عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

إيمان يونس - مصر

الصندوق ونصان آخران


إيمان يونسفستان

كلما أقترب موعد عرض الأزياء كلما ازدادت توترا وحيرة. ماذا ستقدم مختلفا وجديدا عن كل بيوت الأزياء المشاركة؟ البعض منها عالمية وهي ما زالت تتحسس طريقها في عالم الأزياء والموضة. إنها المرة الأولى التي ستشارك في هذا الحدث، ولا بد أن تكون بداية موفقة وقوية وإلا كتبت بنفسها كلمة النهاية.

وصلت الليل بالنهار لأيامٍ وليالٍ عديدة لتتابع ما تعرضه قنوات الموضة، ولم تغفل المواقع الإلكترونية فالأحدث دائما بها رغم ندرته، حتى أُصيبت بالإرهاق الشديد، وأُجبرت على أخد قسط من الراحة. أسلمت جسدها للفراش، لكن ذهنها دائر في كل الاتجاهات حتى رأت نفسها وهي طفلة وسعيدة بارتداء أول فستان من تصميمها ومن صنعها.

فتحت عينيها ثم أغلقتهما عدة مرات، ونهضت دون أن تغادر الفراش، وطلبت مورد الأقمشة الذي تتعامل معه عبر هاتفها الجوال، ووصفت له نوعية الطبعة التي تريدها والخامة المناسبة لها.

أقفلت هاتفها الجوال وبدأت تخط بعض التصاميم وبعد أن فرغت قالت في نفسها: رغم كل هذا العمر لم أنسَ.

وجاء يوم العرض، ودقات قلبها تعلو مع كل خطوة من خطوات العارضات وتنفرج شفتاها بابتسامة مرتبط اتساعهما بحجم التصفيق الذي تحظى به العارضات.

حانت فقرة الختام، وكانت لمجموعة فتيات في العاشرة ارتدين تشكيلة مختلفة من الفساتين والقبعات مصنوعة من قماش يوحي بأنه من الجرائد والمجلات. ضجت القاعة بالتصفيق المتواصل بلا انقطاع، ومذيعة الحفل أعلنت عن ميلاد جديد لبيت أزياء ميمي، وانطلاقه نحو العالمية، وأضافت: "لقد فازت ميمي بجائزة أفضل تصميمات لهذا العام".

انهال الصحفيون والإعلاميون عليها من كل حدب وصوب، وسؤالهم واحد: من أين أتت بفكرة آخر فقرة لأن من الأرجح هي سر تميزها وحصولها على جائزة أفضل التصميمات؟

إجابة واحدة أجابتها: "أول فستان من تصميمي كان مصنوعا من أوراق الجرائد والمجلات. وكنت في مثل عمر الفتيات العارضات".

واحتفظت لنفسها بباقي الإجابة: أسرتي الفقيرة لم تكن تملك الوافر من المال لتشتري لي فستانا. وكان لزاما علي أن أرتدي مثل أخواتي الأولاد وأتوارث ملابس ممن يسبقني في العمر. لكني تمردت وتمسكت بحقي في ارتداء فستان.


الصندوق

(1)

تردد كثيرا قبل أن يغادر الوطن، ولكن الظروف اجتمعت عليه وحتّمت عليه الرضوخ وتلبية نداء الغربة. اصطحب معه كل مقتنياته ووضعها في صندوق، وود لو تتسع الطائرة ليحمل معه وطنه بكل شارع وكل بيت وكل أحبابه.

(2)

اختار أن يعيش في شقة ضيقة أقرب للصندوق ليرشد نفقاته ويدخر أكبر قدر ممكن من دخله حتى الحرمان من الكثير من مباهج الحياة ليحوله إلى صندوق التوفير بوطنه.

(3)

بعد سنوات الغياب أهله وأحبابه كانوا في انتظاره بالدموع، ويفتشون عنه في قرية البضائع.


المعرض

ندوة

يوم مناقشة روايتي الأولى كنت سعيدا بوجود لفيف من الأهل والأصدقاء حولي. والأهم، الكاتب مَـثَـلي الأعلى، هو من يدير الندوة والنقاش. وفجأة ازداد عدد جمهور الحاضرين، وكلهم وجوه جديدة لا أعرف منها أحدا. مشاعر مختلطة داخلي ممزوجة بالدهشة والفرحة. دنا مني صديق فأسر لي بأن الأمطار تهطل بغزارة بالخارج، ولم يجد زوار المعرض غير ندوتك ليحتموا بها.

ثروة

أنفق ببذخ على حفل توقيع كتابه الجديد، وبعد الحفل لامه صديقه لإسرافه الزائد على الحفل وهو على علم أنه لم يحقق ربحا يُذكر من كتبه السابقة، وعلى دراية بأحواله المادية، إلا إذا قد هبطت عليه ثروة وهو لا يعلم. أجابه وهو يضحك ضحكة عريضة: "بلى يا صديقي؛ لدي ثروتان: القراءة والكتابة".

فنان

بداية عهده بالمعرض كطفل في الخامسة من عمره؛ يعرف بعض الكلمات لكنه يميز جميع الأشياء ويجيد تلوينها واستكمال الناقص منها بمهارة لافتة للإنظار. اليوم في زيارة للمعرض ليكون في صحبة مجموعة من الأطفال ليقص عليهم بعض القصص من كتبه المصورة.

كاتب

اتصل به الناشر وأخطره أن الإقبال على المعرض ضعيف وكتبه لم ترق أحدا. ذهب لصالة العرض ووقف عن بعد يراقب ماذا يعجب زوار المعرض؟ فرح بمن أمسك بأول كتاب له وقلّب صفحاته، ويود ليهمس لهم رفقا بالصفحات: إنها حصاد سهر ليالٍ طوال. لكن فرحته وُئدت لأنه أعاده مكانه.

وأخرى أشترت كتابه الثاني على مسمع منه قالت: "العنوان جذبني". وتألم عندما سقطت بعض النسخ على الأرض وأحد المارة داسها بقدمه دون قصد. كاد يخرج عن شعوره ويكشف شخصيته، ولكنه آثر الرحيل وترك بعضا منه مرصوصا بالأرفف. وخرج بنتيجة أحزنته: كتب الطهاة وتفسير الأحلام الأكثر رواجا لدى العامة.

D 25 شباط (فبراير) 2014     A إيمان يونس     C 8 تعليقات

4 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 93: حقوق المرأة في الغرب والشرق

النص القرآني وأنواع المتلقين

الرواية التاريخية: بين التأسيس والصيرورة

التّجديد في القصيدة العربية

أديب يحمل صندوق الدنيا