إيمان يونس - مصر
الصندوق ونصان آخران
فستان
كلما أقترب موعد عرض الأزياء كلما ازدادت توترا وحيرة. ماذا ستقدم مختلفا وجديدا عن كل بيوت الأزياء المشاركة؟ البعض منها عالمية وهي ما زالت تتحسس طريقها في عالم الأزياء والموضة. إنها المرة الأولى التي ستشارك في هذا الحدث، ولا بد أن تكون بداية موفقة وقوية وإلا كتبت بنفسها كلمة النهاية.
وصلت الليل بالنهار لأيامٍ وليالٍ عديدة لتتابع ما تعرضه قنوات الموضة، ولم تغفل المواقع الإلكترونية فالأحدث دائما بها رغم ندرته، حتى أُصيبت بالإرهاق الشديد، وأُجبرت على أخد قسط من الراحة. أسلمت جسدها للفراش، لكن ذهنها دائر في كل الاتجاهات حتى رأت نفسها وهي طفلة وسعيدة بارتداء أول فستان من تصميمها ومن صنعها.
فتحت عينيها ثم أغلقتهما عدة مرات، ونهضت دون أن تغادر الفراش، وطلبت مورد الأقمشة الذي تتعامل معه عبر هاتفها الجوال، ووصفت له نوعية الطبعة التي تريدها والخامة المناسبة لها.
أقفلت هاتفها الجوال وبدأت تخط بعض التصاميم وبعد أن فرغت قالت في نفسها: رغم كل هذا العمر لم أنسَ.
وجاء يوم العرض، ودقات قلبها تعلو مع كل خطوة من خطوات العارضات وتنفرج شفتاها بابتسامة مرتبط اتساعهما بحجم التصفيق الذي تحظى به العارضات.
حانت فقرة الختام، وكانت لمجموعة فتيات في العاشرة ارتدين تشكيلة مختلفة من الفساتين والقبعات مصنوعة من قماش يوحي بأنه من الجرائد والمجلات. ضجت القاعة بالتصفيق المتواصل بلا انقطاع، ومذيعة الحفل أعلنت عن ميلاد جديد لبيت أزياء ميمي، وانطلاقه نحو العالمية، وأضافت: "لقد فازت ميمي بجائزة أفضل تصميمات لهذا العام".
انهال الصحفيون والإعلاميون عليها من كل حدب وصوب، وسؤالهم واحد: من أين أتت بفكرة آخر فقرة لأن من الأرجح هي سر تميزها وحصولها على جائزة أفضل التصميمات؟
إجابة واحدة أجابتها: "أول فستان من تصميمي كان مصنوعا من أوراق الجرائد والمجلات. وكنت في مثل عمر الفتيات العارضات".
واحتفظت لنفسها بباقي الإجابة: أسرتي الفقيرة لم تكن تملك الوافر من المال لتشتري لي فستانا. وكان لزاما علي أن أرتدي مثل أخواتي الأولاد وأتوارث ملابس ممن يسبقني في العمر. لكني تمردت وتمسكت بحقي في ارتداء فستان.
الصندوق
(1)
تردد كثيرا قبل أن يغادر الوطن، ولكن الظروف اجتمعت عليه وحتّمت عليه الرضوخ وتلبية نداء الغربة. اصطحب معه كل مقتنياته ووضعها في صندوق، وود لو تتسع الطائرة ليحمل معه وطنه بكل شارع وكل بيت وكل أحبابه.
(2)
اختار أن يعيش في شقة ضيقة أقرب للصندوق ليرشد نفقاته ويدخر أكبر قدر ممكن من دخله حتى الحرمان من الكثير من مباهج الحياة ليحوله إلى صندوق التوفير بوطنه.
(3)
بعد سنوات الغياب أهله وأحبابه كانوا في انتظاره بالدموع، ويفتشون عنه في قرية البضائع.
المعرض
ندوة
يوم مناقشة روايتي الأولى كنت سعيدا بوجود لفيف من الأهل والأصدقاء حولي. والأهم، الكاتب مَـثَـلي الأعلى، هو من يدير الندوة والنقاش. وفجأة ازداد عدد جمهور الحاضرين، وكلهم وجوه جديدة لا أعرف منها أحدا. مشاعر مختلطة داخلي ممزوجة بالدهشة والفرحة. دنا مني صديق فأسر لي بأن الأمطار تهطل بغزارة بالخارج، ولم يجد زوار المعرض غير ندوتك ليحتموا بها.
ثروة
أنفق ببذخ على حفل توقيع كتابه الجديد، وبعد الحفل لامه صديقه لإسرافه الزائد على الحفل وهو على علم أنه لم يحقق ربحا يُذكر من كتبه السابقة، وعلى دراية بأحواله المادية، إلا إذا قد هبطت عليه ثروة وهو لا يعلم. أجابه وهو يضحك ضحكة عريضة: "بلى يا صديقي؛ لدي ثروتان: القراءة والكتابة".
فنان
بداية عهده بالمعرض كطفل في الخامسة من عمره؛ يعرف بعض الكلمات لكنه يميز جميع الأشياء ويجيد تلوينها واستكمال الناقص منها بمهارة لافتة للإنظار. اليوم في زيارة للمعرض ليكون في صحبة مجموعة من الأطفال ليقص عليهم بعض القصص من كتبه المصورة.
كاتب
اتصل به الناشر وأخطره أن الإقبال على المعرض ضعيف وكتبه لم ترق أحدا. ذهب لصالة العرض ووقف عن بعد يراقب ماذا يعجب زوار المعرض؟ فرح بمن أمسك بأول كتاب له وقلّب صفحاته، ويود ليهمس لهم رفقا بالصفحات: إنها حصاد سهر ليالٍ طوال. لكن فرحته وُئدت لأنه أعاده مكانه.
وأخرى أشترت كتابه الثاني على مسمع منه قالت: "العنوان جذبني". وتألم عندما سقطت بعض النسخ على الأرض وأحد المارة داسها بقدمه دون قصد. كاد يخرج عن شعوره ويكشف شخصيته، ولكنه آثر الرحيل وترك بعضا منه مرصوصا بالأرفف. وخرج بنتيجة أحزنته: كتب الطهاة وتفسير الأحلام الأكثر رواجا لدى العامة.
◄ إيمان يونس
▼ موضوعاتي
4 مشاركة منتدى
الصندوق ونصان آخران, هدى الكناني من العراق | 2 آذار (مارس) 2014 - 21:20 1
ايمان يونس من مصر
وكم من ذكرى غافية في قلوبنا ، تستيقظ وتخط بيدها ما يغيّر مسار حياتنا
اعجبتني جدا قصة الفستان ، خاصة الخاتمة بتعابيرها البسيطة واللطيفة في استحياء.
كل ماتكتبينه جميل كوجهك المشرق .
دام قلمك وبالتوفيق
هدى
1. الصندوق ونصان آخران, 3 آذار (مارس) 2014, 06:12, ::::: إيمان يونس
أ / هدى سعدت بمرورك ورأيك محل تقديرى وإهتمامى لكاتبة واعدة وقارئة واعية ...تحياتى وتقديرى
الصندوق ونصان آخران, إبراهيم يوسف - لبنان | 6 آذار (مارس) 2014 - 10:46 2
إيمان يونس
قرأت عن عارضة الأزياء، والفستان المعد ببساطة بعيدا من التكلف..؟ وتبادر إلى رأسي مشروع نص جديد يدور مرة أخرى حول دور الأزياء والثياب والمجتمع. أكاد أنتهي من كتابتة. أرجو أن يحالفني الحظ وينشر لاحقا في عدد لا أدري متى يكون..؟
ينبغي أن أشكركِ لإيحائك بالموضوع.
1. الصندوق ونصان آخران, 6 آذار (مارس) 2014, 15:03, ::::: إيمان يونس
أ / إبراهيم ..يسرنى أن يكون نصى مصدر إلهام لمشروع نص لديك في إنتظار قرائته في القريب العاجل إن شاء الله وأدعوك لقراءة النصين "الصندوق" ، "المعرض " ..رأيك محل تقديرى وأهتمامى ..شكرى وتقديرى لمرورك الكريم
الصندوق ونصان آخران, نورة عبد المهدي صلاح \ فلسطين | 6 آذار (مارس) 2014 - 18:55 3
كم من عارضه أزياء تعيش بيننا الآن، كم من فتاة تحلم مثلا بإرتداء مريول الطيبب كم من شاب يحلم أن يملك سماعة طبيبة في كلية الطبّّ كم حجم الأحلام التي مهما تكن بسيطه قد تصبح سراباً ‘ن لم تجد ما يمكن أن يحولها لحقيقة ..
أعجبني نص الصندوق جداً ..
كنت بارعة فيه
1. الصندوق ونصان آخران, 7 آذار (مارس) 2014, 08:09, ::::: إيمان يونس
عزيزتى نورة ..أحلامنا كثيرة ومن مميزاتها إنها لا تحمل تاريخ صلاحية مما يعنى إمكانية تحقيقها إذا رغبنا حقًا في ذلك ما دامت أحلام ممكنة
سعدت جدًا أن قصة الصندوق حازت على إهتمامك وإعجابك وأنتِ أول من يشير إليها في التعليقات
كل التحية والتقدير لطلتك الجميلة وكلماتك التى اضاءت نصوصى دُمتِ بكل ود
الصندوق ونصان آخران, مهند فوده -مصر | 27 آذار (مارس) 2014 - 14:45 4
استاذة ايمان .. ابدعت ف "الصندوق" 3 قصص قصير جدا .. ولكنها تختزل اعمار تذهب في الغربة .. النصوص القصيرة جدا ليس من السهل كتاباتها فهي تتطلب احترافا لايصال المعنى باقل عدد من الكلمات وانتي نجحت وبجدارة في ذلك .. اما "المعرض" فتمس اوجاع الكتاب في زماننا . فنادرا ما نجد احد يشتري كتاب ادبي.. تراجعت مبيعاته لحساب كتب الطبخ كما ذكرت وتفسير الاحلام والعلاج بالاعشاب .. دمت مبدعة استاذة ايمان
1. الصندوق ونصان آخران, 2 نيسان (أبريل) 2014, 19:11, ::::: إيمان يونس
أ/ مهند ..سعدت بقراءتك المتعمقة لنصوصي الثلاثة وبالفعل كتابة القصة القصيرة جدًا مرهقة جدًا وتحتاج بعض التمرس في كتابتها ولكنى أنوع في كتاباتي عامة من حيث الشكل والمضمون ...شكرى وتقديرى لثراء مرورك ونور حروفك