كتاب: بيروت 1982: اليوم ي
مقدمات وتوضيحات
د. عدلي الهواري
العمود الفقري لهذا الكتاب مجموعة من الوثائق التي تم تبادلها بين م ت ف والمبعوث الأميركي، فيليب حبيب من خلال لجنة ارتباط لبنانية-فلسطينية في بيروت، وتلكسات (برقيات) من وإلى المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية، الذي كان مقره العاصمة الأميركية واشنطن، ولعب دورا مهما أثناء فترة الغزو الإسرائيلي، فقد كان بمثابة مكتب آخر من مكاتب م ت ف ووكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، ومكّن الاثنين من إيصال الأخبار إلى مكاتب أخرى في العالم، وتلقي معلومات تريدها القيادة الفلسطينية أو مفيدة لها.
مقدمة الطبعة الثانية
تصدر الطبعة الثانية بعد عام من صدور الأولى، وهي متزامنة مع الذكرى السنوية السادسة والثلاثين للغزو الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت في عام 1982، الذي كان من نتائجه خروج منظمة التحرير الفلسطينية (م ت ف) وقادتها ومقاتليها من بيروت وفق اتفاق تم التوصل إليه من خلال المبعوث الأميركي، فيليب حبيب.
حظيت الطبعة الأولى باهتمام مشجع، فالكتاب متعلق بأحد أهم الأحداث فلسطينيا ولبنانيا، وقدّم جديدا في الموضوع بتناوله زاوية مختلفة وهي الاتصالات الفلسطينية-الأميركية أثناء الغزو، وبنشره وثائق يتوق للاطلاع عليها الباحثون المهتمون بالشأن الفلسطيني، فهي تساعد على فهم الأحداث الموازية التي جرت في الكواليس باستخدام مصادر أولية، وليس تقارير إخبارية أو روايات شخصية حولها.
الاختلاف بين الطبعتين يتمثل في إضافة مقتطفات من رواية المسؤول الفلسطيني، نبيل شعث، عن اتصالات أجراها في واشنطن أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت بتكليف من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ياسر عرفات، فهذه الاتصالات محور الكتاب. كذلك تمت إضافة مقتطفات من مذكرات شفيق الحوت، ممثل م ت ف في لبنان، تتعلق بتسليم عرفات رسالة إلى رئيس الوزراء اللبناني، شفيق الوزان، فيها تأكيد على استعداد م ت ف مغادرة بيروت.
أضفت أيضا فصلا جديدا للتعليق على بعض التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية مثل ما يسمى «صفقة القرن» وتجديد محاولات تحقيق مصالحة بين حركتي فتح وحماس تمكّن السلطة الفلسطينية من العودة لإدارة شؤون قطاع غزة. وأعلق أيضا على ظاهرة التغاضي عن حقيقة أن الموافقة على اتفاقية أوسلو لا تبقي مجالا للحديث عن مواقف بطولية تتعلق بالقدس أو مسائل أخرى.
عدلي الهواري
لندن، آب 2018
= = =
مقدمة الطبعة الأولى
فكرة إصدار هذا الكتاب عمرها أكثر من 30 عاما. عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان في عام 1982، كنت أدرس في مدينة نيويورك. وكنت آنذاك أيضا مسؤول الإعلام في فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة. توجهت في تموز (يوليو) إلى العاصمة الأميركية واشنطن، حيث مقر المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية، وهو ائتلاف للعديد من الجمعيات والاتحادات الفلسطينية. كانت مشاغل المجلس كثيرة في تلك الفترة، فهو يوزع الأخبار على الجالية، وينظم نشاطات للاحتجاج على الحرب، وغير ذلك.
كنت أحد متطوعين كثر، وكان من بين أعمالي استخدام جهاز التلكس لاستقبال ما يرد من معلومات وأخبار من بيروت، وإرسال مثلها إلى بيروت وبعض مكاتب م ت ف مثل مكتب السويد. بعض التلكسات كانت عن اتصالات ولقاءات مع مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، وكانت موجهة إلى ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
التلكسات أظهرت لي أن القيادة تمارس في السر غير ما تقول في العلن، ولديها أوهام بشأن السياسة الأميركية، وغير ملمة بآليات عملها الداخلية. وددت أن يطلع عموم الشعب الفلسطيني على التلكسات، فشعار «كل الحقيقة للجماهير» شعار صائب. بدأت آنذاك ترجمة بعض هذه التلكسات إلى العربية، ولكنها لم تنشر. ظلت مسودات الترجمات وغيرها من التلكسات معي. ومنذ بداية عام 2017، عدت إلى الوثائق التي لدي بنية نشرها في كتاب يتزامن صدوره مع الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لخروج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت، ليساهم في اطلاع المهتمين على بعض ما جرى في الكواليس في تلك الفترة المهمة.
عدلي الهواري
لندن
آب 2017
= = =
المقدمة
في اليوم الرابع من شهر حزيران (يونيو) 1982، بدأت إسرائيل عدوانا جديدا على لبنان. ولكنّه هذه المرة لم يكتف بقصف مواقع عسكرية ومدنية، أو بالسيطرة على مساحة ما من الجزء الجنوبي من لبنان، بل توجهت جحافل الجيش الإسرائيلي إلى العاصمة بيروت.
سرعةُ وصول القوات الإسرائيلية إلى بيروت (خلال أسبوع تقريبا)، كانت مفاجئة وصادمة للكثيرين في المقاومة الفلسطينية وفي أوساط مؤيديها. ولكنّ سهولة احتلال كل المناطق من جنوب بيروت وحتى آخر نقطة في الجنوب اللبناني لم تتحقق للإسرائيليين في محاولة السيطرة على بيروت. ولو انهارت المقاومة في بيروت كما حدث في الجنوب اللبناني لدخلتها القوات الإسرائيلية منتشية بسرعة وسهولة النصر، وقضت على من تبقى من المقاومين.
الوضع في بيروت اختلف، فالمقاومة سارعت إلى بناء التحصينات، وكان التصميم على القتال قويا، فتعثر التقدم الإسرائيلي. وفرضت إسرائيل حصارا على بيروت دام أكثر من شهرين، تعرض ساكنوها خلالهما إلى قصف شديد، وطالبت إسرائيل المقاومة بإلقاء السلاح والخروج من بيروت.
شمل الاجتياح الإسرائيلي للبنان توجيه ضربات قاسية للوجود العسكري السوري، وتدمير بطاريات الصواريخ السورية التي نشرت في البقاع اللبناني. ولكن تم مبكرا التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار إسرائيلي سوري، واستفردت القوات الإسرائيلية ببيروت.
إن عدوانا بهذا الحجم لا يكون رد فعل آنيا على عمل ما تعتبره إسرائيل عملا غير مقبول فترد عليه بعمل عسكري، سواء أكانت الذريعة إطلاق صواريخ على مستوطناتها في شمال فلسطين، أو محاولة اغتيال سفيرها في لندن. هذا الحجم من القوات، وتوجيه ضربات للقوات السورية وتدمير بطاريات صواريخها في البقاع، والمجيء إلى بيروت للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية (م ت ف)، عناصر خطة لا بد أنه تم التفكير فيها والإعداد لها منذ وقت طويل.
والأمر لم يكن عسكريا بحتا، بل تم ضمن سياق سياسي ظنّت إسرائيل أنها من خلاله ستعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة ابتداء من لبنان، وذلك بتنصيب كيان سياسي لبناني يقيم اتفاقية سلام معها، فيصبح لبنان ثاني دولة عربية (بعد مصر) توقع معاهدة سلام مع إسرائيل، وتصبح سورية بالتالي في وضع لا تحسد عليه قد يضطرها إلى الدخول في مفاوضات للتوصل إلى معاهدة سلام، أو تصبح عرضة لاعتداءات إسرائيلية متكررة مثلما كان يحدث للبنان.
كما أن المخطط السياسي هذا لا يمكن أن يتم دون علم المستفيدين منه وتعاونهم، ومن الغباء أن يظن أحد (كما سنرى في إحدى الوثائق المنشورة في الكتاب) أن بعض القوى اللبنانية المعادية للوجود الفلسطيني في لبنان لم تكن على علم بما سيحدث. منطق الأحداث وما جرى على أرض الواقع يؤكد أن الجماعات هذه كانت تنتظر تنفيذ دورها في المخطط. هذا يعني بالتحديد بشير الجميّل، زعيم حزب الكتائب اللبناني، والجماعات الأخرى التي تحمل أفكارا مشابهة له معادية للوجود الفلسطيني في لبنان.
إن هذا الكتاب لا يهدف إلى كتابة رواية تاريخية جديدة لهذا الاجتياح، بل يهدف إلى تسليط الضوء على الاتصالات غير المباشرة التي جرت في بيروت من خلال لجنة ارتباط لبنانية-فلسطينية بين م ت ف والمبعوث الأميركي، فيليب حبيب، من أجل الاتفاق على تفاصيل خطة لخروج قوات م ت ف وفصائلها من بيروت.
ويسلط الكتاب الضوء أيضا على مراسلات فلسطينية تم تبادلها في سياق محاولات التواصل المباشر أو غير المباشر مع مسؤولين وسياسيين أميركيين على أمل التوصل إلى حل لا يقتصر فقط على مسألة خروج القوات الفلسطينية، بل يسعى أيضا إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
العمود الفقري لهذا الكتاب مجموعة من الوثائق التي تم تبادلها بين م ت ف والمبعوث الأميركي، فيليب حبيب من خلال لجنة ارتباط لبنانية-فلسطينية في بيروت، وتلكسات (برقيات) من وإلى المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية، الذي كان مقره العاصمة الأميركية واشنطن، ولعب دورا مهما أثناء فترة الغزو الإسرائيلي، فقد كان بمثابة مكتب آخر من مكاتب م ت ف ووكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، ومكّن الاثنين من إيصال الأخبار إلى مكاتب أخرى في العالم، وتلقي معلومات تريدها القيادة الفلسطينية أو مفيدة لها.
كنت في تلك الفترة أدرس في مدينة نيويورك، القريبة نسبيا من واشنطن. وكنت مسؤول الإعلام في الهيئة الإدارية لفرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة. ذهبت أثناء الحرب إلى مقر المجلس في واشنطن متطوعا بجهودي في ترجمة الأخبار وغير ذلك من أعمال. وكان من الأمور الأخرى التي قمت بها العمل على جهاز التلكس، فكنت أستقبل من بيروت وأرسل إليها تلكسات من بينها ما هو منشور في هذا الكتاب. أما الوثائق الأخرى التي تم تبادلها في بيروت، فقد وجدت طريقها إلى مقر المجلس، وحصلت على نسخة منها واحتفظت بها منذ ذلك الحين.
لقد فضلت نشر الوثائق كاملة بدلا من الكتابة عن تلك الفترة بالاعتماد على مقتطفات منها لثلاثة أسباب. الأول لأن الوثائق ستتحدث عن نفسها بنفسها، وستكون أبلغ مني في إيصال المعلومات بحذافيرها. ثانيا، نشر هذه الوثائق بكاملها سيكون مفيدا للباحثين المهتمين بهذه الفترة، أو بهذا الجانب من الشؤون السياسية الفلسطينية/اللبنانية، وبالتالي يمكن نظريا أن ينتج عن هذه الوثائق تحليلات مختلفة، بدلا من واحد، تحليلي، وبالتالي تسهم الوثائق في توسيع دائرة النقاش عن تلك المرحلة المهمة. ثالثا، رغبتي في تطبيق مبدأ الإفراج عن وثائق بعد مرور عدد من السنين عليها.
الوثائق المنشورة لا تكشف أسرارا قد يكون لها تأثير على أمن دول أو أحزاب، ولا تهدد المركز السياسي أو الوظيفي لأحد. كذلك لا تلطخ سمعة أحد، سواء ممن رحلوا عن الدنيا أو ما زالوا على قيد الحياة. وكحال كل الشخصيات العامة، سيكون لها مؤيدون ومنتقدون. ومن الممكن لمناصري الفئتين أن يجدوا في الوثائق ما يدعم موقفهم تجاه كل أو بعض من يرد اسمه في الوثائق.
إضافة إلى ذلك، مضمون الوثائق وارد بشكل أو بآخر في وسائل الإعلام الصادرة في تلك الفترة. المختلف والمهم أن نشر الوثائق بنصها الكامل يعطي صورة أفضل، لأنه يعرض الصورة وهي في طور التبلور، ولذا المعلومات هنا ليست مُشذّبة أو منقّحة أو مختصرة كما الحال في تقرير تلفزيوني أو إذاعي أو صحفي.
في بعض الحالات أعلق على ما ورد في وثيقة ما، إما للتوسع في تقديم المعلومات، أو التعليق على رأي ورد فيها. وفي ختام الكتاب هناك فصول قليلة قصيرة أعرض فيها وجهة نظري من بعض المسائل، مثل مسألة المسؤولية عن مذبحة صبرا وشاتيلا والضمانات التي قدمت لحماية المدنيين الفلسطينيين بعد الانسحاب؛ والمسألة الثانية انتهاء دور م ت ف وقادة فصائلها المختلفة في قيادة الشعب الفلسطيني. والمسألة الثالثة تتعلق بمستقبل النضال الفلسطيني.
= = =
منهجية وتوضيحات
أود أن أوضح بعض النقاط كي يكون القارئ على بينة من الأمور التي وضعت في الاعتبار وجعلت الكتاب يخرج بشكله الحالي من ناحية عرض المعلومات وتسلسلها.
(1) حاولت قدر المستطاع أن تأخذ الوثيقة المنشورة في الكتاب الشكل الذي نشرت فيه أصلا، بمعنى ترتيب الفقرات وما قد يتبع لها من نقاط. ولكني في بعض الحالات قررت أن أرتب الفقرات بشكل يمنحها وضوحا أفضل، من خلال التحكم بعرض الهامش على يمين الصفحة، فتأتي المعلومات متسلسلة بصورة أوضح مما كانت عليه في الوثيقة الأصلية.
(2) استخدمت الأقواس المستقيمة [—] لإضافة كلمة أو أكثر ليست واردة في الوثيقة الأصلية، وهذه ممارسة متعارف عليها، فهذا الشكل من الأقواس استخدامه محجوز لهذا الغرض. وإذا ظهر للقارئ/ة القوس الآخر (—)، فهو موجود في الوثيقة وليس مضافا مني.
(3) رغم اقتناعي بوجاهة التسلسل الزمني في نشر الوثائق، إلا أني التزمت بالتسلسل الزمني داخل الفئة الواحدة من الوثائق، ولم أخلط بين الوثائق المتبادلة في بيروت والتلكسات التي أرسلت من وإلى بيروت وواشنطن. ولكن لن يكون صعبا على القارئ ربط وثائق بيروت وواشنطن المتقاربة بالتاريخ ببعضها، لأن الفترة الزمنية التي تغطيها الوثائق قصيرة، فمعظمها يعود إلى شهري تموز وآب، والبقية تعود إلى شهور قليلة بعد ذلك لإكمال الصورة.
(4) بدلا من الإكثار من الصفحات التمهيدية، وجدت من الأفضل إضافة بعض المعلومات المتعلقة بالأشخاص في أقرب مكان متاح لذلك: على الصفحة الأولى أو ختام الوثيقة. على سبيل المثال، قد يذكر في وثيقة الاسم الأول لشخص ما، فأضيف للقارئ اسمه الكامل ومنصبه في أقرب مكان لا يقطع تسلسل عرض المعلومات.
(5) مع أنه من الممكن والمرغوب أيضا التعليق على كل وثيقة وتحليل ما ورد فيها، إلا أنني لم أفعل ذلك، مفضلا أن تسرد الوثيقة حكايتها بنفسها. ولكن في بعض الحالات يرد في الوثائق وجهات نظر أو معلومات وجدت أنها تحتاج إلى التعليق عليها. وسيكون هذا في ختام الوثيقة أو في صفحة مستقلة بعدها.
(6) بعد الانتهاء من قراءة نصوص الوثائق، ستكون هناك فصول قليلة أعبر فيها عن رأيي في بعض الأمور التي وردت في الوثائق، ولكني أتوسع فيها لإبداء الرأي في القضايا الأوسع ذات العلاقة، فما جرى في بيروت عام 1982 وخروج قوات الثورة الفلسطينية منها لا يمكن التعامل معه من زاوية سرديات متداولة كثيرا مثل التركيز على الصمود الأسطوري، أو الصمت العربي، وما إلى ذلك.
(7) ترد في الوثائق إشارات إلى وثائق أخرى، مثل قرار ما لمجلس الأمن الدولي. أضفت إلى الكتاب بعض هذه الوثائق، وخاصة تلك التي أمكنني الحصول على نسخة منها مترجمة إلى العربية من مصدر مفتوح على الإنترنت أو من أرشيفي الخاص. ولكن الاستزادة من المعلومات يتطلب دائما جهدا إضافيا من المهتمين بذلك باستخدام وسائل البحث المتوفرة لهم ولهن. أضفت أيضا معلومات من مصادر صحفية كلما وجدت حاجة لذلك.
(8) لأن الوثائق جميعها تقريبا مترجمة من الإنجليزية إلى العربية، سوف أقدم توضيحات خاصة بالترجمة في فصل مستقل يتبع هذه التوضيحات.
= = =
إيضاحات إضافية بشأن الوثائق
السؤال عن صحة الوثائق بديهي، وسيكون أول سؤال يرغب القارئ في طرحه، والباحث الجاد لن يستعين بوثائق مشكوك في صحتها. ولأني باحث جاد أيضا، لا بد أن أعطي هذه النقطة الاهتمام الذي تستحقه.
بالنسبة للتلكسات، فقد عملت على جهاز التلكس في مقر المجلس. ولذا، فأنا شاهد عيان على أن هذه التلكسات ومسوداتها حقيقية. وبالنسبة للوثائق المتبادلة في بيروت، فالمكان الذي حصلت فيه على نسخة منها معروف، وهو مقر المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية. كان المجلس قناة تواصل غير مباشر بين القيادة الفلسطينية في بيروت ومسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية. وكان أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان بمثابة مكتب من مكاتب م ت ف ووكالة الأنباء الفلسطينية، وفا. ولأن المجلس أحد المؤسسات التي تعنى بالتواصل مع الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة، فقد كان يرد إليه الكثير من المعلومات والمنشورات المختلفة.
ورد في تلكس مرسل من ياسر عرفات إلى جواد جورج، المدير التنفيذي للمجلس، إشارة إلى «الوثائق التي تم تبادلها بيننا وفيليب حبيب»، ومحتوى هذا التلكس يؤكد محتوى الوثائق الأخرى. وأحد الموضوعات المنشورة في العدد الخامس من مجلة «الحقيقة» (شباط/آذار 1984) تضمن صورة للبند العاشر في إحدى الوثائق المتبادلة في بيروت (بالإنجليزية)، والرد الفلسطيني عليه (بالعربية).
اتفاقية الخروج النهائية منشورة بالإنجليزية في مصادر أخرى مثل صحيفة «نيويورك تايمز» وورقة معلومات صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية متوفرة في قاعدة بيانات جيستور (JSTOR). المحتوى متطابق مع النسخة التي لدي، وهذا يؤكد صحة المحتوى أولا، ويدل على أن الوثائق، أو بعضها كان متوفرا لآخرين أيضا. في الوقت نفسه، أود أن أؤكد أن ترجماتي للوثائق معتمدة على النسخ التي لدي، وليس على ما نشر في أي مكان آخر. النقل من مصادر أخرى موثق توثيقا كاملا.
مثلما أشرت من قبل، كنت مسؤول الإعلام في فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة، ولذا كنت شديد الاهتمام بالاطلاع على الصحف والمجلات وكل ما يقع بين يدي من نشرات أو وثائق، لمعلوماتي أولا، ولتمكيني من إصدار مجلة «الاتحاد». وكان من عادتي الاحتفاظ بالقصاصات والنشرات والبيانات. ونتيجة لهذه العادة، تمكنت في عام 1983 من إصدار مجلة «الحقيقة» في نيويورك. وفي عام 2015، تمكنت من العودة إلى الوثائق المتعلقة بالاتحاد لتأليف كتاب «اتحاد الطلبة المغدور»، وبعد ذلك حولتها إلى صيغة رقمية ونشرتها في موقع عنوانه على الإنترنت (adli.uk)، إيمانا مني بأهمية التوثيق في تعميم المعرفة، وحماية الذاكرة من الاندثار. من المنطلقات ذاتها، وبمناسبة مرور خمسة وثلاثين عاما على خروج م ت ف من بيروت، عدت إلى وثائق توفرت لدي منذ ذلك الحين، وهي الآن بنصوصها الكاملة في هذا الكتاب.
= = =
توضيحات بشأن الترجمة
لا يتفق مترجمان على دقة ترجمة أحدهما أو غيرهما. وأن يقال عن ترجمة إنها سليمة ودقيقة في كل كلمة وجملة أمر مستحيل، وهذا ليس راجعا إلى سوء فهم كلمة أو جملة، بل لأن إيصال المعنى في بعض الحالات يتطلب اجتهادا بشأن اختيار الكلمة الأفضل، وكل مترجم سيكون له اجتهاد مختلف في اختيار الكلمات. ولذا لن أستطيع منع أحد من اعتبار الترجمة خاطئة أو حرفية أو ما شابه ذلك من أحكام.
يقال إن كل ترجمة هي إعادة كتابة، وسواء أكان الأمر كذلك أم لا، أود أن أشير إلى أن أسلوبي المفضل في الترجمة أن أعيد صياغة الجمل والحرص طبعا على إيصال كل ما فيها من معنى ومعلومات، ولكن دون أن يستعبدني تركيب الجملة بالإنجليزيـة التي غالبا ما تشهـد إضافـة مفـردات أو عبـارات مثل (primarily) أو (essentially) التي تكسر في كثير من الأحيان سلاسة الجملة العربية. ولكني في ترجمة هذه الوثائق بقيت قريبا جدا من الجملة الإنجليزية وتركيبها، إلا في حالات يؤدي فيها هذا الالتصاق إلى ضياع المعنى.
بوسع القارئ أن يقبل على قراءة المحتوى وهو مطمئن أنني أقدم إليه ترجمة دقيقة للأسباب التالية.
عشت ودرست في الولايات المتحدة عشر سنوات تقريبا، وهذه أكثر من كافية للإلمام باللغة الإنجليزية إلماما أعمق من المكتسب في دولة لغتها ليست الإنجليزية. خلال هذه الفترة، تابعت مرحلة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 متابعة كثيفة من خلال الإعلام الأميركي والوسائل المتاحة في مقر المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية، حيث تطوعت بجهودي أثناء حصار بيروت.
عملت في الإعلام الإذاعي من عام 1987 وحتى 2003، وكان العمل يعتمد كثيرا على الترجمة من الإنجليزية إلى العربية الفصحى الحديثة. دراستي على المستويات الجامعية الثلاثة كانت في الولايات المتحدة وبريطانيا، ولذا معرفتي بالإنجليزية ليست معرفة عابرة. وبالنسبة إلى العربية، فبالإضافة إلى أنها اللغة الأم، واستخدامها المكثف في عملي الإذاعي، أشرف على نشر وتحرير مجلة «عود الند» الثقافية منذ منتصف عام 2006 وحتى الوقت الحاضر.
لست أدافع عن مؤهلاتي كمترجم، فلست بحاجة إلى هذا المؤهل، وإنما أهدف إلى دعوة القارئ إلى التركيز على المعلومات الواردة في الوثائق المترجمة، فالكتاب يتعلق بمرحلة سياسية وتاريخية مهمة من المفيد فهم مجرياتها، بدل التركيز على خيارات أفضل لترجمة مفردات وجمل هنا وهناك.
وأود أن أسلط الضوء على اجتهادي في ترجمة بعض الكلمات التي من المحتمل أن تلفت النظر وتدعو إلى التساؤل عن مدى صحتها. ترد في بعض الجمل أحيانا كلمتان مختلفتان بالإنجليزية ولكن ترجمتهما إلى العربية تكون باستخدام نفس الكلمة. خير مثال على ذلك ورود كلمة (contact) وقبلها أو بعدها كلمة (liaison)، ولذا إيصال المعنى يقتضي عدم استخدام «اتصال» كترجمة للكلمتين في نفس الجملة، وإلا لكانت النتيجة جملة بلا معنى.
بعض الكلمات الإنجليزية تستخدم كثيرا ولكنها تكتسب معنى مختلفا حسب السياق، ومن هذه الكلمات نوت (note). أود التنبيه إلى أن هذه المفردة تستخدم في سياق يبلغ فيه طرف طرفا آخر بأنه يسجل علمه بأمر ما، إما للتأكيد على أنه فهمه، أو يعترف به، أو يؤكد على أهميته. وهذا السياق وارد في الوثائق المتبادلة في بيروت. مثلا، عندما تقول م ت ف إنها وافقت على نقطة ما، يأتي في الرد الأميركي:
We have taken note of the Palestinian position.
بعد التفكير في الترجمة الأفضل، قررت استخدام المعنى المألوف للكلمة (أي لاحظ/يلاحظ) بدلا من التفسيري (أي أخذ علما بـ). ولذا عندما ترد في الترجمة «لاحظنا» فإن الطرف الأميركي يقول للجانب الفلسطيني إن هذا الجزء من رسالته حظي بالاهتمام الذي يستحق، ولم يغفل أهميته.
تشير الوثائق المترجمة إلى ياسر عرفات بلقب الرئيس. والكلمة المستخدمة بالإنجليزية هي تشيرمان (chairman)، وليس بريزيدانت (president). الكلمة الثانية تستخدم في سياق الحديث عن رئيس دولة، أما الأولى فلا. على سبيل المثال، الزعيم الصيني ماو تسي تونغ كان يشار إليه بـ تشيرمان وليس بريزيدانت.
= = =
إيضاحات أخرى
ترد في الوثائق المترجمة في بعض الحالات الإشارة إلى دولة أو وزارة، وبعد ذلك تتم الإشارة إليها بضمير الجمع. من الأمثلة على هذا: «ردت الخارجية الأميركية أنهم لا يريدون». من الممكن القول إن هناك عدم توافق بين الاسم والضمير (الاسم مفرد؛ الضمير جمع). لكني تركت الجمل كما هي، فمن الجائز بالإنجليزية التفكير ببعض المفردات كمفرد أو جمع. لجنة أو وزارة، مثلا، مفرد إذا اعتبرت هيئة، وجمع إذا اعتبرت مجموعة من الأشخاص.
اكتفيت في الوثائق المترجمة باستخدام أسماء الشهور المتداولة في بلاد الشام (شباط، آذار، نيسان)، ولم أضف قربه اسم الشهر كما هو متداول في مصر ودول عربية أخرى، وذلك لتقليل الكلمات المضافة إلى الوثائق. أما في الأقسام غير المترجمة، فقد واصلت وضع اسمين للشهر الواحد، مبتدئا بالاسم المتداول في بلاد الشام. وقد وضعت في الصفحات التمهيدية أسماء الشهور حسب نظامين، إضافة إلى رقم تسلسله ضمن شهور السنة.
يوم مغادرة قوات م ت ف من بيروت سمي في وثيقتي م ت ف بالعربية اليوم «ي»، وفي الإنجليزية سمي اليوم «د». تاريخيا، سبق أن استخدم اليوم «د» في الإشارة إلى يوم نزول قوات الحلفاء على شاطئ نورماندي الفرنسي أثناء الحرب العالمية الثانية.
سوف يلاحظ القراء والقارئات اختلافا في كتابة أسماء الشخصيات الأجنبية بحروف عربية، وهذا أمر لا مفر منه، ويحصل عند كتابة اسم عربي بحروف إنجليزية. أيضا، عند النقل من مصادر أخرى يجب نقل الاسم كما نشر في المصدر المنقول عنه. مثلا: شولتز/شولتس.
دريبر/درايبر. استغنيت في العربية عن الألف عند كتابة أسماء مثل (Draper)، لأني أجده دون ألف أقرب إلى الصواب، فالألف المائلة لفظا موجودة في اللفظ العامي لاسم حسين. اختلاف كتابة الاسم طال الأسماء العربية، مثل اسم القواسمة/القواسمي. والغريب أن الاختلاف في الكتابة ورد في عددين من مجلة واحدة. بعبارة أخرى، أود التأكيد على أنني حرصت كثيرا على انسجام أسلوب الكتابة وتدقيق المعلومات، وفي حال ملاحظة اختلافات من هذا القبيل يرجى تذكر هذا الإيضاح.
= = =
مختصرات ومعلومات أخرى
م ت ف = منظمة التحرير الفلسطينية
م ف أ ش = المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية
وفا = وكالة الأنباء الفلسطينية
فتح = حركة التحرير الوطني الفلسطيني، أكبر منظمات المقاومة الفلسطينية الأعضاء في م ت ف
أسماء الشهور
تستخدم في الكتاب أسماء الشهور المتداولة في دول بلاد الشام. وفيما يلي الاسم كما هو مستخدم في دول أخرى وكعـدد.
كانون الثاني = يناير (1). شباط = فبراير (2). آذار = مارس (3). نيسان = أبريل (4). أيار = مايو (5). حزيران = يونيو (6). تموز = يوليو (7). آب = أغسطس (8). أيلول = سبتمبر (9). تشرين الأول = أكتوبر (10). تشرين الثاني = نوفمبر (11). كانون الأول = ديسمبر (12).
منظمات ومؤسسات
تأسست م ت ف في عام 1964. وفي عام 1974 حصلت على قرار من القمة العربية المنعقدة في الرباط يعترف بها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. كانت م ت ف بمثابة ائتلاف بين عدد من منظمات المقاومة الفلسطينية، واحتفظت كل منظمة بهيكل تنظيمي مستقل وقيادة سياسية وعسكرية مستقلة.
المجلس الوطني الفلسطيني، هيئة يمكن اعتبارها في منزلة برلمان فلسطيني، ولكن العضوية فيه لم تكن عن طريق الانتخاب، بل من خلال حصة مخصصة لمنظمات المقاومة حسب حجمها، وللمنظمات الجماهيرية، مثل اتحاد المرأة والطلبة وغيرهما، إضافة إلى عدد كبير من فئة «مستقلين»، وهم في العادة من المؤيدين لياسر عرفات.
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: الهيئة القيادية التي تدير شؤون المنظمة. انتخب عرفات رئيسا لها في عام 1969، وظل رئيسها حتى وفاته في عام 2004.
المجلس المركزي: مجلس وسيط بين اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني الفلسطيني.
منظمات المقاومة الأعضاء في م ت ف:
حركة فتح (زعيمها ياسر عرفات)؛ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (زعيمها جورج حبش)؛ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (زعيمها نايف حواتمة)؛ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة (زعيمها أحمد جبريل)؛ جبهة النضال الشعبي (زعيمها سمير غوشة)؛ جبهة التحرير الفلسطينية (زعيمها محمد عبّاس)؛ منظمة الصاعقة (موالية لسورية-زعيمها زهير محسن) جبهة التحرير العربية (موالية للعراق-زعيمها عبد الرحيم أحمد). كان بين أعضاء اللجنة التنفيذية أشخاص من فئة «مستقلين».
حركة فتح: أكبر فصائل المقاومة الفلسطينية. ونتيجة لذلك، كان رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير منذ عام 1969 ياسر عرفات، وهو من قادة ومؤسسي فتح.
المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية: ائتلاف مكون من العديد من جمعيات الجاليات الفلسطينية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة وكندا. الجمعيات التي كان لها فروع في مختلف أنحاء الولايات المتحدة كانت تمثل في اللجنة التنفيذية للمجلس، مثل الاتحاد الأميركي لرام الله فلسطين والاتحاد العام لطلبة فلسطين.
الاتحاد الأميركي لرام الله فلسطين: جمعية أسسها المهاجرون من مدينة رام الله الفلسطينية، وهي من أقدم جمعيات الجاليات الفلسطينية في الولايات المتحدة.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، بيروت 1982: اليوم ي (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي. بيروت 1982: اليوم ي. الاتصالات الفلسطينية-الأميركية أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت. لندن: عود الند، 2018.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- بيروت 1982: اليوم ي
- غلاف كتاب بيروت 1982: اليوم ي. المؤلف: د. عدلي الهواري