كتاب: بيروت 1982: اليوم ي
شهادات ومقابلات: 2
د. عدلي الهواري
هذا مثال آخر على السذاجة في الكتابة الصحفية عن الشؤون الفلسطينية، فهاني الحسن لم يكن في ذلك الحين شخصية مغمورة، ولعب دورا بارزا في التواصل مع المبعوث الأميركي فيليب حبيب أثناء حصار بيروت عام 1982. ولذا مجيئه إلى الولايات المتحدة بجواز سفر عربي وباسم مستعار لا يعني أنه لم يكن معروفا لدى المسؤولين في القنصلية الأميركية التي منحته تأشيرة الزيارة. وتتضمن الفقرة أعلاه مشهدا مستعارا من فيلم كوميدي عندما يقول الكاتب إن هاني الحسن كان «متخفيا خلف نظارة سوداء ومعطف طويل».
مقتطف: شهادة العقيد أبو موسى
أدناه مقتطف من مقابلة مع العقيد سعيد موسى مراغة، أبو موسى، أجراها عزام التميمي وأذيعت ضمن برنامج «مراجعات»، قناة الحوار، لندن، في الحلقة 24 من سلسلة مقابلات مع أبي موسى، تحدث فيها بالعربية الدارجة. تاريخ إضافة الحلقة إلى موقع يوتيوب: 20 تشرين الأول 2008.
ما هي الأحداث الحقيقية، الفعلية، التي أدت إلى اتخاذ قرار بالخروج؟
القرار بالخروج يا سيدي: الحركة الوطنية، الأحزاب الوطنية اللبنانية، حقيقة طلع منهم ما يؤشر «بكفّي». وفي مقولة لمحسن إبراهيم، أمين عام منظمة العمل الشيوعي، في أحد اللقاءات مع قادة الفصائل، أنا لم أحضر، ولكن نقل [القول]: قال يا إخوان أعطيناكم لبنان عشر سنين. أعطونا بيروت. أعطيناكم لبنان عشر سنين تسرحوا وتمرحوا وتعملوا اللي بدكم إياه، وتحملنا كل ردّات الفعل الإسرائيلية. أعطونا بيروت. بمعنى: الله يعطيكم العافية [أي غادروا].
[...]
في منتصف شهر سبعة [7/1982] أبو عمّار قدّم لفيليب حبيب مذكرة. هو قدمها لشفيق الوزان. يعني العنوان: السيد رئيس الوزراء، شفيق الوزان. أنا قرأتها بالصدفة، كيف أنا شفتها، إنه في يوم من الأيام في شهر سبعة، يعني مبكرا، في منتصف مرحلة الصراع التي بدأت في شهر ستة وانتهت في آخر شهر ثمانية.
[سعد صايل، أبو الوليد] فات على العمليات. وكان في طيران وفي قصف. قلت له: وين رايح؟ في قصف وفي طيران. قال لي: يا أخي بدي أروح أودي هذه الرسالة لشفيق الوزان. قلت له: شو الرسالة هاي؟ قال لي: خذ. ووضعها على الطاولة. فتحتها. مش مسكر المغلف. فيها توجيه رسالة للسيد رئيس الوزراء شفيق الوزان. يقول فيها [عرفات]: إن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قررت الخروج من لبنان. ولكن كما تحدثنا سابقا، شفويا يظهر، إننا نصر على وجود قوات أجنبية، ولا بأس أن تكون هنالك قوات عربية، على أن تؤمّن حماية للاجئينا في المخيمات. بالتحديد: لاجئينا في المخيمات.
[...]
بقول له: طيب قرأتها يا أبو الوليد؟ قررت قيادة منظمة التحرير الخروج من لبنان؟ إحنا محاصرين في بيروت. كيف نخرج من لبنان؟ شو هـ الإقرار هذا؟
= = =
رابط الحلقة. المقتطف أعلاه يبدأ بعد الدقيقة 20 من الحلقة.
https://www.youtube.com/watch?v=apGFHWqMm2Y
للمزيد عن الرسالة التي يتحدث عنها أبو موسى، وخاصة تاريخ تسليمها لشفيق الوزان، انظر/ي شهادة شفيق الحوت في الصفحات التالية.
= = =
مقتطف من يوميات الحرب المنشورة في عدد خاص (4/6/1983) من مجلة «فلسطين الثورة» بمناسبة مرور عام على الغزو الإسرائيلي للبنان.
27 حزيران 1982: دعا ياسر عرفات الموفد الأميركي فيليب حبيب إلى إجراء محادثات مباشرة معه دون وسطاء. وأكد أن إسرائيل ستقوم بهجوم على بيروت الغربية خلال الأسبوع الحالي، وأشار إلى أنه «يفتش عن حل سياسي لمنع وقوع ضحايا بين المواطنين العزل».
= = =
وصف مصدر فلسطيني المقترحات الأميركية الأخيرة بأنها لم تتضمن شيئا جديدا باستثناء أن الولايات المتحدة تضمن سلامة قادة منظمة التحرير الفلسطينية وتؤمن مرورهم ومغادرتهم بيروت. وما عدا ذلك فهو باق على حاله، وهو مطالبة منظمة التحرير الفلسطينية بالتسليم الكامل وإلقاء السلاح ودخول الجيش اللبناني الذي لم يدخل الحرب إلى المناطق الوطنية لتسلم هذا السلاح في ظل الحراب اليهودية.
= = =
مقتطف: شهادة شفيق الحوت
معلومات ومقتطفات من مذكرات شفيق الحوت، ممثل م ت ف في لبنان، وعضو لجنتها التنفيذية بشأن اجتماع عرفات مع جوني عبده، مدير المخابرات العسكرية اللبنانية، ثم بشأن الرسالة التي سلمت إلى رئيس الوزراء، شفيق الوزان، لتأكيد موافقة قيادة م ت ف على مغادرة بيروت.
1. اجتماع عرفات-عبده
يقول الحوت إن عرفات أخبره بأنه يرغب في الاجتماع مع مسؤول لبناني في بيته في السابعة مساء، 8 حزيران 1982. استفسر الحوت عن اسمه، فقيل له إنه جوني عبده، مدير جهاز المخابرات العسكرية (الشعبة الثانية). حضر عرفات إلى منزل الحوت ومعه القائد العسكري سعد صايل (أبو الوليد). وبعد ذلك حضر عبده ومعه هاني الحسن، عضو مركزية فتح، والصحفي اللبناني نهاد المشنوق، الذي كان قناة تواصل بين قيادة م ت ف وعبده. [في عام 2014 أصبح المشنوق وزير الداخلية في لبنان]. اقترح عبده على عرفات نشر الجيش اللبناني في بيروت الغربية، حيث مقر م ت ف والحركة الوطنية اللبنانية المتحالفة معها، ثم «أوحى، بمنتهى الحذر بأن ثمة شخصا آخر يجب الالتفات الجدي إليه»، وهو بشير الجميّل. كذلك، «اقترح التمهيد لعقد اجتماع مع الشيخ بشير الجميّل من أجل الاتفاق على كل القضايا المتعلقة بالوجود الفلسطيني المسلح وغير المسلح في لبنان. وأكد من جانبه استعداد الشيخ بشير لعقد مثل هذا الاجتماع ورغبته في الوصول إلى تفاهم!» (ص 245-246).
2. رسالة الموافقة على مغادرة بيروت
يقول الحوت إن عرفات زاره زيارة مفاجئة في مقر إقامته الجديد قبل منتصف ليلة السبت 3 تموز [1982] وكان معه هاني الحسن. ويضيف: «وسلمني رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة اللبنانية، شفيق الوزان، وكانت مؤلفة من سطور معدودة تشير إلى موافقة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على إجلاء قواتها عن بيروت في مقابل ضمانات لأمن المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين من أبنائها وأبناء ضواحيها».
سأل الحوت عرفات: «هل وافق الجميع على ذلك؟» فأجاب: «الجميع من دون استثناء». ثم توجه الحوت وعرفات بالسيارة إلى بيت الوزان بعد منتصف الليل. وكان الوزان «في ثياب النوم، غير أن عينيه كانتا تشهدان على أنه لم يذق طعم النوم منذ أيام». ويضيف الحوت:
وسلّمه أبو عمّار الرسالة. لم يفتحها الوزان أو يسأل عن محتواها. وضعها جانبا على طاولة صغيرة، ثم نهض إلى أحد رفوف مكتبة منزله وعاد وبيديه مجلد كبير. تقدّم صوب أبو عمّار والدمع في عينيه، وقدّم إليه المجلد، وهو يقول: لن أجد في مثل هذه اللحظة ما هو أثمن من «القرآن الكريم» أقدمه إليك ليكون عونا لك على مشوارك الطويل، مشوارنا إلى القدس.
ويقول الحوت إن عرفات قبّل القرآن، وقال للوزان إن إسرائيل والولايات المتحدة ستواصلان مناوراتهما «السياسية الكاذبة لكسب مزيد من وقت يريدونه لمزيد من القتل والتدمير ولاحتلال بيروت. وهمهم الأكبر إيهام الشعب اللبناني البطل وأهالي بيروت بأن موقفنا نحن هو السبب في استمرار هذا الجحيم الذي يقذفونه من كل الجهات». وعلق الوزان على ما قاله عرفات بقوله: «الرسالة معي، ولن أعطيها لأحد قبل أن أتأكد من سلامة الموقف وآخذ الضمانات المكتوبة وإعلانا لوقف إطلاق النار في بيروت» (ص 249-251).
= = =
تعليق على الاجتماع مع جوني عبده
تاريخ عقد الاجتماع يعني أنه تم بعد أيام قليلة من بدء الاجتياح الإسرائيلي، ولم تكن بيروت محاصرة بعد. من الملفت للنظر أن مدير جهاز تابع للدولة اللبنانية يوصي بعقد اجتماع مع زعيم ميليشيا، بشير الجميّل، لبحث قضايا الوجود الفلسطيني في لبنان. هذا يدل على ولاء عبده لبشير وعلى علمهما بأن من أهداف الغزو تنصيب بشير رئيسا للبنان.
أسلوبيا وسياسيا، كان من الأفضل للحوت عدم استخدام صفة «شيخ» قبل اسم بشير الجميّل، وإن كانت تضاف في لبنان إلى اسم بيار الجميّل وابنيه أمين وبشير. لو كان الحوت في اجتماع يحضره بشير وخاطبه بالشيخ لكان السياق مقبولا، بحكم دور الحوت الدبلوماسي كممثل لمنظمة التحرير في لبنان. أما في الكتاب فالاستخدام غير مبرر لما ينطوي عليه من تبجيل غير مستحق بالنظر إلى سجل بشير الدموي. كان من الأفضل أن يستخدم الحوت وصفا مختلفا، كأن يقول قائد ميليشيا القوات اللبنانية. أما «الشيخ» فتجعل القارئ يشعر بأن الحوت يتحدث عن شخصية وقورة.
رافق السجل الدموي لبشير الجميّل سردية لا تخلو من العنصرية تجاه العرب، فهو يرى لبنان مهد حضارة بخلاف الدول الأخرى في المنطقة. ويذكر اليمن كما لو أن هذا البلد لم يعرف الحضارة من قبل. كذلك يقول إن لبنان لا بدو فيه ولا جمال ولا متخلفين، وكأن وجود بدو أو جمال ينتقص من قيمة وطن أو أمة ما. أما وصم الأمم بالتخلف فكان ذريعة الأوروبيين لاستيطان واستعمار بقية العالم. يقول بشير الجميّل في خطاب منشور في يوتيوب:
لأنه لبنان ليكون حقيقة لبنان اللي بدنا إياه [نريده] هو وطن الحريات، هو وطن الحضارة، وإلا بنكون مثل اليمن أو مثل كل هالبلدان يللي بعلمكن منهن [التي تعرفونها] ما بعود في أي مبرر لوجودنا، ولا بعود في أي سبب لوجودنا، إذا نحنا كفئة مسيحية في هالشرق ما كنا متميزين عن غيرنا [...] ما حدا أذكى منا أبدا. ولا حدا أشطر منا أبدا. ولا حدا دافع عن بلاده أكثر مما نحن دافعنا عن [التصفيق طمس الكلمات] ولا حدا حضارته أقوى من حضارتنا ليجي [يأتي] يجرب يفرضها علينا ويقول إنه هو أفهم منا، وإنه هو عم بمدّن ثقافة الجمال والبدو والمتخلفين يللي عنّا. نحنا مَنّا [لسنا] متخلفين. نحنا منّا بدو. ونحنا ما عنّا جمال. نحنا عمرنا ست آلاف سنة حضارة، وهالست آلاف سنة حضارة نحنا بنفتخر فيها ومنعرف كيف بدنا نعمل لنحافظ عليها.
= = =
رابط فيديو الخطاب أعلاه:
https://www.youtube.com/watch?v=L_FM5VT02sI
= = =
مقتطف: تقرير سياسي للجبهة الشعبية
أدناه مقتطف من التقرير السياسي الصادر عن اجتماع حول الحرب في لبنان عقدته اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في كانون الثاني 1983 (ص 20-22).
وفي مسار عملية المفاوضات الطويلة والشاقة والمعقدة، برزت مجموعة من الحقائق الهامة يمكن إجمالها بما يلي:
الحقيقة الأولى: أن قيادة الثورة الفلسطينية في الوقت الذي قادت عملية التصدي والمواجهة العسكرية بشجاعة وبطولة، فإنها خاضت عملية المفاوضات بكفاءة، وإن التكتيك الذي اتبعته خلال هذه العملية كان بشكل عام تكتيكا صائبا، وإن الصمود العسكري والقتال الشديد كان يعزز المواقف التكتيكية لقيادة الثورة خلال عملية المفاوضات.
الحقيقة الثانية: هي استمرار تماسك الموقف الوطني الفلسطيني طوال فترة المعركة والمفاوضات. فقد تمكنت قيادة الثورة وبشكل عام، وبالرغم من بعض التصريحات الخاطئة التي صدرت من البعض، أن تحافظ على وحدة الموقف الفلسطيني الرافض للاستسلام وشروط العدو.
الحقيقة الثالثة: هي ثبات وتعزيز التلاحم الوطني الفلسطيني-اللبناني وتواصله في ساحة المفاوضات، كما في ساحة المعركة. فقد ظلت القوى الوطنية اللبنانية تحافظ على مواقف مبدئية تضامنية مع مواقف الثورة الفلسطينية طوال مسيرة المفاوضات، بكل تبدلاتها وتعقيداتها.
وقد تجلى ذلك بأرقى صوره حين دعا وليد جنبلاط القيادة المشتركة إلى اجتماع طارئ ومستعجل حضره عدد من الأمناء العامين لفصائل الثورة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية لبحث التطورات والشروط المطروحة للوصول إلى حل، حيث اتخذت القيادة المشتركة في ذلك الاجتماع قرارا تاريخيا يرفض الشروط المذلة وتواطؤ رأس السلطة اللبنانية مع تلك الشروط التي طرحها فيليب حبيب جملة وتفصيلا، وقررت أن تدافع عن بيروت دفاعا مستميتا مهما كان الثمن.
الحقيقة الرابعة: هي الانحياز الواضح لرأس السلطة اللبنانية ممثلة أساسا في محور سركيس-بطرس بالإضافة إلى الجبهة اللبنانية إلى جانب العدو في معركة المفاوضات، كما في ميدان القتال العسكري.
الحقيقة الخامسة: هي أن الموقف التفاوضي كان يتناسب تناسبا طرديا بشكل واضح مع تطور العمليات العسكرية على أرض المعركة.
الحقيقة السادسة: هي أن الموقف العربي كما فشل في تشكيل عنصر فاعل في مسار العمليات العسكرية، فإنه فشل أيضا في تشكيل عنصر مؤثر تستفيد منه قيادة الثورة وتستند إليه في مسار عملية المفاوضات.
لقد استطاعت قيادة الثورة عبر مسار طويل وشاق ومعقد من الصمود العسكري والمساومة السياسية وبالاستناد إلى الدعم والتأييد السياسي والعسكري من قبل القوى الوطنية اللبنانية، أن تتوصل إلى صيغة اتفاق، بأفضل الشروط الممكنة على ضوء الوقائع والمعطيات السياسية والعسكرية والجماهير المحلية والعربية والدولية.
= = = = =
رابط تقرير الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
http://pflp-documents.org/documents/PFLP-CCbook.pdf
وليد جنبلاط = زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، أحد أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية.
سركيس = إلياس سركيس، الرئيس اللبناني أثناء فترة الغزو الإسرائيلي.
بطرس = فؤاد بطرس، وزير الخارجية اللبناني في ذلك الحين.
الجبهة اللبنانية: تحالف لقوى لبنانية معادية للوجود الفلسطيني في لبنان، من بينها حزب الكتائب (بزعامة بشير الجميّل)، والأحرار (بزعامة كميل شمعون).
= = =
صحافة: سؤال لعرفات عن إقامة علاقة مع الولايات المتحدة
أدناه مقتطف من مقابلة مع ياسر عرفات نشرت في مجلة «فلسطين الثورة»، العدد 433، 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1983. والمقابلة في الأصل كانت مع إذاعة مونتي كارلو كما أشير في المجلة.
وماذا عن الولايات المتحدة؟ هل هناك إمكانية علاقة برأيك؟
أبو عمّار: طبعا. أنا أشتغل في السياسة والثورة، وأتعامل مع السياسة بأعصاب باردة مثلما أتعامل مع الحرب. يعني أعصابي باردة كثيرا. وأنا أعرف أن الولايات المتحدة إحدى القوتين الأعظم ولذلك أنا حريص أن أفتح معها علاقات. وإذا كانت هي الآن ترفض. وقبل سنتين أرسلت اثنين من إخواني لأمريكا، صبري جريس وعصام السرطاوي لافتتاح مكتب هناك. ولكن أريد أن أذكر كيسنجر عندما تم ترحيل الأمريكان من بيروت عام 76 كانت الرسائل «رايحة جاية». وأنا أقول له إنه وجّه كتاب شكر وهو موجود في وزارة الخارجية المصرية. وأنا أقول للإخوان المصريين أن ينشروا كتاب الشكر الآن ليعرفوا كيسنجر، الأوجه المتعددة التي يتعامل بها.
صحافة: مجلة «البيادر السياسي»: 1
أدناه مقتطف من مقالة نشرت في مجلة «البيادر السياسي» بتاريخ 14 كانون الثاني (يناير) 1984، ص 21-24. المقالة نشرت تحت العناوين الثلاثة التالية:
حوار أميركي-فلسطيني يبدأ قريبا
أميركا هل تمد جسورا جديدة مع العالم العربي؟!
لجان أميركية خاصة تقدم تقريرا بالغ الخطورة للرئيس ريغان
في واشنطن تواصل طواقم خاصة دراسة الوضع في الشرق الأوسط، دون أن تهمل أيا من جوانبه. هذه الطواقم تعد تقارير وافية عن احتمالات مستقبل هذه المنطقة [...] على ضوء هذه التقارير التي شارفت على الانتهاء ستخرج الإدارة بموقف جديد خاصة إزاء المشكلة الفلسطينية [...] طواقم الخبراء هذه على وشك أن تقدم تقريرها إلى الرئيس الأميركي، والأنباء المتسربة من واشنطن تشير إلى تواجد احتمالات بتعديل للموقف الأميركي إزاء مشاكل الشرق الأوسط.
[...]
هذه الأنباء أفادت أيضا أن الإدارة الأميركية تلقت مؤخرا تقارير من عواصم عربية هي الأخرى تدفع واشنطن بالفعل إلى تعديل موقفها، هذا التعديل الذي من شأنه أن يخدم السلام [....] التقارير أرسلت من الرياض وعمّان والرباط والقاهرة، في حين أن فرنسا بالاتفاق مع عدة دول أوروبية غربية هي الأخرى أطلعت الإدارة الأميركية على خطورة الموقف في الشرق الأوسط.
[...]
دوائر مطلعة تقول إن رونالد ريغان يعلم أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، ولكن استغل حالة الانقسام والتشرذم في الساحة العربية ليواصل دعمه لإسرائيل وينساق وراءها، ويرفض فتح حوار مع منظمة التحرير. وأضافت هذه الدوائر أن ريغان ساهم في تصعيد الانشقاق داخل الساحة الفلسطينية عام 1983، بعد أن شارك في ضربها عام 1982.
[...]
على أي حال ترى دوائر عليمة أن البيت الأبيض الأميركي يشهد نشاطا مكثفا هذه الأيام لبلورة موقف جديد من الصراع الدائر في الشرق الأوسط. وتتوقع هذه الدوائر أن تقوم واشنطن بفتح حوار مع منظمة التحرير، يساهم في إيجاد حل لصراع استمر سنوات طويلة.
= = =
تعليق: لاحظ/ي أولا استخدام مصادر مجهولة والإشارة إليها بصفات مثل دوائر مطلعة ودوائر عليمة. وهذا أسلوب صحفي لا يعتد بمصداقيته مع أنه شائع الاستعمال.
تتميز هذه المقالة بأنها من نوع كان ولا يزال مستخدما في الصحافة العربية يحاول أن يوحي بسعة الاطلاع ومعرفة تفاصيل دقيقة، ولكنه إذا غُـربل لا يبقى منه شيئا مفيدا. قد يكون الأمر مجرد أسلوب صحفي شائع تعتمد عليه الصحف والمجلات لجذب القراء. ولكن عندما قرأته أثناء إعداد هذا الكتاب، خطر في بالي أن هذه المقالة ومثيلة لها ربما كانت تكتب عمدا للمشاركة في إيهام الجماهير الفلسطينية بأن القيادة الفلسطينية سوف تحقق إنجازا سياسيا يتمثل في اعتراف الولايات المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية.
ومع أن القيادة كانت تسعى فعلا إلى الحصول على اعتراف أميركي، إلا أن فترة نشر المقالة كانت أثناء الأزمة التي مرت بها حركة «فتح» نتيجة حدوث الانشقاق/الانتفاضة في صفوفها. أيضا لا يستبعد أن تكون هذه المقالة ومثيلتها معتمدة على إيجاز (briefing) من مصدر ما، وتم الإيجاز وفق أسلوب يقضي بعدم ذكر مصدر المعلومات. هذا الأسلوب يستخدم كثيرا عندما تريد جهة ما استخدام الصحافة لتوصيل رسالة أو إطلاق بالون اختبار، ولكن ليس من خلال تصريح علني لمسؤول.
ومما يلفت النظر في المقالة جمل توحي بسعة الاطلاع، وكأن للمجلة التي كانت تصدر في القدس (1981) مندوبين يرافقون المسؤولين في البيت الأبيض ومقر وزارة الخارجية الأميركية.
وتتضمن الفقرة قبل الأخيرة أعلاه سذاجة سياسية، وهي من مواطن خلل الفهم الفلسطيني للمواقف الأميركية، على مستوى القيادة والإعلام. درجة السذاجة عالية جدا في الجملة التي تقول إن ريغان «استغل حالة الانقسام والتشرذم في الساحة العربية ليواصل دعمه لإسرائيل وينساق وراءها».
والجزء المتعلق بالانشقاق داخل فتح ليس صحيحا، وقد ورد في إحدى الوثائق المنشورة في الكتاب عن اجتماع فيليوتس مع ممثلي الجاليات أنه قال «إن وزارة الخارجية قلقة بشكل خاص على سلامة فصيل فتح». الحقيقة الثانية التي تدحض الجملة المتعلقة بالانشقاق أن عرفات خرج بحماية أميركية عندما حوصر في مدينة طرابلس اللبنانية بعد عودته إلى لبنان للتصدي للانشقاق/الانتفاضة. ليس من المنطقي توجيه الانتقاد إلى الانتفاضة/الانشقاق بهذه الطريقة. ولكن التراشق بالاتهامات التي لا أساس لها من الصحة أمر مألوف في السياسة والإعلام في العالم العربي وخارجه.
صحافة: مجلة «البيادر السياسي»: 2
مقتطف من مقالة نشرت في مجلة «البيادر السياسي» بتاريخ 21 كانون الثاني (يناير) 1984. المجلة مهدت للمقالة بالعناوين الثلاثة التالية:
اتصالات فلسطينية-أميركية
ضغوط أوروبية وعربية على الإدارة الأميركية
واشنطن تعترف قريبا بمنظمة التحرير
وفي جسم المقالة وردت الفقرة التالية:
«البيادر السياسي» تؤكد أن مسؤولا فلسطينيا سيصل خلال الأسبوعين القادمين إلى الولايات المتحدة لمتابعة الاتصالات مع الإدارة الأميركية التي يجريها الآن عدد من الشخصيات الفلسطينية المقيمة في الولايات المتحدة ومنهم إدوارد سعيد، وإبراهيم أبو لغد وشخصيات أخرى. المسؤول الفلسطيني يلتقي بعد وصوله إلى واشنطن بعدد من المسؤولين من وزارة الخارجية الأميركية. وقد يتم لقاء بينه وبين جورج شولتز وزير الخارجية الأميركية، بعدها يعود المسؤول الفلسطيني حاملا تقريرا عن زيارته يعرضه على اللجنة التنفيذية للمنظمة، وفي خطوة لاحقة، قد يتفق على صيغة، تؤدي إلى اعتراف أميركي بالمنظمة، يساهم في تنشيط عملية السلام التي تستمر تحركات مكثفة بشأنها.
المسؤول الفلسطيني المشار إليه في المقتطف أعلاه، كان هاني الحسن، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح. وقد نُظم لقاء لهاني الحسن مع الجالية الفلسطينية في منطقة واشنطن وضواحيها، وكنت في تلك الفترة في منطقة واشنطن وأعمل في مقر المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية. وقد قمت بعمل نسخ من الصفحة الأولى من المقالة التي ترد فيها الفقرة أعلاه، ووقفت عند مدخل مكان الاجتماع لأوزعها على الداخلين.
الأهم من التفاصيل أعلاه أن تنبؤ المجلة بقرب الاعتراف الأميركي بمنظمة التحرير يصنف ضمن ما يسمى «التفكير الممزوج بالأماني»، وهو انعكاس لتفكير ياسر عرفات في تلك الفترة، الذي كما يظهر في أكثر من مكان من هذا الكتاب سعيه المستميت لإقامة حوار مباشر مع الولايات المتحدة. وفكرة التوصل إلى صيغة ما تؤدي إلى اعتراف أميركي بمنظمة التحرير حالفها الفشل في كل المراحل، ولم يحصل الاعتراف إلا بعد أن قرأ عرفات نصا كتبته وزارة الخارجية الأميركية، وكان ذلك في مؤتمر صحفي عقد في فينا في كانون الأول (ديسمبر) 1988.
على صعيد ذي صلة، قادني بحثي في الإنترنت ذات يوم إلى مقالة بقلم رامي رشيد، منشورة في صحيفة «أخبار الخليج» البحرينية بتاريخ 5 آب (أغسطس) 2010، وهي مقالة كتبت بعد وفاة هاني الحسن، يؤبنه فيها، ويشير إلى زيارة هاني الحسن إلى الولايات المتحدة على النحو التالي:
في شتاء عام 1984م جاءنا الأخ «هاني الحسن» بجواز سفر عربي وباسم مستعار ومتخفيا خلف نظارة سوداء كبيرة ومعطف طويل، وكان لنا شرف لقائه في مدينة لافاييت، لويزيانا، مع أبناء الاتحاد العام لطلبة فلسطين في شقتنا الصغيرة المتواضعة رقم 105 في شارع ماجنوليا التي هي أشبه بمكتب من مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية بما تحويه من أطنان من المواد الإعلامية وبما يزين جدرانها من ملصقات كبيرة لشهداء الثورة الفلسطينية الباسلة.
هذا مثال آخر على السذاجة في الكتابة الصحفية عن الشؤون الفلسطينية، فهاني الحسن لم يكن في ذلك الحين شخصية مغمورة، ولعب دورا بارزا في التواصل مع المبعوث الأميركي فيليب حبيب أثناء حصار بيروت عام 1982. ولذا مجيئه إلى الولايات المتحدة بجواز سفر عربي وباسم مستعار لا يعني أنه لم يكن معروفا لدى المسؤولين في القنصلية الأميركية التي منحته تأشيرة الزيارة. وتتضمن الفقرة أعلاه مشهدا مستعارا من فيلم كوميدي عندما يقول الكاتب إن هاني الحسن كان «متخفيا خلف نظارة سوداء ومعطف طويل».
مقالة رامي رشيد فيها مغالطات عما جرى في الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة، ولكني لا أريد الخروج عن موضوع هذا الكتاب، وسأركز على الجانب المتعلق بموضوع الكتاب. يقول الكاتب:
كانت الساحة الأمريكية مهمة جدا للقيادة الفلسطينية وكانت القيادة قد بدأت تنسج علاقات مع قوى مهمة على الساحة الأمريكية وساهم الاتحاد العام لطلبة فلسطين الموجود في 45 مدينة وبلدة أمريكية وقوامه 6000 طالب ملتزمين بدفع اشتراكاتهم في تعريف الطلبة والشعب الأمريكي بالقضية الفلسطينية وعدالتها، وصدر تقرير عن الإدارة الأمريكية جاء فيه أن الاتحاد العام لطلبة فلسطين عمل في عام من نشأته ما لم تعمله كل السفارات العربية الموجودة على الساحة الأمريكية وبعضها موجود منذ الأربعينيات من القرن الماضي.
حديث الكاتب عن الأهمية التي أولتها القيادة الفلسطينية للساحة الأميركية صحيح، وهذا الكتاب يسلط الضوء على ذلك. وصحيح أيضا الحديث عن تعريف أعضاء الاتحاد بالقضية الفلسطينية. أما الجزء المتعلق بإقامة «علاقات مع قوى مهمة على الساحة الأميركية» فمشكوك في صحته كوجهة نظر، فالكاتب لا يحدد هذه القوى المهمة. أما تركيز القيادة الفلسطينية فكان على إنشاء علاقة فلسطينية-أميركية على المستوى الرسمي.
والإشارة إلى تقرير صادر «عن الإدارة الأميركية» غير موثقة ليمكن البحث عن هذا التقرير للاستزادة، علما بأني لا أختلف مع الكاتب في هذه النقطة، فقد لعب الاتحاد في الولايات المتحدة دورا مهما. ولكن القيادة الفلسطينية وأنصارها شقوا الاتحاد في عام 1984، وانتهى دوره بعد سنوات قليلة من تأسيسه. ويمكن الرجوع إلى كتابي «اتحاد الطلبة المغدور» لمعلومات موثقة عن تأسيس وانهيار الاتحاد في الولايات المتحدة. ومن الممكن الاطلاع على صور وثائق شق الاتحاد في أرشيف رقمي عنوانه في الإنترنت adli.uk.
= = = = =
رابط مقالة رامي رشيد عن هاني الحسن في صحيفة «أخبار الخليج»:
http://www.akhbar-alkhaleej.com/12553/article_touch/42307.html
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، بيروت 1982: اليوم ي (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي. بيروت 1982: اليوم ي. الاتصالات الفلسطينية-الأميركية أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت. لندن: عود الند، 2018.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- بيروت 1982: اليوم ي
- غلاف كتاب بيروت 1982: اليوم ي. المؤلف: د. عدلي الهواري