مكتبة وأرشيف

د عدلي الهواري

للمساهمة في التراكم المعرفي وتعزيز التفكير النقدي

ORCID iD icon https://orcid.org/0000-0003-4420-3590
 
أنت في : الغلاف » كتب الهواري بالعربية » تقييم الديمقراطية في الأردن » هل يمكن قياس الديمقراطية؟

كتاب: تقييم الديمقـراطيـة في الأردن: 1990-2010

هل يمكن قياس الديمقراطية؟

د. عدلي الهواري


إن العامل المشترك بين الآراء المتنوعة في حال الديمقراطية في الأردن أنها معتمدة على انطباعات وليس على معايير محددة. وهذا الوضع يدعو إلى تقييم الديمقراطية في بلد ما وفق معايير واضحة. منهجية التدقيق الديمقراطي تعتمد على معايير محددة تهدف إلى الوصول إلى تقييم مفصل. ومع ذلك، قبل أن أشرح لماذا تتفوق مزايا التدقيق الديمقراطي على الطرق الأخرى، سأذكر عدة تقييمات تستند إلى أساليب ومعايير متنوعة لقياس حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية في الأردن والدول الأخرى.

عدلي الهواري مدير الأرشيفيعترف سويسر ودي ميجيل (2008) بالشك فيما يتعلق بقياس الديمقراطية ويقولان «إن جدوى ومدى أهمية «قياس» حقوق الإنسان والديمقراطية والحوكمة كانت منذ فترة طويلة مثيرة للجدل في أوساط المهتمين بحقوق الإنسان وفي الوسط الإحصائي الدولي أيضا» (ص 157). لكنهما يشيران إلى أن هناك «حاجة إلى مؤشرات لقياس الديمقراطية وحقوق الإنسان»، لأنها «تعتبر على نحو متزايد أساسية للحوكمة الرشيدة» (ص 169).

تختلف شدة انتهاكات حقوق الإنسان، ولها نتائج ملموسة. ولذلك، فإن محاولة تحديد درجة الاختلاف في الانتهاكات أمر منطقي. هيومانا (1987) أصدر مؤشرا خاصا بحقوق الإنسان في 120 دولة. وردا على التشكيك في قياس انتهاكات حقوق الإنسان، يشير هيومانا (1987، ص vii) إلى استنتاج بانكس (1985) الذي يقول فيه إنه يمكن استخدام الإحصاءات في خدمة حقوق الإنسان، مثلما تستخدم في مجالات أخرى [1]. سأناقش هذا الشك في قسم آخر من هذا الفصل.

قبل ذلك، أود أن أشير إلى كيف وصف بعض الباحثين الذين درسوا الديمقراطية والإسلام في الأردن مدى الديمقراطية في البلاد. يستنتج الشرعة (1997) أن «الأردن برز بوصفه البلد الأكثر انفتاحا ديمقراطيا في العالم العربي، بمعنى أن كل الجماعات والاتجاهات السياسية بما في ذلك الإسلاميون، يمكنها المشاركة في العملية السياسية» (ص 323). ليس واضحا ما يعني الشرعة بقوله «الأكثر انفتاحا ديمقراطيا»، وسبب اختياره المقارنة ضمن العالم العربي فقط. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحال: هل توجد دول ديمقراطية في العالم العربي؟ وكيف يمكن استنتاج أن الأردن الأكثر ديمقراطية بينها؟

نويون (2003) تقول إن الأردن «سمح للإسلاميين بحرية أكبر للتنظيم، وبإدارة ذاتية أكبر في نشاطاتهم الاجتماعية والسياسية مقارنة بمعظم الدول العربية الأخرى» (ص 81). ووفقا لروبنسون، «كانت المهمة الأساسية للبرلمان إضفاء الشرعية على أجندة الملك حسين» (ص 393). يختلف روبنسون مع الرأي القائل إن شعبية الإسلاميين تراجعت. ويقول إن نتائجهم كانت «حسنة جدا في نظام انتخابي صمم بشكل واضح للعمل ضد مصلحتهم» (ص 399). ومقياس النجاح يعكسه الفوز بـ«أكثر من ربع مقاعد البرلمان»، الذي يعادل «ثلث عدد المقاعد المستثناة من الكوتا» (ص 399).

يدرس لوكاس (2005) «ملامح الأنظمة الاستبدادية التي تسهل استقرار الاستبداد» (ص 1). ويسعى لشرح كيف «تمكن النظام الأردني من مواجهة تحديات البقاء الخارجية والسيطرة على التهديدات الداخلية». ويتساءل: «هل يمكن لنجاح الملكية الأردنية شرح الديمومة المدهشة للأنظمة الاستبدادية في العالم العربي؟» ويشير لوكاس أيضا إلى أن بحثه «يهتم باستخدام النظام الأردني القواعد المؤسسية في ثلاثة مجالات: الأحزاب السياسية والبرلمان الأردني [...] والصحافة» (ص 7).

تقول بولبي (1999): رغم أن «تحقيق الديمقراطية الليبرالية لم يكن هدف الإخوان النهائي، إلا أن دور الجماعة كان قوة محرّرِة في السياسة الأردنية» (ص 116). وتؤكد شويدلر (2006) أن الأردن ليس «قريبا من تلبية المظاهر الأساسية للديمقراطية» (ص 2). ويوضح لينش (1999) أن «النقاش السياسي في الأردن أصبح حرا ومفتوحا إلى حد لافت، حتى حول أكثر المواضيع حساسية» (ص 31). ويشير مودل (2002) إلى أن «سياسة الدولة الجامعة تجاه جماعة الإخوان عززت تحالف الجماعة-الهاشميين» (ص 3).

إن العامل المشترك بين الآراء المتنوعة في حال الديمقراطية في الأردن أنها معتمدة على انطباعات وليس على معايير محددة. وهذا الوضع يدعو إلى تقييم الديمقراطية في بلد ما وفق معايير واضحة. منهجية التدقيق الديمقراطي تعتمد على معايير محددة تهدف إلى الوصول إلى تقييم مفصل. ومع ذلك، قبل أن أشرح لماذا تتفوق مزايا التدقيق الديمقراطي على الطرق الأخرى، سأذكر عدة تقييمات تستند إلى أساليب ومعايير متنوعة لقياس حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية في الأردن والدول الأخرى.

الفهارس والتقييمات الأخرى

هيومانا أعد مؤشرا بالاعتماد على استبيان مكون من أربعين سؤالا. نسخة الفهرس الصادرة في عام 1983 «شملت بنودا غير مشمولة في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان» (ص viii). ولكنه عدل الاستبيان لتكون كل الأسئلة «مستخلصة بالكامل» من الصكوك (ص viii). بعد استلام الإجابات عن الاستبيان يقيم هيومانا كل سؤال ويستخدم نظام تقييم مكون من أربع درجات: نعم بحروف إنجليزية كبيرة (YES)، ونعم بحروف صغيرة (yes)، ولا بحروف صغيرة (no)، ولا بحروف كبيرة (NO). العلامات المقابلة لكل درجة هي 3؛ 2؛ 1؛ 0.

ويعطي هيومانا وزنا أكبر لبعض الانتهاكات، فالتهديد مثلا له درجات من الشدة. في حال حصول هيومانا على معلومات ناقصة، يعد تقريرا موجزا عن البلد المعني. وضع هيومانا هذه الفئة من التصنيف ليمكنه أن يغطي الدول التي توفرت حولها بعض المعلومات «ولكنها لا تشمل البنود المحددة في الاستبيان» (ص 4). الدرجات ضمن هذه الفئة هي «حسن» مقابل علامة تبلغ 75 في المئة أو أكثر؛ «ضعيف» لـعلامة بين 75-41 في المئة؛ وسيء لعلامة أقل من 40 في المئة.

يظهر الأردن في فهرس هيومانا ضمن الدول التي كتب عنها تقريرا موجزا، والدرجة التي منحها له هي «ضعيف» (ص 150). يذكر هيومانا (ص 150) أربعة أسباب لهذا التقييم: (أ) «سلطة الملك المطلقة»؛ (ب) «النزاع المستمر مع إسرائيل»؛ (ج) «تطبيق الشريعة الإسلامية على جوانب كثيرة من الحياة الاجتماعية والشخصية»؛ (د) «أقلية مهمة من الفلسطينيين، أكثر من ربع السكان، لا تزال تسبب عدم الاستقرار».

ويشير إلى سببين إضافيين يؤثران على حقوق الإنسان في الأردن: (1) «الأهمية الاستراتيجية للبلد والنظام» للولايات المتحدة؛ (2) «المحافظة على سلطة الملك الحالي لها الأولوية على حقوق الإنسان» (ص 150). ليس من الواضح لماذا يعتقد هيومانا أن الفلسطينيين في الأردن «يخلقون عدم استقرار» والنوع الذي قصده. ولكن بصرف النظر عن سبب اعتقاده، يطرح التدقيق الديمقراطي أسئلة عن المواطنة لتحديد مدى الاتفاق على المبدأ في الأردن. وإشارة هيومانا إلى الأهمية الاستراتيجية للبلد يتعرض لها التدقيق الديمقراطي من خلال أسئلة عن التأثير الخارجي على الديمقراطية في الأردن.

تصدر مؤسسة فريدوم هاوس (Freedom House) تقريرا سنويا تضع فيه جميع دول العالم في ثلاث فئات: حرة، حرة جزئيا، وغير حرة. يرد الأردن في التقارير السنوية المختلفة ضمن فئة حرة جزئيا. تعتبر فريدوم هاوس (2010) نفسها «صوتا واضحا للديمقراطية في جميع أنحاء العالم». وكما يوحي اسمها فهي تعتبر الديمقراطية والحرية أمرا واحدا.

يصنف سارتوري (1962، ص 281-284) الحريات في فئتين: حرية القيام بأمور، وحرية تحمي المواطن من أمور أخرى. ويرى أن الحريات الحرية السياسية تهدف إلى حماية الفرد من سلطة الدولة (ص 283). تعرّف فريدوم هاوس (2010) الحرية بأنها «فرصة التصرف بتلقائية في مجالات متنوعة خارج سيطرة الحكومة و/أو مراكز أخرى ذات هيمنة محتملة». تقييم فريدوم هاوس للحقوق المدنية والسياسية يعتمد على المعايير العالمية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

يتكون تقييم دولة ما من تقرير تحليلي ودرجات عددية (1-7، حيث الدرجة 1 تعني أن الدولة حرة أكثر من التي تمنح الدرجة 2). العلامات التي تقابل الدرجات تحدد كالتالي: الدرجة 1 مقابل علامة 36-40؛ 2 (30-35)؛ 3 (24-29)؛ 4 (18-23)؛ 5 (12-17)؛ 6 (6-11)؛ 7 (0-5).

في فئة الحقوق السياسية، هناك ثلاثة أقسام فرعية: العملية الانتخابية؛ التعددية السياسية والمشاركة؛ وعمل الحكومة. تحتوي كل فئة على أسئلة عامة، وفي كل منها أسئلة فرعية. هناك اثنان وسبعون سؤالا، ثمانية منها اختيارية ومخصصة «للمملكات التقليدية التي لا يوجد فيها أحزاب أو نظام انتخابي» ولسلطات الاحتلال. على ضوء الطريقة أعلاه، يتبين أن الرأي القائل إن الحرية والديمقراطية ليسا أمرا واحدا رأي صحيح.

قد تختار مملكة على سبيل المثال أن تكون ليبرالية وتسمح للناس بحرية التعبير، لكن الحكومة فيها غير منتخبة. ومع ذلك، فإن الطريقة والقائمة اللتين تستخدمهما فريدوم هاوس تظهران أنها تقيم مدى ديمقراطية الدولة، ولكن فريدوم هاوس تفضل استخدام حرية بدلا من ديمقراطية وديمقراطي. أحد الأسباب المحتملة لهذا التفضيل أن للحرية دلالات أكثر إيجابية، فصفة «ديمقراطية» أضيفت إلى أسماء دول ليست كذلك، وخاصة أثناء الحرب الباردة، كما في حالة ألمانيا الشرقية واليمن الجنوبي.

وحدة الاستخبارات التابعة لمجلة الإكونوميست البريطانية تتولي تقييم الديمقراطية في دول العالم. وأصدرت «مؤشر الديمقراطية» في عامي 2007 و2008، وصنفت فيهما دول العالم في أربع فئات: (1) ديمقراطيات كاملة؛ (2) ديمقراطيات ناقصة؛ (3) أنظمة هجينة؛ (4) أنظمة استبدادية.

تعد الوحدة المؤشر وفق معايير خاصة بها، وهي تختلف عن معايير فريدوم هاوس، وترى أن تقييم الحريات السياسية والمدنية فقط، كما تفعل فريدوم هاوس ليس كافيا. اعتمدت وحدة استخبارات الإكونوميست خمسة مجالات للتقييم: (أ) العملية الانتخابية والتعددية؛ (ب) الحريات المدنية؛ (جـ) أداء الحكومة؛ (د) المشاركة السياسية؛ (هـ) الثقافة السياسية (تقرير مؤشر الديمقراطية لعام 2008، ص 2).

تضم كل فئة عددا من الأسئلة يبلغ مجموعها ستين سؤالا، أي بمعدل اثني عشر سؤالا لكل فئة. تمنح علامة لكل إجابة بحيث يبلغ مجموع العلامات في كل فئة عشر علامات. إذا بلغ معدل العلامات للفئات الخمس 8-10، تحصل الدولة على تصنيف ديمقراطية كاملة. إذا كان المعدل 7.9-6، يكون التصنيف ديمقراطية ناقصة. وإذا كان المعدل 5.9-4 يكون التصنيف دولة هجينة. إذا نقص المعدل عن 4 يكون التصنيف دولة استبدادية (تقرير مؤشر الديمقراطية لعام 2008، ص 18).

وبالنسبة لنظام العلامات التي تمنح على الإجابات عن الأسئلة الستين، تستخدم الوحدة نظاما من علامتين، وآخر من ثلاث. في النظام الأول تعطى العلامة 1 للإجابة عن السؤال بنعم، وصفر في حالة لا. في الكثير من الأسئلة يتم منح نصف علامة لان الأسئلة تتعلق بـ«مناطق رمادية». تقول وحدة استخبارات الإكونوميست إن نظام التقييم هذا لا يخلو من المشكلات، ولكنها تعتبره أفضل من نظامي 1-5 أو 1-7.

يظهر الأردن في مؤشر عام 2007 في المرتبة 113 نتيجة حصوله على المعدل 3.92 نقطة. وفي عام 2008، انخفضت المرتبة إلى 117، ولكن المعدل كان أفضل بقليل من معدل السنة السابقة، وبلغ 3.93. انخفاض المرتبة يشير إلى حدوث تحسن في دول أخرى أدى إلى التفوق على الأردن الذي بقي وضعه كما هو على أساس المعدل. في مؤشر عام 2010، حصل الأردن على المركز 117، وكان المعدل 3.74، وصنف الأردن ضمن فئة الأنظمة الاستبدادية.

مؤسسة بوليتي 4 (Polity IV) مشروع يرصد «خصائص النظام السياسي والتحولات، 1800-2008». بوليتي من الجهات التي تعتمد طريقة مختلفة في التقييم وتركز على أربعة مجالات (2009): (ا) السمات الرئيسية لتولي المناصب التنفيذية؛ (ب) القيود المفروضة على السلطة التنفيذية؛ (جـ) التنافس السياسي؛ (د) التغييرات في السمات المؤسسية للسلطة الحاكمة.

وفقا لـبوليتي (2009)، فإن «منهجيتها المفاهيمية فريدة». وتعزو ذلك إلى فحصها «السمات المصاحبة للسلطة الديمقراطية والاستبدادية في مؤسسات الحكم». تستخدم بوليتي مقياسا يتألف من 21 نقطة، تتراوح بين -10 (الملكيات الوراثية) وحتى +10 (الديمقراطيات الراسخة). العلامة التي تمنح لكل دولة تؤدي إلى إدراجها ضمن ثلاث فئات: حكم استبدادي (من -10 وحتى -6)؛ حكم هجين (من -5 وحتى +5)؛ وحكم ديمقراطي (من +6 وحتى +10).

بالنسبة إلى الأردن، تظهر بيانات بوليتي منذ عام 1946 أن الأردن لم يبلغ قط عتبة تصنيف الحكم الديمقراطي. تظهر في البيانات ذروتان قربتا الأردن من تصنيف حكم هجين. الذروة الأول كانت في 1956/1957، عندما تولى سليمان النابلسي رئاسة الحكومة لكونه زعيم الحزب الوطني الاشتراكي الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب في انتخابات عام 1956. ويبدأ الاتجاه نحو الذروة الثانية في عام 1984 وتبلغ أعلى ارتفاع من عام 1992 وحتى 2006، ثم تعود إلى الانخفاض ثانية.

سلط كنعان ومسعد (2010) الضوء على العوامل السياسية والاقتصادية التي جعلت بوليتي ترفع درجة تقييم الأردن أو تخفضها (ص 87-112). وقالا إن الأردن «مثل معظم الدول العربية، عانى من الحكم الاستبدادي المستمر». وفسرا «مقدرة الملكية الأردنية على إعاقة الإصلاحات السياسية الحقيقية باستخدام حوافز ووسائل مختلفة ممولة إلى حد كبير من الواردات العامة الريعية (بلا ضرائب) وذلك لاستقطاب النخبة والطبقة الوسطى، وبالاعتماد على الدول الغربية» (ص 111).

ينشر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية تقريرا سنويا عن حالة الديمقراطية في الأردن. يعتمد التقرير على استطلاع للرأي. في عام 2007، أشارت مقدمة التقرير إلى الأهداف التالية:

ويهدف الاستطلاع إلى معرفة توجهات المواطنين الأردنيين نحو التحول الديمقراطي في الأردن بشكل عام. ويشمل الاستطلاع قياس مستوى الديمقراطية كما يراها المواطنون، وماذا تعني الديمقراطية للأردنيين، وما هو شكل النظام السياسي الذي يرغب الأردنيون فيه، وأي نظام سياسي يرون أنه الأفضل لحل مشاكل الفقر والبطالة والفساد المالي والإداري [2].

هذه المقدمة تعتبر أن الأردن يمر في مرحلة تحول ديمقراطي. ومن الواضح أنها تعتبر تعريف الديمقراطية مسلما به، وكل أردني ملم به. ووفقا لمركز الدراسات الاستراتيجية (2008، ص 3):

تفهم غالبية الأردنيين الديمقراطية على أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالحريات المدنية والسياسية، ولا يختلف هذا الفهم، في جوهره، عن مفهوم الديمقراطية في البلدان الديمقراطية المتقدمة. ومنذ استطلاع عام 1999 وحتى هذا الاستطلاع بلغ معدل الإجابات التي عرفت الديمقراطية على أنها حريات مدنية وحقوق سياسية %63 من مجموع الإجابات، وإلى جانب هذا الفهم السياسي للديمقراطية، هناك فهم سيسيولوجي يعرف الديمقراطية بربطها بالعدل والمساواة (%21) وبالتنمية الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية (%12). وهناك نسبة بسيطة تعرف الديمقراطية بالأمن والاستقرار (%4).

في الإشارة إلى الحقوق المدنية والسياسية، يبدو أن الاستطلاع يسترشد بالمعايير التي اعتمدتها فريدوم هاوس. منهجية التدقيق الديمقراطي لا تترك تعريف الديمقراطية للسياسيين أو الشعب للأسباب التي يذكرها بيثام في فصل آخر. المنهجية استخدمها وير وبيثام في عام 1999 لتقييم الديمقراطية في بريطانيا عندما كان توني بلير رئيس الحكومة، وبالتالي لا تفترض المنهجية مقدما أن بلدا كبريطانيا يعتبر ديمقراطيا ولا يحتاج إلى تقييم.

اعتمد استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية على انطباعات المستجيبين لا على معايير محددة. لذلك، رغم أن تقارير المركز قيّمة، إلا أنها لا تقدم تقييما معتمدا على معايير متعارف عليها. من الأمثلة على ذلك مقارنة الديمقراطية في الأردن مع دول أخرى:

وعند مقارنة مستوى الديمقراطية في الأردن مع دول أخرى، نجد أن الأردنيين يقيمون الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل على أنهما ديمقراطيتان [...] ويقيمون السعودية، وسورية، وفلسطين، والعراق على أنها دول غير ديمقراطية. وبقي هذا التقييم متسقا مع التقييمات السابقة لمستوى الديمقراطية في هذه الدول منذ عام 1999 [...] وحتى 2006.

في المقابل، يدرج مؤشر الديمقراطية الذي تعده وحدة استخبارات الإكونوميست (2007) فلسطين في الفئة الهجينة [مزيج من الديمقراطية والاستبداد] (ص 4). تقييم مركز الدراسات الاستراتيجية لمستوى الديمقراطية في الأردن أكثر سخاء من التقييمات الأخرى المشار إليها أعلاه. ولهذا السخاء تفسيران. رغم حرص المركز على كونه مركزا مستقلا، إلا أنه يعمل في بيئة مطلوب فيها إظهار الولاء للأردن. ولا يشير المركز إلى المعايير المستخدمة في الوصول إلى ذلك الاستنتاج. استطلاعات الرأي ليست وسيلة موثوقة لتقييم مستوى الديمقراطية في أي دولة من دول العالم، بما في ذلك الأردن.

قياس الديمقراطية: نقد للطرق

يستعرض كلغ وستارمر ووير (1996) طرقا مختلفة تستخدم في تقييم «الحريات والحقوق السياسية» ويعتبرونها «غير مرضية». ويعتبرون المقاربات الكمية والنوعية لدراسات حقوق الإنسان «غير ملائمة». فيما يتعلق بالطريقة التي اعتمدتها فريدوم هاوس، يقول كلغ وستارمر ووير إن «المؤشر المستخدم في تقييم الحريات واسع جدا ويستند جزئيا فقط إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان [...] وبالتالي، يتبقى الكثير لتقدير «الخبير» المستقل المكلف بالإجابة عن هذه الأسئلة» (ص 14). أحد الأمثلة لتبرير هذا التحفظ يتعلق بقياس «استقلال المحاكم».

يشمل كلغ وستارمر ووير في هذا النقد منهجية هيومانا، ويقولون إنه «لا يقدم الكثير من المعلومات عن بروتوكوله للترميز». ويبدون ملاحظة صحيحة مفادها أن «التقييم النهائي» يقوم به «هيومانا نفسه». ويستعرض كلغ وستارمر ووير جوانب نقدهم للمنهجية الكمية. ويأخذون على سبيل المثال عدد المظاهرات المحظورة، ويقولون إن السؤال عنها «يمكن أن يكون مضللا» في غياب «إشارة إلى النشاط السياسي السائد في البلاد» (ص 15). كذلك، لا تكشف المقاربة الكمية المستويات المختلفة للتعذيب.

ويوجه المؤلفون الثلاثة نقدا مماثلا للمقاربة النوعية. فمع أنهم يشيدون بمنظمة العفو الدولية لأنها تصدر التقارير «الأكثر موثوقية»، يشيرون إلى أنها «تمتنع عن منح درجات أو تقييم الحكومات على أساس سجلها في مجال حقوق الإنسان» (ص 15).

ينطبق هذا النقد في رأيي على الطريقة التي يتبعها دايموند ومورلينو (2004) اللذان وضعا معايير لتقييم «جودة الديمقراطية». وهما يعترفان بأن مفهومهما «موضوع محمل بالقيم وبالتالي مثير للجدل» (ص 1). يتضمن تعريفهما للديمقراطية أربعة عناصر: حق التصويت لجميع البالغين؛ انتخابات تنافسية متكررة حرة ونزيهة؛ أكثر من حزب سياسي يعتد به؛ ومصادر بديلة للمعلومات (ص 3).

ويقولان إن الجودة في «قطاعي الصناعة والتسويق يشار إليها في ثلاثة سياقات: الإجراء والمحتوى والنتيجة» (ص 4). على هذا الأساس، فإن تعريفهم لجودة الديمقراطية هو «الديمقراطية التي توفر للمواطنين درجة عالية من الحرية والمساواة السياسية والسيطرة الشعبية على السياسات العامة وصانعي السياسات من خلال العمل الشرعي والقانوني للمؤسسات المستقرة» (ص 4).

بعد الحديث عن تعريفهما للديمقراطية والجودة، ينتقل دايموند ومورلينو إلى «تحديد ثمانية أبعاد تتفاوت على أساسها جودة الديمقراطية»، وهي سيادة القانون؛ المشاركة؛ المنافسة؛ المحاسبة العامودية؛ المحاسبة الأفقية؛ احترام الحريات المدنية والسياسية؛ التنفيذ التدريجي لمساواة سياسية أكبر (مدعومة بمساواة اجتماعية وسياسية)؛ والاستجابة (ص 5).

وفي رأيهما أن «تحليل الديمقراطية الجيدة يجب أن يستبعد الأنظمة الهجينة أو «الاستبدادية الانتخابية» (ص 3). إذا رغب المرء في استخدام معاييرهما لتقييم الديمقراطية في الأردن فعليه أن يبدأ بحكم مسبق، فإذا كان نظام الحكم في الأردن هجينا، فالديمقراطية فيه ليست جيدة. وإذا اعتبر الأردن دولة ديمقراطية، يمكن للمرء أن يبدأ في استخدام الأبعاد الثمانية لتقييم جودة ديمقراطيته. هذا المثال يوضح سبب كون التدقيق الديمقراطي خيارا أفضل، فهو لا يبدأ بحكم مسبق، بل يتم الحكم بعد إتمام التدقيق.

= = =

الهوامش

[1] ورقة مقدمة إلى الجمعية الإحصائية الأميركية.

[2] التقارير متوفرة في موقع المركز بصيغة إلكترونية.


توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):

النسخة الورقية:

1. عدلي الهواري، تقييم الديمقـراطيـة في الأردن: 1990-2010 (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.

توثيق النقل من الموقع:

يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.

توثيق الكتاب في قائمة المراجع:

الهواري، عدلي. تقييم الديمقـراطيـة في الأردن: 1990-2010. لندن: عود الند، 2018.

عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.

JPEG - 22.5 كيليبايت
تقييم الديمقراطية في الأردن
غلاف كتاب تقييم الديمقراطية في الأردن. المؤلف: د. عدلي الهواري

بحث