذلك، يشير شميت إلى نقطة صحيحة وهي أن: «مفهوم الإنسانية أداة أيديولوجية مفيدة بشكل أساسي للتوسع الإمبريالي. وفي شكله الأخلاقي-الإنساني، هو وسيلة محددة للإمبريالية الاقتصادية» (ص 54).
أتفق معه على أن مفاهيم مثل الحرية والديمقراطية والإنسانية وحقوق الإنسان تستخدم كأدوات أيديولوجية للتوسع الإمبريالي والإمبريالية الاقتصادية. ولكني أتفق فقط عندما أفحص الداعي إليها. عندما يكون جورج بوش الابن هو الرسول، فإن خطابه عن الحرية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان تنقصه المصداقية. عندما يكون الرسول الملايين من الناس الذين عارضوا الحرب على العراق في عام 2003، أجد في مفهوم الإنسانية أمرا حقيقيا يستحق أن يحتفى به.
في رأيي أن حجة موف بشأن تعدد الأقطاب تعاني من خلل. كم يجب أن يكون عدد الأقطاب؟ ثلاثة؟ سبعة؟ ولماذا أي رقم محدد؟ وبالنظر إلى تعدد الثقافات في العالم، كم يجب أن يكون عدد معايير حقوق الإنسان الخاصة بالثقافات؟ من المفيد هنا التذكير بما قاله سعيد (2008) ردا على هنتنغتون بخصوص الثقافات (الحضارات)، أي أن الثقافات ليست مغلقة ومعزولة وأنها على مر التاريخ شهدت التبادل والتلاقح والمشاركة.
تجدر الإشارة إلى أن موف (2008) ترى أن «الجاليات المختلفة» لا ينبغي السماح لها «بتنظيم نفسها وفقا لقوانينها» إذا كانت هذه القوانين «تتعارض مع الأساسيات الدستورية» (ص 463). رغم اتفاقي مع هذا الرأي، إلا أنني أرى أنه يقوض رأيها الذي ناقشته أعلاه بشأن التعددية.
الخلل في حجة المعترضين على عالمية المعايير يكمن في أن النية حسنة، ولكن نتائجها ليست كذلك. هؤلاء المنظرون لا يتلفتون إلى النقاشات التي تجري في أوساط كل ثقافة حول ما يجب الاحتفاظ به منها، وما يجب تغييره. حتى المنظرون الذين يحاولون تجنب الأوروبية-المركزية من خلال إظهار الاحترام للثقافات الأخرى يخفقون في الاطلاع على الآراء والنقاشات التي تجري داخل هذه الثقافات.
موقف كهذا نابع من حسن نية جعل إسبوزيتو وفول (1996) يصوران حجج المودودي المناهضة للديمقراطية بأنها نموذج إسلامي للديمقراطية. لماذا يجب أن ينظر للمودودي أو قطب وكأنهما تحدثا باسم جميع المسلمين فيما يتعلق بالديمقراطية أو مفاهيم أخرى؟
أشعر بالريبة من حجج المعايير غير العالمية، لأن استنتاجها النهائي هو أن الناس من العرق غير الأوروبي لا يستحقون هذه الحقوق. وحجج رفض المعايير العالمية يفضلها الحكام الاستبداديون لإدامة بقائهم في السلطة. مفاهيم الحداثة وحقوق الإنسان والديمقراطية لا يمكن أن تصادرها أوروبا أو الغرب أو العالم اليهودي المسيحي.
لا أشك في أن بعض الباحثين يقدمون حججهم بدافع التعاطف مع طموحات الشعوب الأخرى في أن تكون مختلفة، وبدافع مناهضة خطاب الهيمنة. ولكن حق الإنسان وفق معيار عالمي لن يجعل الشعب الصيني أوروبيا أو غربيا. ولن يجعل الأردني غير أردني. من وجهة نظري، هناك سبب أفضل لاختيار معيار عالمي. هو يعني ضمنا أن كل الناس في كل أنحاء العالم يعتبرون متساوين وجديرين بذات الحقوق.
الحجج المعترضة على وجود خيار عالمي لحقوق الإنسان غير سليمة لأنها تفتح الباب لانتهاك الحقوق. هذه الحجج تصبح وجيهة لو كانت المعايير الخاصة بكل ثقافة أرقى من العالمية. عندما كان العالم الإسلامي أكثر تسامحا مع المسيحيين واليهود، اختار بعض يهود إسبانيا العيش في العالم الإسلامي. في ذلك الوقت، كان يمكن القول إن المعايير الإسلامية لحقوق الإنسان كانت أعلى من معايير إسبانيا، ولذلك كان من الطبيعي أن يميل الناس إلى الذهاب إلى حيث المعايير أفضل ليعيشوا هناك.
أتفق مع الذين يختارون المعايير العالمية كأساس، ولكن دون إغفال حقيقة أن المعايير العالمية ليست مطلقة، بل مقيدة بشروط تجعلها أحيانا تبدو «عديمة القيمة». كمثال على ذلك يستشهد بيثام (2004) بالمادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ويشير إلى الجزء الأول الذي يدعم حرية التعبير:
(1) لكل إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية، وذلك دون إخلال بحق الدولة في أن تطلب ترخيص نشاط مؤسسات الإذاعة والتلفزيون والسينما.
أما الجزء الثاني من المادة فيذكر قيودا عديدة:
(2) هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات. لذا يجوز إخضاعها لشكليات إجرائية، وشروط، وقيود، وعقوبات محددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديمقراطي، لصالح الأمن القومي، وسلامة الأراضي، وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة، وحماية الصحة والآداب، واحترام حقوق الآخرين، ومنع إفشاء الأسرار، أو تدعيم السلطة وحياد القضاء.
ويقول بيثام (2004) عن هذه المادة: «عندما تعطي الطلبة النص لقراءته معظمهم يقول إن هذا الحق لا قيمة له» [1]. وبعبارة أخرى، حيث تعتبر معايير الحقوق عالمية، لا يزال التمتع بها دون قيود نضالا لم يتوقف بعد.
بالاعتماد على التدقيق الديمقراطي، وضع كلغ وستارمر ووير (1996) مؤشرا لحقوق الإنسان، ومبررهم لذلك أن «الحقوق والحريات السياسية تتمتع بحماية خاصة في المعاهدات الدولية لوجوب إخراجها مبدئيا من المتاجرة اليومية في السياسة «(ص 309). وبناء على ذلك، أعد كلغ وستارمر ووير استبيانا معتمدا على صكوك الأمم المتحدة، وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
معايير إسلامية؟
قبل أن أختتم المناقشة حول المعايير التي يجب استخدامها، سأحاول تحديد بعض المعايير الإسلامية، ومناقشة ما إذا كان يمكن أو يجب استخدامها في التدقيق الديمقراطي.
يوفق أبو الفضل (2004)، بين الديمقراطية والإسلام، ويحدد «مجموعة من القيم الاجتماعية والسياسية التي تعتبر مركزية في نظام سياسي مسلم» (ص 5). القيمة الأولى «السعي إلى العدل من خلال التعاون والمساعدة المتبادلة»؛ والثانية «تأسيس طريقة حكم استشارية غير فردية»؛ والثالثة «مأسسة الرحمة والرأفة في التفاعل الاجتماعي» (ص 5).
هل يمكن استخدام القيم الإسلامية التي حددها أبو الفضل في التدقيق الديمقراطي؟ إحدى الإجابات الممكنة هي أنها قد أدرجت بالفعل دون تصنيفها كقيم إسلامية، لأن أبو الفضل، بعد التوفيق بين الديمقراطية والإسلام، يخلص إلى أن الديمقراطية «توفر أقصى إمكانية لتعزيز العدالة وحماية الكرامة الإنسانية دون أن تجعل الله مسؤولا عن الظلم أو إذلال البشر» (ص 5-6).
الإجابة الممكنة الثانية هي أن هناك حاجة لمعايير لقياس هذه القيم. الرد الثالث هو أنه عندما تحدد المعايير، سيكون أمرا حسنا القيام بتدقيق ديمقراطي ذي معايير إسلامية.
بعد تحديد هذه المعايير، سيصبح هناك أساس لمطالبة بيثام وغيره بإعادة النظر في معاييرهم لتأخذ في الحسبان المعايير الإسلامية وغيرها. لذلك، لا يجوز لي في هذا التدقيق الديمقراطي المتعلق بالأردن أن أخلط المعايير، فهذا غير سليم منهجيا وتطبيقيا.
= = =
الهوامش
[1] ورقة منشورة بصيغة إلكترونية دون رقم صفحات.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، تقييم الديمقـراطيـة في الأردن: 1990-2010 (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي. تقييم الديمقـراطيـة في الأردن: 1990-2010. لندن: عود الند، 2018.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- تقييم الديمقراطية في الأردن
- غلاف كتاب تقييم الديمقراطية في الأردن. المؤلف: د. عدلي الهواري