كتاب فتح 1983: بيانات الانشقاق/الانتفاضة
توطئة وتوضيحات ومقدمة
تـوطـئــة
يمكن اعتبار هذا الكتاب الرابع ضمن سلسلة من الكتب التوثيقية التي أصدرت أولها في عام 2015 ووثّـقت فيه تجربة تأسيس وانهيار فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة. وكان ثانيها عن المجلات السياسية الفلسطينية الصادرة بالعربية في الولايات المتحدة الأميركية: 1980-1984. أما الثالث فوثقت فيه بالتلكسات والوثائق الأخرى الاتصالات الفلسطينية-الأميركية أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت في صيف 1982.
أصدرت الكتب الثلاثة بدافع من إيماني بأهمية التوثيق لحماية الذاكرة وحفظ الذكريات، وتوسيع دائرة انتشار المعلومات، والمساهمة في التراكم المعرفي الناتج عن وضع الوثائق في متناول الباحثات والباحثين وعموم المهتمين.
ويمثّل إصدار الكتاب الرابع هذا امتدادا لمجهودات التوثيق، التي تنبع أيضا من الحرص على تعدد الأصوات، والمساهمة في الحد من طغيان وهيمنة السرديات الرسمية، والخطابات الحزبية التنظيمية، علما بأن الكثير مما يكتب عن الانتفاضة/الانشقاق في فتح يتسم بأنه يناصبها العداء، ويتميز بالكسل الفكري، ورؤية الأمور بانتقائية تهمل ما لا يؤيد موقف من يكتب عنها.
العمود الفقري لهذا الكتاب تعاميم وبيانات صدرت عن الانتفاضة في فتح. واعتمدتُ في جمعها على مصدرين رئيسيين: الأول مجلة «الحقيقة» التي أصدرتها في عام 1983 أثناء دراستي في الولايات المتحدة (10 أعداد). والثاني نشرة «التعميم»، التي بدأت الصدور في 25/6/1983، لتكون بديلا للتعاميم المتفرقة الصادرة باسم القيادة العامة لقوات العاصفة.
تغطي البيانات فترة سبعة أشهر تقريبا، تبدأ بإعلان مطالب بإصلاحات في حركة فتح (9/5/1983) وتنتهي في الأيام الأخيرة من شهر كانون الأول 1983، عندما غادر زعيم فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، مدينة طرابلس اللبنانية، وزار مصر للقاء الرئيس حسني مبارك، كاسرا بذلك العزلة العربية التي فُرضت على نظامها بعد توقيع الرئيس أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978، ومعاهدة سلام مصرية-إسرائيلية عام 1979. اكتفيت بهذه الأشهر السبعة لأنها تمثل مرحلة مختلفة عما تلاها، ولأن زيارة عرفات لمصر قدمت الدليل الدامغ على أن الانتفاضة لم تفتر عليه عندما تحدثت عن انحراف سياسي.
لأن الهدف من إصدار الكتاب نشر الوثائق لتكون مرجعا للمهتمين بالشأن الفلسطيني، حرصت على تقليل عدد الصفحات التي أعبر فيها عن رأيٍ، وهي نحو 10 صفحات في كتاب من 160 صفحة. الوثائق المنشورة في الكتاب يتحدث فيها الحدث عن نفسه. في يقيني أن هذا الأمر السليم في الطبعة الأولى. ومن الممكن في المستقبل إصدار ثانيةٍ تتضمن التعليق على ما ورد في الوثائق، والأحداث التي رافقت الانتفاضة، وما كتب عنها بموضوعية ورصانة، حتى وإن كانت كتابة نقدية.
عدلي الهواري
لندن
كانون الثاني 2023
::
::
اختصارات ومعلومات أخرى
اختصارات
م ت ف: منظمة التحرير الفلسطينية.
منظمات ومؤسسات
1. منظمة التحرير الفلسطينية: تأسست م ت ف في عام 1964. وفي عام 1974 حصلت على قرار من القمة العربية المنعقدة في الرباط يعترف بها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. كانت م ت ف بمثابة ائتلاف بين عدد من منظمات المقاومة الفلسطينية، واحتفظت كل منظمة بهيكل تنظيمي مستقل وقيادة سياسية وعسكرية مستقلة.
2. المجلس الوطني الفلسطيني: هيئة يمكن اعتبارها في منزلة برلمان فلسطيني، ولكن العضوية فيه لم تكن عن طريق الانتخاب، بل من خلال حصة مخصصة لمنظمات المقاومة حسب حجمها، وللمنظمات الجماهيرية، مثل اتحاد المرأة والطلبة وغيرهما، إضافة إلى عدد كبير من فئة «مستقلين»، وهم في العادة من المؤيدين لياسر عرفات.
3. اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: الهيئة القيادية التي تدير شؤون المنظمة.
4. المجلس المركزي: مجلس وسيط بين اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني الفلسطيني.
5. منظمات المقاومة الأعضاء في م ت ف: حركة فتح (زعيمها ياسر عرفات)؛ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (زعيمها جورج حبش)؛ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (زعيمها نايف حواتمة)؛ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة (زعيمها أحمد جبريل)؛ جبهة النضال الشعبي (زعيمها سمير غوشة)؛ جبهة التحرير الفلسطينية (زعيمها محمد عبّاس)؛ منظمة الصاعقة (موالية لسورية: زعيمها زهير محسن)؛ جبهة التحرير العربية (موالية للعراق: زعيمها عبد الرحيم أحمد). كان بين أعضاء اللجنة التنفيذية أشخاص من فئة «مستقلين».
6. حركة فتح: أكبر فصائل المقاومة الفلسطينية. ونتيجة لذلك، تولى أحد قادتها، ياسر عرفات، رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير منذ عام 1969 وحتى وفاته في عام 2004.
7. الهـيئات الـقـيـادية في حـركـة فـتـح: (1) اللـجـنـة المركزية. (2) المجـلس الـثوري. (3) المؤتمر العام.
أسماء الشهور
أستخدم في الكتاب أسماء الشهور المتداولة في دول بلاد الشام. وفيما يأتي الاسم كما هو مستخدم في دول أخرى وكعـدد.
كانون الثاني = يناير (1). شباط = فبراير (2). آذار = مارس (3). نيسان = أبريل (4). أيار = مايو (5). حزيران = يونيو (6). تموز = يوليو (7). آب = أغسطس (8). أيلول = سبتمبر (9). تشرين الأول = أكتوبر (10). تشرين الثاني = نوفمبر (11). كانون الأول = ديسمبر (12).
::
::
منهجية وتوضيحات
أود أن أوضح بعض النقاط كي يكون القارئ على بينة من الأمور التي وُضعت في الاعتبار وجعلت الكتاب يخرج بشكله الحالي من ناحية عرض المعلومات وتسلسلها.
(1) تم اختيار الوثائق التي تعتبر رسمية، وحملت صفة تعميم أو بيان صادر عن قيادة الانتفاضة باسم القيادة العامة لقوات العاصفة (الجناح العسكري لحركة فتح). ولم يتم اختيار تصريحات صحفية أو مقالات أو أخبار أو مقابلات مع قادة التحرك أو غيرهم.
(2) قُسّمت الوثائق المختارة إلى أربعة أقسام. الأول يضم التعاميم والبيانات الصادرة باسم القيادة العامة لقوات العاصفة. الثاني يضم بيانات صادرة باسم أجهزة حركية أعلنت انضمامها للانتفاضة. أما الثالث فيضم بيانات متنوعة، خاصة الصادرة عن لجان وساطة لحل الخلاف في فتح. والرابع يتعلق بأحداث مدينة طرابلس اللبنانية، التي مثّـلت ذروة النزاع المسلح بين طرفي فتح. يشمل القسم الرابع بيانا مشتركا للجبهتين الشعبية والديمقراطية عن الوضع في طرابلس، ومذكرة من المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، الذي تعرض وجوده في طرابلس إلى هجمات من قوى «إسلامية» كانت متحالفة مع عرفات، وسبقت هذه الهجمات القتال الذي انتهى بخروج عرفات ومؤيديه من طرابلس.
(3) لا تخلو مطبوعة من أخطاء طباعة أو نحو. ولذا تم تصحيح أخطاء الطباعة والنحو الواردة في المطبوعات التي نقلت منها البيانات، ولكن دون استخدام القوسين المستقيمين [—] للدلالة على ذلك في كل حالة، أو استخدام [هكذا] في حال إبقاء الخطأ كما هو. لذا كان التدخل التحريري مقتصرا على الأمور الآتية:
(أ) تصحيح الأخطاء النحوية.
(ب) استخدام الأرقام العربية بدل الهندية.
(ج) عدم وضع فتح بين قوسين أو علامات اقتباس.
(د) استخدام فتحوي في كل البيانات رغم ظهورها بصيغة فتحاوي في بعض البيانات.
(هـ) استخدام أميركي وليس أمريكي في كل البيانات المنشورة في الكتاب.
(و) توحيد كتابة أسماء أشخاص أو كلمات أخرى مثل اسم الرئيس الأميركي رونالد ريغان، والاتحاد السوفيتي، وكنفدرالية.
(ز) في حال وجود كلمة ناقصة، أو خطأ طباعة أدى إلى وضع كلمة غير منسجمة مع المعنى، تم وضع الكلمة المرجّحة بين قوسين مستقيمين.
(ح) تحقيق انسجام أكبر في استخدام علامات التنقيط/الترقيم. لذا أضيفت فواصل ونقاط، وحذفت أخرى، حيثما وجد المحرر أن ذلك يخدم سلاسة الجُمل وإيصال المعنى.
::
::
الـمـقــدمـــة
حركة التحرير الوطني الفلسطيني، فتح، هي الفصيل الفلسطيني الأكبر بين فصائل الثورة الفلسطينية المعاصرة التي تعتبر فترة منتصف الستينيات بداية التأريخ لها، وخاصة بعد حرب عام 1967 التي تمكّن الجيش الإسرائيلي خلالها من الحاق الهزيمة بثلاثة جيوش عربية واحتلال المزيد من الأراضي العربية.
كان من نتائج الحرب ظهور علني في الأردن لمنظمات فلسطينية تمارس المقاومة المسلحة للاحتلال. ونجحت فتح في اكتساب تأييد جماهيري كاسح بعد معركة الكرامة في 21 آذار 1968 جعلها الفصيل الأكبر بين الفصائل المتعددة، فقد شارك مقاتلو فتح وغيرها الجيش الأردني في التصدي للقوات الإسرائيلية التي اجتازت نهر الأردن لتقضي على حركة المقاومة التي تمركزت في مخيم الكرامة.
مُني الجيش الإسرائيلي في الكرامة بهزيمة بعد أقل من سنة من انتصاره الكاسح في حرب حزيران 1967. ومن الأدلة على الهزيمة أن القوات الإسرائيلية تركت آليات في أرض المعركة، عُرضت في ساحة أمانة العاصمة الأردنية في عمّان، فكان لذلك أثر كبير في رفع معنويات الجماهير.
من عناصر الانجذاب الجماهيري إلى حركة فتح أنها لم تكن حركة مؤدلجة، فهي لم تسترشد بالماركسية اللينينية مثلا، مثلما فعلت الجبهتان الشّعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين. ولذا انضم إلى فتح أشخاص من خلفيات سياسية وأيدلوجية مختلفة مثلما انضم لها أناس بلا أيدلوجيات، مدفوعين بحب فلسطين، وتركيز فتح على الفعل، الممثل بالكفاح المسلح لتحرير فلسطين.
مصدر القوة هذا لحركة فتح كان على الدوام مصدر ضعف أيضا، فتعدد الخلفيات جعلها تنظيما غير متجانس الأفكار. ولذا شهدت فتحت خلافات تراوحت في حدتها نتيجة الاعتراض على إدارة أزمة أو حدث. إدارة الأزمة في الأردن، مثلا، كانت أحد أسباب الخلاف داخل فتح، عندما عقد مؤتمرها الثاني في عام 1971.
وقد تكررت الخلافات حسب التطورات السياسية في الساحتين الفلسطينية والعربية منذ عام 1967. ولا أنوي هنا المرور على كل الخلافات التي حدثت، بل أريد التركيز على الخلاف الذي حدث في عام 1983، فهو الأكبر، وتطور من احتجاج له مطالب محدّدة غايتها وقف الانحراف الذي حصل في مسار الثورة الفلسطينية إلى نزاع مسلح بين القوات المؤيدة لحركة الاحتجاج ونظيرتها المؤيدة لياسر عرفات، انتهى بخروج عرفات وآلاف من المقاتلين من مدينة طرابلس اللبنانية على متن سفن يونانية ترفع علم الأمم المتحدة، وبحماية سفن حربية فرنسية.
للخلاف الذي بدأ في 9 أيار 1983 علاقة وثيقة بمسألة الغزو الإسرائيلي لبنان في صيف 1982 الذي شمل حصار بيروت فترة قاربت ثلاثة أشهر. وكان من نتائجه الأولية الصّادمة سرعة الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني، حيث يتركز وجود المقاتلين الفلسطينيين، نظرا لأن جنوب لبنان هو الأقرب جغرافيا لحدود فلسطين الشمالية.
جرى الحديث وقتها عن هروب قادة عسكريين، كالحاج إسماعيل، قائد القوات في الجنوب. أما هو فقال إنه تلقى أمرا بالانسحاب. في الحالتين النتيجة واحدة، وهي سرعة سيطرة القوات الإسرائيلية على جنوب لبنان، ومواصلة السير نحو العاصمة بيروت. وفي الحالتين هناك حاجة لتحديد الحقائق ومحاسبة المسؤول الهارب، في حال كان الأمر هربا، ومحاسبة المسؤول الذي أصدر الأمر بالانسحاب، في حال كان ترك بعض القادة العسكريين مواقعهم نتيجة تلقيهم أمرا بالانسحاب.
استمر الحصار الإسرائيلي لبيروت فترة قاربت ثلاثة أشهر تم خلالها التفاوض عبر مبعوث أميركي، فيليب حبيب، على اتفاق يقضي بخروج آمن لقادة ومقاتلي المنظمات الفلسطينية من بيروت حاملين سلاحا فرديا فقط. وتم انسحاب المقاتلين وفق جدول زمني دام أسبوعين تقريبا. غادر جزء من المقاتلين برا إلى سوريا، وغادر آخرون في سفن متجهة إلى دول عربية مختلفة، منها اليمن وتونس وما بينهما.
لم يكن حصار بيروت يسمح بأكثر من وجود وجهات نظر مختلفة حول مسألة أداء المقاومة العسكري في الجنوب، ومسألة انسحاب القادة والمقاتلين من بيروت. ولذا انسحب قادة ومقاتلو الفصائل المختلفة من بيروت وفق الجدول الزمني المتفق عليه مع فيليب حبيب.
من البديهي والضروري، بعد الخروج، حدوث حالة تقييم للأوضاع بعد حرب ضروس لم تدم يوما أو يومين، وانتهت بوقف إطلاق النار، بل دامت نحو ثلاثة أشهر وأدت إلى خروج مقاتلي وقادة م ت ف من بيروت. ولذا، فإن من الجنون عدم حدوث تقييم وإعادة ترتيب أوضاع الفصائل والهيئات الفلسطينية المختلفة، والاكتفاء باعتبار الخروج الآمن من بيروت انتصارا للمقاومة عموما، وياسر عرفات شخصيا.
سبق الغزو الإسرائيلي للبنان وتلاه خلافات سياسية فلسطينية، بما فيها داخل فتح، حول مبادرات للسلام مع إسرائيل، وخاصة ما عُرف بمبادرة الأمير فهد، وليّ عهد السعودية وقت الإعلان عنها (1981)، وتبنتها القمة العربية التي عقدت في مدينة فاس المغربية في عام 1982.
أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت، والتفاوض على اتفاقية انسحاب قوات المقاومة منها، كانت تجري اتصالات فلسطينية-أميركية عبر قنوات خلفية تهدف إلى صدور مبادرة سلام أميركية. وبعد اكتمال الانسحاب أعلن الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، مبادرة تتضمن تصوّره لتسوية يكون للفلسطينيين وفقها حكم ذاتي مع وجود دور للأردن.
لقد كان واضحا لمن يتحلى بالأمانة الفكرية وبالصدق مع نفسه ومع الجماهير أن قيادة فتح ومنظمة التحرير بحاجة إلى تغيير في الأشخاص وفي النهج، فالتكتيك السياسي الذي حرف فتح عن أهدافها المعلنة باللّعب على حبلي إمساك عرفات بقيادة م ت ف وحركة فتح في آن واحد، فيحصل بقوة فتح على ما يريد داخل م ت ف، ويفرض على فتح ما يريد من خلال قرارات تتخذ في إطار م ت ف ومجالسها.
لم يكن الأمر موقفا تكتيكيا للخروج من هجمة شرسة على المقاومة، بل مواقف فردية مرتجلة باهظة الثمن، غايتها تحقيق هدف إقامة دولة على جزء من أرض فلسطين التاريخية، ولا مانع لدى عرفات ألّا تكون الدولة مستقلة، ولا مانع أن تكون ضمن كنفدرالية مع الأردن.
مسيرة النضال الفلسطيني تحت قيادة ياسر عرفات تُوّجت بالخروج من بيروت، بعد أن كانت تعرضت لخسارة كبرى بالخروج من الأردن، الساحة الأطول والأقرب للحدود مع فلسطين المحتلة. وقد أعطى الشعب الفلسطيني فرصة للفصائل وقادتها بعد أحداث الأردن (1970/1971). وقدّم الشعبان اللبناني والفلسطيني تضحيات جسيمة من أجل ترسيخ وجود م ت ف في لبنان.
كان من حق الشعبين الفلسطيني واللبناني، خاصة، والعربي عامة، الحصول على تقييم لأداء المقاومة منذ بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحتى اكتمال عملية الانسحاب، وكذلك تسليط الضوء على مرحلة ما بعد بيروت. ومن لم يرَ أهمية لهذا التقييم يمكن اعتباره مستهترا بتضحيات الجماهير ولا يكنّ لها أيّ تقدير.
في حرب حزيران 1967، هُزمت ثلاثة جيوش عربية وتم احتلال أراض عربية خلال ستة أيام. مع ذلك، خرجت من رحم هذه الهزيمة حركة المقاومة الفلسطينية التي انتشلت الأمة العربية من يأس الشعور بالهزيمة بهذه السهولة. أما في 1982، فقد خاض الإسرائيليون أطول حروبهم حتى الآن، ووافقوا على خروج آمن للمقاتلين المحاصرين في بيروت. وتعرضت قواتهم لهجمات مبكّرة جعلتهم ينسحبون من العاصمة اللبنانية أولا، ثم الاكتفاء بالوجود في الجنوب اللبناني في مرحلة لاحقة. لذا، فمن غير المنطقي أن يسود بعد الخروج من بيروت في عام 1982 موقف انهزامي استسلامي مناقض تماما لما حدث بعد هزيمة حرب 1967.
مرت ثمانية أشهر بين إكمال انسحاب المقاتلين من بيروت وحدوث حركة الاحتجاج في 9 أيار 1983، وهي ليست فترة زمنية قصيرة. ولو لم يحدث أيّ نوع من الاحتجاج على مواصلة قادة فتح وفصائل المقاومة العمل بنفس أسلوب ما قبل الخروج من بيروت، لجاز اعتبار هذه الثورة فاقدة للعنفوان وغير مهتمة بالتعلم من تجاربها، ولا يعنيها التقييم، ولا تهمها تضحيات الجماهير.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري (محرِّر)، حركة فتح 1983: الانتفاضة/الانشقاق: التعاميم والبيانات الأولى (لندن: عود الند، 2023)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي (محرِّر). حركة فتح 1983: الانتفاضة/الانشقاق: التعاميم والبيانات الأولى. لندن: عود الند، 2023.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.