كتاب فتح 1983: بيانات الانشقاق/الانتفاضة
أحداث طرابلس ومذكرة الحزب الشيوعي اللبناني
5. بيانات أوضاع الشمال وطرابلس
1. بيان الجبهتين الشعبية والديمقراطية
بيان صادر عن القيادة المشتركة للجبهتين الشعبية والديمقراطية حول أحداث طرابلس الأخيرة
تلقت جماهير شعبنا الفلسطيني بألم شديد واستنكار عميق أنباء المعارك العسكرية التي وقعت مؤخرا في مدينة طرابلس، حيث ارتُكبت مجزرة همجية ضد القوى الوطنية اللبنانية الحليفة للثورة الفلسطينية، وضد الشيوعيين اللبنانيين بوجه خاص، والتي سقط ضحيتها عدد كبير من الشهداء وعائلات بأكملها من المدنيين الأبرياء.
وتأتي هذه المجزرة في ظل ظروف وأوضاع بالغة الدقة والخطورة، تتصدى فيها القوى الوطنية والتقدمية للمشروع الإمبريالي الهادف إلى السيطرة على لبنان وعموم المنطقة العربية، وفي ظل احتدام المواجهة مع القوى الفاشية الانعزالية الكتائبية المسيطرة على السلطة في لبنان، والتي وُجّهت لها ضربة موجعة في معركة الجبل البطولية.
إن القيادة المشتركة للجبهتين الديمقراطية والشعبية إذ تؤكد إدانتها لهذه المجزرة، فإنها تحمّل مسؤولية وقوعها إلى قيادة فتح المقيمة في طرابلس والتي ساهمت بشكل مباشر في حدوثها وفي تأمين التغطية للقوى العميلة التي قامت بها.
وفي هذا الصدد، فإننا نؤكد على المسؤولية الخاصة التي يتحمّلها رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية [ياسر عرفات] الذي لم يتصرف بالشكل الذي يمليه عليه موقعه كمسؤول عن منظمة التحرير الفلسطينية، التي تحرص أشد الحرص على التحالف الاستراتيجي المعمّد بالدم مع الحركة الوطنية اللبنانية التي احتضنت الثورة الفلسطينية وقدمت آلاف الشهداء دفاعا عن القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني في لبنان.
إن هذه الأعمال التخريبية التي جرت وتجري في طرابلس، توقع أفدح الأضرار بنضال شعبنا الفلسطيني وثورتنا المسلحة وتلحق الأذى الشديد بالروابط والعلاقات الكفاحية المصيرية بين الشعبين الفلسطيني واللبناني وقواهما التقدمية، وتسيء إلى سمعة منظمة التحرير وعلاقاتها وتحالفاتها.
إننا إذ نعبر عن تضامننا التام مع رفاقنا الشيوعيين وسائر القوى الوطنية اللبنانية التي مثّل تحالفها معنا على امتداد السنوات الماضية نموذجا رائدا للنضال المشترك ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية، فإننا ندين وبشدة كل الأعمال الإجرامية التي تستهدف الشيوعيين اللبنانيين، ونعلن موقفنا إلى جانبهم، وندعو رئيس اللجنة التنفيذية إلى وقف ومنع مثل هذه الأعمال التخريبية المسيئة لنضال شعبنا والتي لا تمثل بأي شكل من الأشكال ولا تعبر عن مواقف منظمة التحرير الفلسطينية وبرامجها ولا تعبر عن إرادة جماهير شعبنا الفلسطيني.
القيادة المشتركة
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
15/10/1983
= = =
المصدر: نشرة «التعميم». العدد 30: 18/10/1983.
::
::
2. مذكرة الحزب الشيوعي اللبناني
مذكرة المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
الإخوة في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية
الإخوة والرفاق ممثلي الأحزاب الشيوعية والعمالية وحركات التحرر الوطني
وزع الأخ ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، مذكرة موجهة إلى قيادة الحزب الشيوعي اللبناني. ولما كنا لم نستلم هذه الرسالة قبل توزيعها، كما هو العرف، بل اطلعنا عليها عن طريق بعض الذين وزعت عليهم بعد أن تحدثت عنها الإذاعات والصحف، فإننا رأينا من واجبنا أن نتوجه إليكم بهذه الرسالة بهدف إعادة الاعتبار إلى حقيقة ما جرى في مدينة طرابلس.
لقد تعرضت مقرات حزبنا في مدينة الميناء لهجمات غادرة من جماعات تتستر بالدين أدت إلى حدوث مجزرة رهيبة أودت بحياة العشرات من رفاقنا وأفراد عائلاتهم. ولم يُـوفّـر لا النساء ولا الأطفال ولا العجزة ولا المرضى، وجرى التمثيل بجثثهم بصورة وحشية.
وانتقلت هذه الجماعات المسلحة، بعد المجزرة، إلى الهجوم على مقرات الحزب الأخرى، ولا سيّما المقر الرئيسي للحزب في طرابلس. وقد اضطر رفاقنا إلى اتخاذ التدابير الدفاعية عن مقرات الحزب واستمرت المعارك في الشوارع ثلاثة أيام.
ومعروف في بلادنا ولدى كل القوى السياسية فيها أن هذه الجماعات المسعورة الحاقدة والظلامية تنتسب إلى «حركة التوحيد الإسلامي» التي ترتبط ارتباطا عضويا بحركة فتح، وبقائدها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الأخ ياسر عرفات، فهي تعتمد في تمويلها وتسليحها وتدريب كوادرها ومقاتليها على حركة فتح. ويمكن اعتبارها امتدادا لبنانيا لهذه الحركة. وهي تجمع لعدد من الحركات الدينية المختلفة في طرابلس، وترتبط قيادات بعض فصائلها بالأجهزة وسواها، وإن كانت تضم بعض الوطنيين في صفوفها.
وكانت جماعات من هذه الحركة قد قامت منذ حوالي الشهر باستفزاز ضد رفاقنا في منطقة الميناء. وقد لاحظنا في حينه تورطا لعناصر من حركة فتح ومن كوادرها المعروفة في هذا الاستفزاز، فقمنا بلفت نظر إخوتنا في قيادة فتح والأخ ياسر عرفات، شخصيا، إلى خطورة هذا الاستفزاز وتورط بعض عناصرهم وكوادرهم فيه.
كما قامت أحزاب صديقة، ومنها الأحزاب الشيوعية العربية، وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وشخصيات سياسية عامة بالاتصال بالأخ ياسر عرفات، محذرة مما يمكن أن ينتج عن هذه الاستفزازات من عواقب وخيمة.
ولم نتوقف عند هذا الحادث، بل تابعنا علاقاتنا الطبيعية في طرابلس وغيرها مع الإخوة في فتح. كما تابعنا، في إطار لجنة التنسيق الطرابلسية التي يقودها السيد رشيد كرامي رئيس الحكومة الأسبق، التعاون مع «حركة التوحيد الإسلامي» بالذات، آخذين في الاعتبار علاقاتها الوثيقة مع فتح، حليفتنا في النضال ضد الإمبريالية والصهيونية وعملائها المحليين منذ سنوات طويلة.
لكننا عدنا وفوجئنا، مرة ثانية، وفي خلال الاعتداءات الدامية على مقرات حزبنا في طرابلس، بتورط جديد ليس لعناصر من فتح ولكوادرها فقط، بل لقياداتها الموجودة في المدينة أيضا.
وعلى ضوء هذا التطور الخطير في الأحداث، ومعرفتنا الدقيقة بعلاقات فتح الموجودة الآن في طرابلس، بقيادة حركة التوحيد الإسلامي، وتأكدنا على أرض المعركة، مباشرة، من اشتراك قوات لفتح في الهجوم على مقراتنا، وثبوت ذلك من شهادات منظمات فلسطينية تقوم بينها وبين عرفات علاقات طبيعية، مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وجبهة التحرير الفلسطينية، والنشاط الذي كان يقوم به الأخ ياسر عرفات، في أثناء الهجوم على مقراتنا، من المقر الرئيس لحركة التوحيد الإسلامي بالذات.
وأمام هذا الخوف من أن تتكرر المجازر بعد أن تم تطويق مقر حزبنا بمئات من المسلحين من حركة التوحيد الإسلامي وحركة فتح ومن الجماعات الإسلامية تحت ستار قوات مشتركة للفصل بين المتقاتلين، توجهت قيادة حزبنا بنداء عاجل إلى الأخ ياسر عرفات تدعوه فيه، من موقع التحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية والحرص على التحالف المستمر منذ سنين طويلة، إلى استخدام نفوذه وسلطته —بوصفه وثيق الارتباط بحركة التوحيد الإسلامي ولسيطرة قواته في المدينة— لوقف المجزرة، وحملته مسؤولية ما قد ينتج عن استمرار الهجوم على مقر حزبنا الرئيسي في المدينة.
كما قام العديد من أصدقائنا، من منظمات فلسطينية وأحزاب لبنانية وعربية وشخصيات رفيعة المستوى، بالمسعى نفسه. ورغم ذلك، استمر الهجوم على مقر حزبنا، مما دفع بقيادة الحزب في الشمال، حقنا للمزيد من الدماء، بإخلاء محيط مقر الحزب بعد أن أخذت تعهدات قاطعة من الأخ ياسر عرفات شخصيا باحترام حرمة المقر وتأمين سلامة الرفاق.
إلا أن القوات المشتركة لفتح وحركة التوحيد الإسلامي بقيادة العقيد أبو طعّان، ناورت في محاولة لتطويق الرفاق في مكان تجمعهم لأخذهم رهائن، الأمر الذي حملهم على اتخاذ التدابير التي أمّنت لهم الوصول إلى أطراف المدينة، في حين اقتحمت القوات المشتركة لحركة التوحيد الإسلامي وحركة فتح مقر الحزب واحتلته ونهبت محتوياته.
ألا يحق لنا، أمام هذه الوقائع التي يعرفها الجميع في الثورة الفلسطينية وفي لجنة التنسيق الطرابلسية، أن نسأل: ماذا وراء تورط قيادة فتح في طرابلس في هذا الاعتداء السافر على مقر حزبنا وعلى رفاقنا، والذي اتضح أنه ليس عملا طارئا، بل مدروسا ومخططا له، من البيانات التي صدرت عن بعض قادة حركة التوحيد الإسلامي، ومنهم «أميرها» سعيد شعبان، وعن قيادة الجماعة الإسلامية، بعد انسحاب رفاقنا واقتحام مقرنا الرئيسي في المدينة؟
ونلح بالسؤال لأن هذا العمل تم في المرحلة التي تنصبّ فيها كل جهود حزبنا للإسهام بأقصى الطاقات في المعركة الوطنية الكبرى التي تخوضها القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية ضد التدخل الأميركي والاحتلال الإسرائيلي ومشروع حزب الكتائب الفاشي. هذه المعركة التي تقتضي رص صفوف كافة القوى الإسلامية والوطنية، بما في ذلك قوى منظمة التحرير الفلسطينية، ضد العدو المشترك.
وإننا نتألم شديد الألم لأن هذا الاعتداء يجري ضدنا في الشمال في وقت يقوم به العدو الإسرائيلي بحملة مداهمات واعتقالات واسعة ضد رفاقنا تناولت منهم بضع مئات. وتشن الولايات المتحدة الأميركية وأجهزتها حملة شعواء ضد حزبنا وضد القوى الوطنية الأخرى المطالبة بإخراج قواتها من لبنان.
ونتساءل أيضا عن جدوى هذا المنحى في الإساءة لتحالفنا مع فتح واصطناع شرخ فيه في الوقت الذي تعاني هذه الحركة من أزمة داخلية عميقة وحادة بذلنا ولا نزال نبذل الجهد الكبير لعدم التدخل فيها، وعملنا بكل الوسائل مع أصدقائنا وحلفائنا في منظمة التحرير الفلسطينية، والمقاومة لرأب الصدع والحؤول دون الاقتتال الداخلي واعتماد الحوار الديمقراطي أساسا لحل الأزمة على قاعدة وحدة فتح ووحدة منظمة التحرير الفلسطينية، مع ما يتطلبه ذلك من إصلاحات وتدابير تنظيمية ضرورية عبرت عنها أكثرية مناضلي الثورة الفلسطينية ومقاتليها، وذلك حرصا منّا على الكفاح المشترك والدماء التي سالت في النضال المشترك ضد العدو المشترك على امتداد خمس عشرة سنة، وحرصا على هذه الظاهرة المشرقة في حركة التحرر الوطني العربية التي شكلها التحالف الوطني اللبناني-الفلسطيني، والذي لعب حزبنا ولا يزال دورا بارزا مستمرا ودؤوبا في إقامته وترسيخه والدفاع عنه، وخاصة مع حركة فتح، وحرصا أيضا وبالدرجة الأولى على القضية الفلسطينية التي كنا ولا نزال نعتبرها قضية مقدسة ومحورية، والتزمنا بالنضال من أجل نصرتها وسنتابع هذا النضال مهما كانت الصعوبات والتضحيات.
لقد أدان حزبنا على الدوام المعارك الجانبية والفئوية، وركز جهده للتفرغ للمعركة الرئيسية ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية الفاشية بكل أشكالها. ورغم هذه القاعدة الراسخة في ممارستنا، فقد فُـرضت علينا معارك اضطررنا فيها للدفاع عن أنفسنا وعن الحركة الوطنية وعن المقاومة الفلسطينية، كما يعرف الجميع وكما يعرف الأخ ياسر عرفات شخصيا، فإذا به يتخذ في مذكرته من تلك الأحداث المؤسفة الماضية وسيلة اتهام لحزبنا بإثارة الصراعات الجانبية، في لهجة مستغربة تبدو أقرب إلى التحريض على مثل هذه المعارك منها إلى التذكير بها، خصوصا وأن معظمها لا أساس له من الصحة.
إننا انطلاقا من قلقنا الشديد لما يمكن أن ينتج عن أحداث طرابلس من شرخ عميق في العلاقة بين حزبنا وبين بعض الإخوة في قيادة فتح المتورطين في هذه الأحداث، نسأل هؤلاء الإخوة: هل هم يدركون حقا خطورة ما حصل في طرابلس بالنسبة لتنظيمنا ولمصير نضالنا المشترك وقضيتنا المشتركة التي يتكالب الأعداء للنيل منها؟
ونتوجه إلى الإخوة أعضاء اللجنة المركزية في حركة فتح وأعضاء المجلس الثوري، وإلى كافة الكوادر والمناضلين والمقاتلين، إلى جميع هؤلاء الإخوة الذين قاتلنا وإياهم في الخندق الواحد، في صمود بيروت الأسطوري، وفي قلعة الشقيف، وفي تلة برغز، وفي صور وصيدا والنبطية، وفي أقاصي الجنوب وكل رقعة من لبنان، ضد إسرائيل وضد قوى العمالة والفاشية، ونسألهم: ما الفائدة من تشجيع ودعم الاعتداء على الشيوعيين اللبنانيين وحلفائهم في الحركة الوطنية اللبنانية من تسعير العداء للشيوعية؟ ولمصلحة من افتعال أحداث طرابلس أو السماح بقيامها؟ لمصلحة من العمل على تسليم هذه المدينة الوطنية العريقة إلى جماعات تضم في صفوفها وبين قياداتها مشبوهين لا علاقة لهم بالعمل الوطني، وإحلال هذه الجماعات محل القوى الوطنية والتقدمية التي شكلت لثورتهم، منذ قيامها، الدرع الواقي؟ وندعوهم إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية في هذه المرحلة المصيرية، من أجل أن ترجع الأمور إلى نصابها الصحيح، وقبل فوات الأوان، ومن أجل خنق المؤامرة الشرسة التي تحمل في طياتها أفدح المخاطر لقضيتهم وقضيتنا المشتركة.
ونحن نصارح هؤلاء الإخوة، وكل من يعنيه الأمر، أننا لسنا بطارئين على مدينتنا طرابلس، بل نحن جزء من أهلها ومناضليها، فهي مدينة نقولا شاوي وأحمد المير ورفاقهم الكثر الميامين. إنها مدينة رفيقنا صفوان دندشي الذي استشهد في 23 نيسان 1969 دفاعا عن الثورة الفلسطينية، وكذلك مدينة المئات من الشهداء الشيوعيين والتقدميين والاشتراكيين والبعثيين والقوميين الاجتماعيين والناصريين وكل الوطنيين المدافعين عن الثورة. وبالتالي، فإننا سنبقى في طرابلس وسنعمل على تعزيز وجودنا بكافة الأشكال السياسية والعسكرية، راجين أن يجري ذلك دون أن يلحق بالمدينة أيّ أذى، وأن يكون إخوتنا في فتح، كما كانوا طوال السنين الطويلة، معنا وإلى جانبنا.
وعلى ضوء كل ذلك، ندعو جميع الإخوة والرفاق والأصدقاء الذين تعز عليهم قضية فلسطين ومصلحة منظمة التحرير الفلسطينية، وقضية لبنان وقواه الوطنية والتقدمية، في لبنان، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والبلدان العربية الشقيقة، والعالم، إلى بذل كل المساعدة من أجل تطويق ما حصل في طرابلس، وتفادي ما هو أخطر، وذلك بإسداء النصيحة لإخوتنا في قيادة فتح بالتخلي عن نهج توتير العلاقات مع حزبنا والتخلي عن إسناد القوى المسعورة المعادية لحزبنا ولكل ما هو وطني وتقدمي في طرابلس. وهذا يستوجب في رأينا الإدانة الحازمة لمرتكبي مجزرة طرابلس والمطالبة بإنزال العقوبات الرادعة بهم، وتوفير الظروف الأمنية التي تجعل من الممكن العودة إلى مقراتنا وممارسة نشاط منظمتنا ومنظمات سائر الأحزاب الوطنية والتقدمية بكل الأشكال التي يقتضيها الوضع في طرابلس ولبنان.
ولا بد لنا من القول أصلا إن مجيء الأخ ياسر عرفات إلى طرابلس في هذه الظروف وفي الملابسات المعروفة قد رافقه تأجيج في الصراع الفلسطيني الداخلي، وزيادة توتير العلاقات مع سوريا وشن حملة تشهير ضدها، وإساءة لجبهة الخلاص الوطني، ولقتال المناضلين في جبل لبنان بقيادة الرفيق وليد جنبلاط. كما ألحق اشد الضرر بالقضية المشتركة لشعوبنا.
لذلك نرجوكم أن تبذلوا الجهد اللازم لإقناع الأخ ياسر عرفات بالعودة إلى مقره في تونس ومغادرته مع الإخوة الآخرين مدينة طرابلس لأن في ذلك نزعا لفتيل يوشك أن ينفجر صراعا داخليا دمويا في صفوف الثورة الفلسطينية وتدميرا لمدينة طرابلس والمخيمات الفلسطينية.
ونود أن نؤكد لكم أيها الرفاق والأصدقاء أننا سنتعالى على جرحنا ونتجاوز آثار عملية الغدر التي مورست ضدنا، وسنعمل كل ما في وسعنا كي لا نكون طرفا في نزاع يصرفنا عن معركتنا الأساسية ضد إسرائيل والقوى الفاشية، وهو في كل حال نزاع ذو أبعاد مدمرة لقضيتنا المشتركة ولمنظمة التحرير الفلسطينية وجبهة الخلاص الوطني اللبنانية، وللعلاقات الفلسطينية-السورية ومجمل حركة التحرر الوطني العربي.
المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
بيروت، 21/10/1983
= = =
المصدر: نشرة «التعميم». العدد 32: 1/11/1983.
::
::
3. بيان: العاصفة توضح ما يدور في الشمال
يا أبناء شعبنا العظيم
منذ انطلاقة انتفاضتكم المجيدة، دأبت قوى منحرفة وانتهازية ومرتبطة داخل الساحة الفلسطينية وخارجها على تشويه الأهداف النبيلة التي انطلقنا من أجلها، فقامت بشن حملات مسعورة عسكرية وسياسية وإعلامية لإجهاض تحركنا حفاظا على مواقعها وامتيازاتها التي حققتها عبر سنوات الفساد والانحراف.
لقد بدأوا باستعمال السلاح ضد إخوانهم، بدلا من الاستجابة للمطالب العادلة التي رفعتها الانتفاضة عاليا. كما رفضوا كافة المساعي الحميدة التي كانت تهدف إلى حل النزاع بأسلوب الحوار الديمقراطي وعبر المؤتمر الحركي العام، فما كان منا إلا أن دافعنا عن المبادئ التي آمنتم بها، وانطلقتم من أجلها.
كان دفاعنا عن الأهداف الإصلاحية العادلة دفاعا عن أهدافكم ومطالبكم التي طالما ناديتم بها وناضلتم لتحقيقها. ولطالما تحسستم من الفساد المتفشي، ومن الزمر التي كانت تحقق امتيازاتها على حساب شهدائكم، ودم أبنائكم. وكان دفاعنا المستميت عن الأهداف الإصلاحية العادلة دفاعا عنكم، وعن قضيتنا المشتركة، والتي هي قضية كل الشرفاء والأحرار في هذا العالم.
لقد أرادت الزمر المنحرفة التي تسلقت إلى سدة القيادة في حركتنا العظيمة، فتح، أن تجهض تحركنا من خلال عزلنا عن جماهير شعبنا، فشنت بذلك حملة شعواء على سوريا وليبيا للتغطية على الخلاف الداخلي ومسبباته من فساد وانحراف سياسي ومالي وتنظيمي ومسلكي. كما تابعت تحرشاتها بمواقعنا ومنعت المناضلين الشرفاء من الالتحاق بصفوفنا.
ولم تتوقف الاستفزازات العرفاتية للانتفاضة وكوادرها وعناصرها ومؤيديها في الصف الوطني الفلسطيني فحسب، بل ذهبت لتوسع من دائرة خصومها وأعدائها إلى الدائرة اللبنانية بالمشاركة في مذبحة لمقاتلي الحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي في طرابلس، اللذين طالما قاسمونا الضراء قبل السراء، وقاتلوا معنا أشرف المعارك ضد العدو الصهيوني.
يا أبناء شعبنا العظيم
إن إصرار قيادة عرفات على رفضها لمطالبنا الإصلاحية العادلة دفع بها إلى أن تعد لفتنة كبيرة في منطقة الشمال، فقامت بوضع مدافعها وراجماتها بين السكان المدنيين في مخيماتنا الصامدة في الشمال. كما قامت بوضع أسلحتها الثقيلة ودباباتها وآلياتها بين السكان المدنيين في مدينة طرابلس الباسلة. إزاء هذا التصرف الإجرامي، كان لا بد لقواتنا من إبعاد هذه الزمرة المنحرفة لحماية أهلنا وشعبنا في المخيمات، ولتجنيب أرواحهم وممتلكاتهم الدمار والهلاك.
يا جماهير شعبنا العظيم
الآن وبعد أن انتهت ذيول الفتنة من مخيماتنا في الشمال، فإن الحياة قد عادت إلى طبيعتها. ولن نسمح مرة أخرى للقوى المنحرفة والزمر الفاسدة أن تلعب بمقدرات شعبنا وأن تعبث بقضيتنا. إننا نناشد أهلنا في الشمال العودة إلى بيوتهم ومخيماتهم، ونطمئنهم بأن زمر الفساد التي لفظناها إلى الأبد لن نسمح لها بأن تعود إلى صفوفنا ومخيماتنا. كما لن نسمح لها بأن تعبث بالأرواح والمال والمقدسات.
يا إخوتنا في فتح، يا رجال العاصفة
إننا نناشدكم أن تعملوا على وحدة حركتكم، وأن ترفضوا الانشقاق الذي تسعى إليه قيادة الانحراف. كما نناشدكم أن تتحملوا مسؤولياتكم التاريخية في تصحيح مسار ثورتكم العظيمة، التي بذلتم من أجلها كل التضحيات. إننا نناشدكم يا أبناء فتح الشرفاء العودة إلى مواقعكم القتالية لرص صفوفكم ولتوحيد بنادقكم ولتوجيهها ضد العدو الذي اغتصب أرضنا وكرامتنا.
يا أبناء فتح، يا إخواننا المقاتلين
لقد سقطت رموز الانحراف التي شوهت نضالكم الشريف. والآن فقد نهضت فتح من جديد لتستعيد وجهها النضالي الناصع، ولتستأنف مسيرتها الكفاحية بخطى سديدة وعزيمة لا تلين.
يا أبناء فتح، يا رجال العاصفة
تمسكوا بالبندقية المقاتلة التي طالما كانت عنوانا لكرامتكم، ورمزا لشرعية نضالكم وقراركم الوطني المستقل. لا تَدَعوا رموز الفساد تؤثر عليكم وتحرفكم عن مساركم الثوري الأصيل. ارفضوا أوامرهم بإطلاق النار على إخوانكم المقاتلين، لأن في ذلك خدمة لمراكزهم وامتيازاتهم وانحرافهم، وبالتالي خدمة للعدو الصهيوني. اطردوا اللصوص والتجار وزمر المنحرفين من بين صفوفكم.
يا أبناء فتح، يا رجال العاصفة
لن نترك المنحرفين يفلتون من أيدينا. وسنحاكم كل الذين تاجروا بالقضية وتآمروا عليها وعلى أبنائها. قلوبنا مفتوحة لكم وأيدينا ممدودة إليكم. لن نسمح لفتح أن تصبح فتحين، ولا لمنظمة التحرير أن تصبح منظمتين. وسنحافظ على وحدة المنظمة وعلى أصالتها الثورية.
وأما قرارنا الوطني الفلسطيني المستقل فهو سلاحنا الأمضى والأقوى، وسنحافظ عليه بالمهج والأرواح. وسنستمر معا يا رفاق السلاح على درب التحرير. وسنمضي معي واثقي الخطى حتى التحرير والنصر.
عاش نضال شعبنا الفلسطيني الباسل.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
وثورة حتى النصر
القيادة العامة لقوات العاصفة
17/11/1983
= = =
المصدر: نشرة «التعميم». العدد 35: 22/11/1983.
::
::
4. بيان: العاصفة تخاطب عرفات وسعيد شعبان
يقوم عرفات من أمس وصباح اليوم بقصف مدفعي وصاروخي من داخل مدينة طرابلس والأحياء السكنية فيها على مخيم البداوي وجواره. ويأتي هذا القصف خلافا لكل الوعود التي قطعت أمس لوفد مجلس التعاون الخليجي وللفعاليات الطرابلسية وقواها الوطنية.
إن عرفات وحلفاءه داخل مدينة طرابلس على ما يبدو ماضون في سياسة تصعيد واستمرار القتال لتوريط المدينة، دون أيّ اعتبار لمشاعر أهلها، ودعوة واضحة للاستمرار في الاقتتال.
إننا نؤكد أن التصعيد العسكري من زمر عرفات وحلفائه يدفعنا، وعلى قاعدة الدفاع عن النفس، إلى عدم الوقوف مكتوفي الأيدي حماية لشعبنا وأهلنا ومقاتلينا. لذا ندعو كافة القوى المخلصة والشريفة داخل هذه المدينة الصامدة للقيام بدور فعال، يحميها من الأشرار والمنحرفين من الاستمرار في استخدامها كقاعدة لهم.
ومن جانبنا نؤكد على موقفنا وتأييدنا لبيان ونداء الرئيس رشيد كرامي، ونجدد دعمنا للفعاليات والقوى الوطنية الطرابلسية. ومن هذا المنطلق، نتوجه للشيخ [سعيد] شعبان وأعوانه أن يتحملوا مسؤوليتهم بوضوح، وأن يقفوا إلى جانب القوى الوطنية والفعاليات في طرابلس، ونحملهم إلى جانب عرفات مسؤولية أيّ نتيجة قد تترتب على تصعيد القتال من تعريض المدينة للخطر، وتعريض أهلها لنتائج هذا التخريب. وندعوهم إلى الابتعاد عن هؤلاء المنحرفين الفلسطينيين حلفاء معسكر كامب ديفيد، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني والمناضلين الفلسطينيين الذين يواجهون المشروع الصهيوني الأميركي في لبنان.
إن الصراع الفلسطيني هذا صراع قديم، وهو صراع حول مصير الشعب الفلسطيني وثورته، الهدف منه تطهير ساحتنا من كل المنحرفين والمتآمرين. لذا فإننا نعتبر أن تدخل الشيخ سعيد شعبان في هذا الشأن يؤجج الفتنة، ويعيق مسيرتنا الفلسطينية. لذلك نحمله المسؤوليات كعرفات عن كل ما يترتب على ذلك من نتائج قد تطال الشعبين الفلسطيني واللبناني.
وليعلم الشيخ سعيد أن كل ما يقدمه له عرفات من أموال ومساعدات لن يساوي شيئا أمام الخسائر والأضرار التي ستلحق بمدينة طرابلس وأهلها نتيجة استمرار التصعيد والفتنة.
إننا نعمل وبكل الجدية لمنع تعريض سكان مدينة طرابلس لأي ضرر. وكما هو معروف، فإن كافة القوى السياسية والوطنية في المدينة أصدرت بيانات حددت مواقفها مما يجري في الشمال ومن المنحرفين الفلسطينيين. إلا أن الشيخ سعيد شعبان وأعوانه يواصلون موقفهم إلى جانب عرفات، بعيدا عن إجماع المدينة، متحدّين بذلك مشاعر كل سكان المدينة. إن هذا الموقف لا يلحق الضرر بمدينة طرابلس وأهلها فحسب، بل كذلك بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. إننا لا نجد تفسيرا لهذا إلا كونه إلى جانب الانعزاليين المعادين للشعبين اللبناني والفلسطيني.
وإننا إذ ندعو كافة القوى أن تقف صفا واحدا في مواجهة التهديدات الأميركية والإسرائيلية، المتمثلة في حشود الأساطيل وغارات الطيران المتواصلة والتحركات العدوانية، ندعو كذلك إلى الإسراع في ضرب نهج الانحراف الذي يحاول صرف جهد شعبنا عن المعركة الرئيسية، كما يتطلب الإسراع في التصدي لقوى الفتنة التي تعمل في خدمة هذا المخطط عبر شل فاعلية مدينة طرابلس البطلة والشمال اللبناني.
ونقول لعرفات وزمرته إن حاجة شعبنا الفلسطيني إلى مدينة طرابلس تختلف عن حاجتك لها. إننا نريدها مدينة واحدة موحدة بكل قواها الوطنية والتقدمية. ونريد أحزابها صفا واحدا وعلى موقفها الوطني والقومي من قضية شعبنا في وجه القوى الانعزالية ومخططات أميركا وإسرائيل.
أما أنت يا عرفات فقد أردتها ممزقة، ومتراسا لقتال الوطنيين اللبنانيين والفلسطينيين في محاولة منك لخدمة أميركا وأعوانها كما فعل السادات، متوقعا دعما أميركيا مباشرا بعد أن لفظك شعبنا وثواره. وإننا نقول إنك لن تفلت من عقاب الشعب. لقد وجهت مدافعك وراجماتك إلى صدور الشعب الفلسطيني واللبناني وثواره حملة الأوسمة من الثورة الفلسطينية الذين صنعوا انتصاراتها على كل الساحات، وحملوا [وحموا؟] استقلال قرارها الوطني.
أوقف يا عرفات فوهات مدافعك وصواريخها والتي تطلقها من بين المدنيين الآمنين وإلى صدورهم، وإلى صدور شعبنا اللبناني والفلسطيني، فهؤلاء من أبنائنا في فلسطين ولبنان هم شعب لبنان وشعب فلسطين، وفي خدمة قضاياه الوطنية.
وإننا إذ نقولها واضحة: يا عرفات، من لفظه شعبه لن يحميه أحد من الدول الرجعية العربية ولا الدول الاستعمارية أمثال فرنسا وأميركا، وإن يد الشعب لطويلة وستنزل العقاب بك وبأمثالك. وإنها لثورة حتى النصر.
القيادة العامة لقوات العاصفة
البيان بدون تاريخ
= = =
المصدر: نشرة «التعميم». العدد 35: 22/11/1983.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري (محرِّر)، حركة فتح 1983: الانتفاضة/الانشقاق: التعاميم والبيانات الأولى (لندن: عود الند، 2023)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي (محرِّر). حركة فتح 1983: الانتفاضة/الانشقاق: التعاميم والبيانات الأولى. لندن: عود الند، 2023.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.