هدى الكناني - العراق
جدائل على حائط النسيان
خطوط فنجاني
كل خط في فنجان قهوتي، بتضاريسه التي تضج بانحناءاتها، يذكِّرني بلمحة أو تفصيل دقيق من ملامح وجهك. وحين أرى البياض متسللا إلى قعره، أزداد أملاً بأننا سنلملم شتات حبنا الذي لا يهرم ولن يهزمه الزمان.
تساؤل
شعري زركشته سنوات عمري الحالكة السواد، فلم امتلأ بياضا؟ دموعي هجرت عينيّ ونزفت في قلبي وعربدت الروح في آهة مزقت الصمت وأَسَرَتْه حيث لا رجعة. لم ضحكاتي مجلجلة عالية؟ أتُراها كذلك، لتسكت صراخا تضج به الأعماق؟
فيضان سدود
حين تفيض أحزاني كأنهار بلا سدود وتغمرني حد الاختناق، أود الهروب إلى حيث لا مكان، فلم تعد تستوعبني الأوطان والأكوان، لأجري وأستفرع كل ما في جوفي من حزن وأشجان، علّني أتخلّص مما في داخلي من أدران وأطمرها كما تُطْمَر نفايات نووية سامة في باطن صحراء منسية. حينها قد أعود، منتعشة البال بلا ذكرى تؤرقني بلا حزن يجثم على صدري ولا حمم تغلي في باطن القلب كالبركان.
جامع الفراشات
يا جامع الفراشات أبدا لن أدعك تغرس دبوس ذُل في صدري وتحبسني في لوحة زجاجية بإطار، اقتطع من جسد شجرة. فإن غرست دبوسك في صدري نزفت أجنحتي كل ألوانها في قلبي لِأصير فراشة بلا لون، لتتكّسر وتتناثر أشلاء في كل مكان.
إليك عني، أنا أرنوا لشلالات نياغارية الألوان، أُمرّغ بها أجنحتي وأنتقي شذى أعبَق الأزهار. لست ككل الفراشات، أبدا ما سعيت إلى نار رغبة تُطفأ في ثوان، بل لأنوار القلوب الدافئة، لتكون زادي وزوادي ما دام في عمري فسحة زمان.
شذى الطفولة
أنا أؤمن بأن للطفولة عبيراً لا نشمه بعدها، مُقطّرا من أعبق الزهور مُزج بأنفاس أمهاتنا وعُجن بشذى حنانهن. أن لها لون عجز ويعجز فان كوخ وأشهر رسامي العالم عن مزجه وتشكيله. بذرتها أثيرية، لا تُنبت إلا في قلوبنا الصغيرة وتتلاشى ما أن نكبر.
أؤمن بذلك المُهر الأبيض ذي الغُرة الفضية الذي كنت وكل الأطفال في أحلامنا نمتطيه، لنسابق فَراش أمنياتنا، غارساً فرحاً في سنواتنا القليلة العدد.
وأنا ابنتك يتيمة الأب لطالما أثرت تساؤلا وحيرة في عينيك، لِم حتى إن بكيت، تغرس ابتسامتي براعمها في شفتيّ وتنشر شذاها فوق وجهي؟
أماه، غادرتني في مثل هذا اليوم إلى ذلك المكان السرمدي، الذي لا رجعة لأحدٍ منه، فلم لا تغادرني بذرة طفولتي الأثيرية ورغبتي في أن أتكّور ككرة من البراءة في حضنك؟
لِم أنا أزلية البكاء؟ لِم وحدها النواعير تبكي أكثر مني؟ ولِم حزني سرمدي زُرِع في قلبي كعناقيد عنب سوداء تدلت من كروم الزمن وتلقفتها أوراقي؟
جدائل على حائط النسيان
حين كنا صغيرات، كنا أميرات متوجات على عروش القلوب. تيجاننا ببراءتنا رُصعّت وبنور صفاء قلوبنا طُليت. نلبس التُل والدانتيلا والحرير. يسكب الرمان عصارته جُلنارا على خدودنا. تتراقص على غدائر شعرنا شرائط حرير قوس قزحية الألوان، نتراقص كباليرينات.
تتواثب سنواتنا القليلة العدد كأرانب برية تخرج من قبعة ساحر. نطارد في حقول أحلامنا فراشات الأمنيات. تتفجر في كركراتنا النيازك وتنيرها الأقمار. وحين ينال منا التعب؛ نلوذ بمهاد من الغيمات، دثارنا غلالا من قطيرات الندى بزهر الليمون موشحات.
تمر بنا السنوات وتبدأ الحياة معنا لعبة الأيام والأقدار، مِنا من تتقِنَّ قوانين اللعبة لتلعبها بمهارة وتُدِيرْ عجلة روليت الأيام بدهاء، وتكون دوما من الفائُزات.
منا من تبتلعها دوامة الحياة فتنسى أنها كانت يوما ما من الأميرات. ومنا أندلسيات الهوى عذريات العشق بين سطور الكتب غافيات، ينتفضن شوقا كلما قُرأَت الحكايات، عسى أن يقرأ أميرهن المنشود ما بين السطور، ليفك طلاسمهن فيخلصهن من ضياعٍ عبر صمت الزمن ودوامة الأبجديات.
وحين يمللن الانتظار؛ ينثرن ضفائرهن على أفق الزمان لتتدلى كما تتدلى عناقيد العنب في الكروم، لذيذة إن أكلت، مُسكرة إن خُمرت وإن جفت صارت زبيبا. أطلنا ضفائرنا لتُضمخ بالمسك وتخضبها الحناء، لا لِنُسحب منها كما تُسحب الخراف يوم النحر؛ هو عيد لقوم وموت لأخريات.
◄ هدى الكناني
▼ موضوعاتي
8 مشاركة منتدى
جدائل على حائط النسيان, احلام مهدي -العراق | 26 آذار (مارس) 2014 - 12:55 1
عندما اقرا كلماتك فاني اقرأها بقلبي قبل لساني فانك بارعة في انتقاء كلماتك كمن يقطف اجمل الازهار لونا واطيبها عطرا ليضعها في اجمل الزهريات كي يجمل بهااحدى زوايا المنزل ,بحق جعلتينا نستعيد
اجمل ذكريات الطفولة والجدائل والاشرطة الملونة و اللعب والبراءة وغيرها من الذكريات الجميلة ,ابقي هكذا كنجمة متألقة تزداد بريقا كلما اشتد الظلام
1. جدائل على حائط النسيان, 30 آذار (مارس) 2014, 22:25, ::::: هدى الكناني من العراق
أحلام مهدي من العراق
سيدتي
إن كلماتك هي التي تنير سماء قلوب ، لبدتها غيوم احاسيس علمَّتها ووخزتها بأنات لم يعد بالأمكان التغاضي عنها أو إسكاتها.
دام مرورك
هدى الكناني
جدائل على حائط النسيان, زهرة يبرم/ الجزائر | 26 آذار (مارس) 2014 - 15:14 2
ترسم المشاهد الحزينة نقوشها على جدران الذاكرة، في حين ترسم السعادة صورها بالوان زاهية. تمطر سحب الزمن..تهطل الأمطار على الجدران.. تأخذ معها الألوان وتبقي لنا النقوش.
بالغ احترامي لهذا القلم العراقي، الأستاذة هدى الكناني.
1. جدائل على حائط النسيان, 30 آذار (مارس) 2014, 22:42, ::::: هدى الكناني من العراق
زهرة بيرم
سيدتي
لك خالص مودتي و كل الاحترام والتقدير لكلماتك التي رسمتي في كل حرف من حروفها هالات من التشجيع لقلمي الذي لا يزال في بداياته
امتناني لمرور عطّرَ مشاركتي بشذى الفرح لان كلماتي اثارت اعجابك وتشجيعك.
جدائل على حائط النسيان, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 26 آذار (مارس) 2014 - 16:07 3
أ/هدى الكناني بدوت في خواطرك فراشة جميلة تحلق في فضاء النصوص رغم فيض الأحزان .تحياتي وتقديري ولتكن كلماتك دوما مقاومة إبداعية تبدد ظلال الحزن ومتاعب الحياة.
1. جدائل على حائط النسيان, 30 آذار (مارس) 2014, 22:49, ::::: هدى الكناني من العراق
هدى غنيمة من الاردن
سيدتي
وأنا اقرا كلماتك
رايت فراشة لُوِنَت أجنحتها بفيض من حنان غمرني وحثني كي أمضي خبباً في عالم الادب بعد ان كنت اسير بخطوات مُتَأنية .
عطرني مرورك سيدتي بالعرفان .
هدى الكناني
جدائل على حائط النسيان, آيات محمد من العراق | 28 آذار (مارس) 2014 - 10:59 4
عزيزتي الست هدى اننا كلما نكبر يبيض شعرنا الاسود لاننا نعود كما كنا صغاراً بيض القلوب صافيين النوايا ،، ولا يبقى بياضنا ملكاً لدواخل قلوبنا بل ستسنح له الفرصة اخيراً ان يرى النور ...
1. جدائل على حائط النسيان, 30 آذار (مارس) 2014, 22:56, ::::: هدى الكناني من العراق
آيات محمد من العراق
عزيزتي ارى في تعليقاتك على ما انشره من رهافة الاحساس والتاثر بنص اكثر من غيره ، ما يشعرني بالرضا وأخلص بنتيجة أنه قد لامس شغاف قلبك وأوصلت ما أحس به الى قارئة دؤوبة مثلك.
سلمت أناملك
جدائل على حائط النسيان, محمد علي حيدر المغرب | 31 آذار (مارس) 2014 - 15:41 5
الأبيض لون النقاء والصفاء والسلام، وقد حضر في تفاصيل خطابكِ بنفحةٍ ملائكية تتخطى حواجز الزمن والحزن، لتحتضن أزهى فترات العمر، فترة الطفولة التي تظلِّل براءةُ سحائبِها البيضاء نفوسَنا حين تكل وتتعب، ولا تجد غير ضفاف وشطآن الطفولة كي تعيد الاستحمام بعطرها، وتلملم ما تشظَّى مِنَّا في متاهات الحياة.
سيدتي، أومن معك بأن للطفولة عبيراً لا نشمه بعدها، وأن ذرتها أثيرية لا تنبت إلا في قلوبنا الصغيرة، وأنها تتلاشى بمجرد أن نكبر؛ كيف لا وهي مضمخة بعبير الأمهات والأحلام الجميلة قبل أن تسكننا الأوهام، ويطوقنا النفاق...
1. جدائل على حائط النسيان, 2 نيسان (أبريل) 2014, 04:26, ::::: هدى الكناني من العراق
محمد علي حيدر / المغرب
ياسيدي
شممت في كتاباتك عطر الحنين لطفولة غادرتنا، كما غادرنا زمان جميل رصع القلب والوجدان بدرر قوس قزحية الالوان .
حين أكتب نصا من النصوص، كما ذكرت "ابيض بنفحات ملائكية"، أحس بوحدة تلفعها غلالات من أنين، لكن ما أن يتأثر ببوح كلماتي قاريء او قارئة، تختفي معاناتي وأفرح بأن لنصي صدى يتردد في اركان قلوب تحس ببوح خاطري .
أشكرك سيدي فقد صغت من كلماتك قلائد تنعكس أنوارها الملونة في الوجدان لتبعد شبح وحدة وأنات عُزِفت بعود اناملي.
اسعدني مرورك
هدى الكناني
جدائل على حائط النسيان, إبراهيم يوسف - لبنان | 2 نيسان (أبريل) 2014 - 11:06 6
هدى الكناني – العراق "هل تحمَّمتَ بعطرٍ وتنشّفتَ بنوروشربتَ الفجرَ خمراً فى كؤوسٍ من أثيرهل فرشتَ العشبَ ليلاً وتلحّفت الفضازاهداً في ما سيأتي ناسياً ما قد مضى
1. جدائل على حائط النسيان, 3 نيسان (أبريل) 2014, 15:34, ::::: هدى الكناني من العراق
ابراهيم يوسف من لبنان
ياسيدي
كنت اتحمم بعطر امي واتنشف بنور دعائها
وحين غادرتني
تراني اتحمم بعطر كلماتي واتنشف بنور معانيها
وأزهد في مصائب الحياة ومشاكلها
عطرني مرورك استاذنا الكبير ، دوما تعطينا الامل بان الحياة وإن ضنَّت علينا وغلَقت ابوابها ستُبقي نافذة مواربة.
هدى الكناني
جدائل على حائط النسيان, نورة عبد المهدي صلاح \ فلسطين | 5 نيسان (أبريل) 2014 - 13:09 7
دائما تبدو الطفولة الخجلة فينا كملاك يحوم كل ما تكالبت علينا الحياة بكبارها المعاندين لكل ما فينا من مشاعر .. ما اجمل نصوصك
جدائل على حائط النسيان, مليكة علاوي الجزائر | 12 نيسان (أبريل) 2014 - 01:18 8
لن أقول غير أنّي أردت قراءة النّص فاستهوتني الصورة،ولم أقرأه
كــــــــــــــــــم هي جميلة تلك الصورة صورة الطفلة،وتخرس الكلمات،وترجع على عقبيها..سأقرأ النص في وقت آخر لمّا تزول سحريّة الصورة.تحياتي.