د. يسري عبد الغني عبد الله - مصر
عندما نملك اللغة لا تموت الأفكار
كتب إبراهيم عبد القادر المازني كلمة جميلة قال فيها: "لا أحتاج أن أقول إني أكتب للأجيال المقبلة، ولا أطمع في خلود الذكر، وهل ترى ستكون هذه الأجيال المقبلة محتاجة كجيلنا إلى هذه البداية؟ أليست أحق بأن يكتب لها نفر منها؟ أمن العدل أم من الغبن أن نكلف بالكتابة لجيلنا ولما بعده أيضا؟ تالله ما أحق هذه الأجيال المقبلة بالرثاء إذا كانت ستشعر بالحاجة إلى ما أكتب".
وكان المازني معاصرا للأديب المترجم محمد السباعي، وكلاهما من أصحاب الثقافة السكسونية، وينضم إليهما أو معهما كتاب عمالقة من أمثال عباس محمود العقاد، وعباس حافظ، بينما يمثل طه حسين هذا اللقاء الحضاري بين الثقافتين العربية والفرنسية.
وكانت في مصر ثلاثيات فكرية وأدبية مهمة، منها ثلاثية عبد الرحمن شكري، والمازني، والعقاد؛ وثلاثية محمد السباعي، وعباس حافظ، وحسين شفيق المصري. ولكن ثلاثية أحمد ضيف، وطه حسين، وزكي مبارك، وهي الثلاثية الفرانكو-عربية لم تلتئم ولم تتكون، بل انفرط عقدها وتمزقت وتفرقت، بسبب الطموح الخارق لطه حسين، الذي جنى على اثنين من عباقرة الأدب في الجيل الماضي، فجعل الأديب الناقد أحمد ضيف يتكلم مع نفسه على الرصيف، وجعل الدكتور زكي مبارك يجلس على مقهى على الرصيف أيضا.
وتمزقت ثلاثية شكري والمازني والعقاد، ثم مات زعيمها وقائدها المثقف الكبير عبد الرحمن شكري مجهولا في شقة متواضعة بمدينة الإسكندرية، وهو أستاذ المازني والعقاد باعترافهما، وقد تنكرا له في بعض الأوقات لأسباب لا زالت مجهولة حتى يومنا هذا، رغم اجتهادات البعض في الكتابة عنها، مما مزق قلب شكري وعواطفه، ثم عادا إلى الاعتراف بأستاذيته، ولكن بالطبع بعد فوات الأوان. وخصام الأدباء لا تعرف أسبابه، وقد يكون الحب الجارف من أسباب الخصام، وقد تكون الغيرة وهي أشد فتكا من الحب.
ولكن ثلاثية محمد السباعي، وعباس حافظ، وحسين شفيق المصري، كانت تشرب من كأس واحدة، فلم تصل إليها الغيرة القاتلة، بل ظلت تشرب من الكأس الواحدة حتى نهاية العمر، وهذه هي الحقيقة الأولى التي تلفت النظر، فقد كان فرسان الأدب الثلاثة لا يفترقون، وكانت لهما جلسة ممتعة في مقهى رجل بلغاري عجوز على جانب محطة باب اللوق، وما زال هذا المكان موجودا إلى الآن.
كانوا يحبون ركوب عربات الحنطور في عودتهم إلى بيوتهم بعد السهرة، ولهم جلستان: الأولى في فترة الظهيرة، والثانية بعد الغروب، وهم من أوائل الأدباء اللذين يجلسون للحديث والحوار في فترة الظهيرة، وتعلم منهم كثيرون هذه الجلسة الممتعة.
العجيب أن محمد السباعي وعباس حافظ كانا من كتاب الفصحى البليغة الراقية، بينما كان حسين شفيق المصري من كبار الفصحاء في اللهجة المصرية العامية، وهو الغريم العتيد لمحمود بيرم التونسي، أشهر من كتب العامية المصرية.
وإذا رأيت السباعي وحافظ والمصري، فسترى في وجوههم وأجسامهم وملامحهم وتصرفاتهم، دما شركسيا يجري في عروقهم، وأرستقراطية فكرية تلمع في عيونهم، مع أن شفيق المصري كان يتلمس طريقه بعصاه. وعندما أصبح رئيسا لتحرير مجلة (الفكاهة)، ثم مجلة (الاثنين)، ومجلة (الدنيا) وكلها مجلات صدرت عن دار الهلال المصرية، كان يغمس الورق في الماء ليكتب عليه بقلم (الكوبيا) كلمات قليلة تتصدر هذه المجلات كافتتاحية لها.
وفي الواقع أن هذا الرجل من الظواهر العجيبة في تاريخ الأدب العربي بوجه عام، والأدب المصري الحديث بوجه خاص، فقد صرف نصف بصره في قراءة الأدب العربي القديم، ثم أنفق النصف الآخر في كتابة أدب جديد لا هو عامي، ولا هو عربي فصيح، ولكنه براعة في المزج والامتزاج بين الفصحى والعامية.
القصائد والمعلقات التي كتبها شعراء العصر الجاهلي، حورها ودورها وسماها "المشعلقات"، وهي من أظرف ما كتب في الأدب العربي الحديث. معلقة الشاعر الجاهلي المتمرد طرفة بن العبد البكري التي يقول في مطلعها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد - - تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
حولها شفيق المصري إلى "مشعلقة" يقول في مطلعها:
لزينب دكان بحارة منجد - - تلوح به أقفاص عيش مقدد
كما اشتهر حسين شفيق المصري بأنه من أعظم كتاب الأدب الشعبي في عصره، وهو صاحب المسلسلات المكتوبة الشهيرة التي كان من أهمها "الشاويش شعلان عبد الموجود"، و"حديث خالتي أم إبراهيم".
كان المصري يسكن في بيت على باب حارة السقائين بالقرب من حي عابدين في القاهرة، كان لا يحلو له العيش إلا مع البسطاء من الناس، يستمع إلى أحاديثهم، واستمع إلى آمالهم وأحلامهم، ويتنصت إلى كلمات النساء في الحواري والأزقة ليحولها بعد ذلك إلى حوار أدبي شائق بأسلوبه المبدع.
كان يعرف الشعر وأسراره وصنعته معرفة تامة كاملة، حتى أن أمير الشعراء أحمد شوقي طلب منه أن يعد دراسة موسعة عن أوزان الشعر العربي المهجور، أي الأوزان التي لم تستعمل كثيرا، ليستخدمها شوقي في قصائده، وبالفعل كتب حسين شفيق المصري هذه الدراسة وأعطاها لشوقي ألمع شعراء العصر الحديث، قبل أن يؤلف مسرحياته الشعرية الشهيرة، ولعل هذا كان هدف شوقي من الإحاطة بأوزان الشعر العربي المهجورة.
هذه هي شخصية شفيق المصري الغريم الأول لمحمود بيرم التونسي، الذي لم ينشر له سطر واحد في المجلات التي كان يرأس المصري تحريرها، بسبب خطورة بيرم الأدبية على أدبه.
أما عباس حافظ فقد كان كاتبا صحفيا لامعا من أصحاب الأساليب البلاغية الفصيحة الذائعة في عصره، وقد امتدت حياته الصحفية حتى أصبح أول مدير بوكالة الأنباء العربية، وكانت رحلته طويلة في بلاط صاحبة الجلالة، وفي الأدب والفكر، ولكن تاريخ الأدب الحديث نسيه تماما لأن الانشغال بالصحافة والسياسة يغرق الكاتب في بحار ليست لها أي شواطئ.
أما محمد السباعي فقد اشتغل بالأدب وحده، ورضي عن قناعة كاملة في عصره بأن يكون أديبا مترجما، وليس أديبا مبدعا مثل المازني الذي جمع بين الصحافة والأدب في براعة. وقد استشهدت في مستهل هذه السطور بكلمة كتبها المازني تدل بجلاء على قيمة ذكائه، ووعيه، وذلك عندما قال إنه لا يكتب للأجيال المقبلة، ولكنه من كتاب جيله، كما أنه لا يطلب الخلود لكتاباته.
كانت ثقافة المازني التي جمعها من الأدب العربي والأدب الإنجليزي من أعظم الثقافات، وكانت نظرته للأدب تختلف في جوهرها عن نظرة العقاد وشكري ومحمد السباعي وغيرهم من أصحاب الثقافة الإنجليزية الغربية.
كان المازني مصري الثقافة، ومصري اللهجة، وقد أثر في الأدب العربي الحديث تأثيرا كبيرا وخطيرا لأنه استخدم اللغة كوسيلة للأدب، ولم يستخدم الأدب وسيلة للغة، وهذه هي ميزته الكبرى أو قدرته التي يجب أن نلتفت إليها ونحن نكتب عن أدبنا الحديث بوجه عام، وعن المازني بوجه خاص.
ولا زالت القضية التي تربط بين محمد السباعي الأديب المترجم (الأب)، ويوسف السباعي القاص (الابن) هي قضية اللغة والأدب.
محمد السباعي الذي ترجم مسرحيات وليم شكسبير، وترجم كتاب "الأبطال" الذي ألفه الإنجليزي توماس كارليل، وترجم لأول مرة رباعيات الشاعر الفارسي الفيلسوف عمر الخيام عن الترجمة الإنجليزية التي قام بها الكاتب الإنجليزي فينر جراند.
كان السباعي الأب من الذين يعتقدون أن اللغة أهم من الفكر، وهذه هي المسألة المهمة في تاريخ الأدب العربي الحديث، والحق يقال إن المازني هو الأديب الأول الذي عرف هذه الحقيقة جيدا، واستطاع أن يجعل من اللغة مطية للفكر، ولم يجعل من الفكر مطية للغة، فكتب باللغة العربية العصرية البعيدة عن التقعر، والإسفاف والسوقية والابتذال.
كانت اللغة لعبة على قلم المازني يستطيع أن يستخدمها كما يريد ولكنها كانت مقدسة كل التقديس على قلم محمد السباعي، ومن قبله على يد مصطفى لطفي المنفلوطي، ومن بعده طه حسين، والعقاد، وأحمد أمين، وغيرهم.
لم يرث يوسف السباعي (الابن) من أبيه محمد السباعي القدرة اللغوية، ولعله ورث القدرة الفنية فقط. ويوسف السباعي لم يتعلم أصول اللغة العربية، ولكنه انطلق ليكتب القصص والروايات عن طريق الموهبة الشخصية، ثم اعترضته مشكلة اللغة، واجتاز هذه المشكلة ليكتب بأسلوبه ما يحلو له، ويحطم كل قواعد النحو والصرف والبلاغة تحطيما.
والمعروف أن طه حسين قد لامه على هذا التجاوز الخطير في الكتابة، وذكره بوالده محمد السباعي الذي كان يتقن اللغة العربية، ويعرف أسرارها جيدا، ولكن يوسف السباعي لم تكن في استطاعته العودة إلى أبيه، أو العودة إلى الكتب التي تعلم منها، ولذلك كتب كل قصصه ورواياته بأسلوب لا يمكن أن نصفه بالفصيح أو بالعامي، فقد كان يجمع بينهما.
لم يتعلم يوسف السباعي من حياة والده غير الأحزان، ولكنه كان يضحك ويبتسم على طريقة أبيه الذي عاش حياته وسط الهموم والمحن، دون أن يفقد ابتسامته العذبة.
كان محمد السباعي يعيش حياة ضائقة، ورغم ذلك لم ينس واجبه نحو مجتمعه، فكان يذهب في أوقات فراغه متطوعا إلى المدرسة الخديوية الثانوية القريبة من مسكنه بحي السيدة زينب بالقاهرة كي يعلم التلاميذ بالمجان دروس اللغة الإنجليزية التي كان يجيدها.
كانت ثقافة محمد السباعي أكبر من عصره، ويمكن لنا أن نصفها بالموسوعية، وهو لم يحصل على المؤهل الدراسي الذي يمكنه من الوصول إلى مهنة التدريس التي كان يحبها ويعشقها.
نفس الأمر كان بالنسبة لصديقه عباس حافظ، ولكن محمد السباعي أراد أن يكون أستاذا أو معلما بلا مقابل، وكان أقدر بالفعل من كثيرين من المعلمين، فتطوع بتعليم التلاميذ بالمجان.
كان الأدب خلال هذه الفترة من حياة الأمة العربية لا يمنح صاحبه شيئا مذكورا، ورغم ذلك عاش هؤلاء العظماء رغم كل ظروفهم الصعبة محبين للفكر والأدب، مانحين ما يقدرون عليه من وقتهم وجهدهم لخدمة مجتمعهم.
ثم مضى محمد السباعي إلى لقاء ربه بسرعة، وبقي صديقاه عباس حافظ وحسين شفيق المصري يحرثان في حقل الأدب.
وعرف يوسف السباعي بعد أن أصبح كاتبا شهيرا أن والده كان أعظم من ترجم مسرحيات شكسبير، كما أنه ترجم رباعيات الخيام شعرا. وأعتقد أن محمد السباعي كان يريد لولده مهنة أخرى غير مهنة الأدب، بسبب المصائب التي كانت تتعرض لها المهنة على أيامه، وما زال يتعرض لها الأدب الجاد الملتزم في بلادنا حتى أيامنا هذه.
حاول يوسف السباعي خلال فترات تألقه ونجاحه أن يسترد للأدباء قيمتهم المهدرة في المجتمع، فغني عن البيان أن الضياع وفقدان الذات في الحياة الأدبية من أسباب هبوط الأدب وانحداره، ولعل ذلك ما دفع يوسف السباعي إلى محاولة إعادة الأدب لمكانته الحقيقية كمنارة للوعي والاستنارة.
الشعراء والأدباء الضائعون المهجورون، حاول يوسف السباعي أن يعيدهم إلى مكانهم الطبيعي في طريق الإبداع، الأدباء الذين تاهوا وفقدوا طريقهم، حاول يوسف السباعي أن يساعدهم ويمد لهم يد العون ويردهم إلى طريق الحياة، وأيضا الشباب الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل قدم لهم يده، وقال لهم إنني معكم إلى الأمام.
ولكن عض البعض اليد التي امتدت إليه، وانقلب على يوسف السباعي شاتما مهاجما، وما زال نفر منهم يفعل ذلك إلى يومنا هذا بعيدا عن الموضوعية في النقد الأدبي، أو الأمانة في التأريخ للشخوص والأحداث. ولكن ليس هذا موضوعنا، فكم في حياتنا الأدبية من المضحكات المبكيات!
إن قيمة يوسف السباعي في الأدب الحديث ليست في هذه الأعمال الإنسانية والخيرية التي يعرفها أهل الفكر والأدب، ولكنها في أعماله ككاتب ومؤلف، ولن يتأتى تحديد قيمة الإبداع إلا بالدرس والتمحيص وفق منهج علمي سليم.
بدأ يوسف السباعي حياته الأدبية هاويا، ولم يكن محترفا للأدب، ثم انطلق بسرعة مكوك الفضاء عندما ألف روايته الأولى "أرض النفاق"، فالتفتت إليه الأنظار، بسبب فكرته التي قامت على تصوير المجتمع المصري خلال فترة الخمسينات من القرن العشرين.
وبعد ذلك، ألف السباعي عدة روايات ترتبط بالحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، كتب لها المجد السينمائي، ولم يكتب لها المجد الأدبي، لأنه خلال رحلته الأدبية لم يتعلم الدرس الذي لقنه له والده الأديب المترجم محمد السباعي، وهو أن الأدب فكر وفن ولغة وأسلوب، وهكذا قال له طه حسين.
يوسف السباعي مؤلف الروايات كان له فكر، ولكنه لم يملك الأسلوب، ولم يملك اللغة، ثم امتلك شاشة السينما بلا لغة. ولست أدري ماذا سيحدث لأدب يوسف السباعي بعد جيل واحد من الجيل الذي يعيش الآن؟ هل يبقى أم يضيع؟
الجواب على هذا السؤال ليس ملك لهذا الجيل، ولكنه ملك لأجيال قادمة. لقد قال المازني أنه يكتب لجيله، ولا يزعم أو يدعي أنه يكتب لأجيال قادمة، وكل جيل يكتب بلغته وأسلوبه وطريقته، وليس من المقبول أن يكتب أي جيل للجيل القادم، أو يجيء من يقول إنني غير مفهوم في هذا الجيل، وسوف تفهمني الأجيال القادمة
على كل حال، ستظل قضية اللغة هي أعقد مشكلات الكتابة، لأن كل الأجيال لها أفكارها الخاصة بها، ولكنها تختلف لغاتها، أو فلنقل طرائق تعبيرها.
ويأتي السؤال: متى تصبح لنا لغة واحدة نكتب بها، كما نتحدث بها؟ هل هذه هي مشكلة الأدب العربي الحديث: أن نجد له لغة واحدة جديدة؟ هل مات أسلوب الجاحظ، وطه حسين، والعقاد وغيرهم؟ أفكارهم لم تمت، ولن تموت، والسبب في ذلك أنهم كانوا يملكون اللغة، وكانوا يفهمون أسرارها، أي أن اللغة لا تملكهم، وهذا ما ردده طه حسين دائما.
هذا الكلام لا يحل المشكلة، لأن امتلاك اللغة له شروط، وقد يكون أولها أن نملك لغة واحدة، وقبل مشكلة الصراع بين الفصحى والعامية، وهي مشكلة تافهة لا تستحق منا الاهتمام، لأننا نسير في طريق لغة جديدة هي ما يمكن أن نسميه لغة المثقفين، أو "الفصعامية"، أو اللغة الثالثة، على حد تعبير توفيق الحكيم في مقدمة مسرحيته "الصفقة"، وهي نماذج بين الفصحى البسيطة واللهجة العامية القريبة من الفصحى
ولكن هل هذه لغة الأدب؟ لقد سقطت العامية في أسلوب الصحافة (وكذلك وسائل الإعلام المختلفة) خلال قرن واحد من الزمان، وأصبحت الصحافة العربية تملك لغة جديدة، عربية فصحى، ولكنها ليست صحيحة تماما بمقياس الفصحى، بل أنها كثيرة الأخطاء من ناحية النحو والصرف والبلاغة وقواعد الإملاء.
أما الأدب فإنه يجتاز مشكلة أعقد من مشكلة الصحافة ووسائل الإعلام لأنه لا يستطيع اصطناع لغة خاطئة، ولكن جيل القصاصين والروائيين ابتداء من يحيى حقي، وحتى أديبنا العالمي نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، وغيرهم، لم يملكوا اللغة العربية الفصحى على شروط طه حسين، ولكننا لا نستطيع أن نقول إنهم لا يملكون فن الكلمة، أو فن القول، كما سماه شيخ الأمناء أمين الخولي.
كان يوسف السباعي يفخر دائما بترجمة والده محمد السباعي لرباعيات الخيام، ولكنه لم يحاول دراسة هذه الترجمة الشعرية أو المنظومة الشعرية دراسة جادة متأنية. ويبدو لي أنه لو اتبع يوسف السباعي أسلوب والده في الكتابة، لامتنع عن الكتابة من الأساس، فإن أسلوب الأب لا يصلح لكتابة القصص أو الروايات التي كتبها الابن.
كتب يوسف السباعي كما أراد، ولم يلتزم اللغة العربية الفصحى، وهذه هي المشكلة التي تواجه الأدب العربي الآن، لأن القراء في الأجيال القادمة لم ولن يستطيعوا فهم قصص وروايات وأشعار كتبت بألفاظ ليس لها قاموس خاص معترف به.
نحن اليوم لا نستطيع فهم بعض النصوص التي كتبت في عصور سابقة، قبل هذه اللغة التي تمازج بين الفصحى والعامية، أو التي كتبت بلهجة عامية متغيرة عبر العصور. أدباء عصرنا من الروائيين والشعراء والقصاصين سوف يحتاجون إلى مجامع لغوية جديدة، تضع لهم قواميس جديدة تشرح ألفاظهم لمن يريد أن يقرأ كتاباتهم، لأن لسان العرب لابن منظور، وكذلك القاموس المحيط للفيروز آبادي وغيرهما من القواميس لن تستطيع شرح هذه الألفاظ.
◄ يسري عبد الله
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
عندما نملك اللغة لا تموت الأفكار, هدى الدهان -العراق | 27 تموز (يوليو) 2014 - 18:43 1
لو علم المازني كم الاجيال الحالية فقيرة و شاحبة فكرياً .وكونه لم يُكلف بالكتابة لها ربما برأيي افضل لئلا يتعب بغير طائل.فاجيال اليوم كتابهم الفيس و قلمهم كبسى زر اعجبني هذا في حال قرءوا شيئا يفوق ال10 اسطر مثلا .وربما اقول ربما هناك من يقرا كتباً الكترونية في تخصص الادب ولكن كم واحد ياترى يقرأ للمازني حتى لو من خلال شاشة ؟وكم واحد منهم يقرا له او لطه حسين كتاباً ورقيا ؟
اماعن يوسف السباعي ففعلا هناك اشخاص ينجحون في الكتابة للسينما اكثر من الكتابة المنضدةالخاضعة لشروط واحكام اللغة و الاوزان الشعرية في حال اراد ادراج بيت شعري من خلال حبكة النص .الفلم ينجح وتبقى الرواية على الارفف غير مقروءة مع ان الفلم مسخها مسخا والرواية تفوقه حبكة و اهداف يبغي الكاتب ايصالها للقاريء الورقي .اما عن القواميس فبالفعل اليوم ليس فقط يحتاج الكثيرون للترجمة من العربية للعربية وانما يحتاجون لدروس في الاملاء ايضا