عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 9: 96-107 » العدد 100: 2014/10 » الشعراء وحذف القصائد من الأعمال الكاملة

مختارات: باسل بزراوي - فلسطين

الشعراء وحذف القصائد من الأعمال الكاملة


باسل محمد علي بزراوي - فلسطين

سميح القاسم: دراسة نقدية في قصائده المحذوفة

الموضوع أدناه مقطع من رسالة ماجستير قدمها الباحث في جامعة النجاح، فلسطين عام 2008.

ثالثا: ما حذفه الشعراء من شعرهم:

يقوم بعض الشعراء بحذف بعض قصائدهم وإغفالها من أعمالهم الكاملة، بهدف تخليص شعرهم مما يمكن أن يلحقه بهم من الأذى أو الحرج والإسـاءة علـى المسـتويين الشخصـي والأدبي، فالشاعر إنسان بالدرجة الأولى، يتطور متأثراً بالواقع، ومؤثراً فيه (1)، بما يملكه من الحس المرهف، والقدرة الخلاّقة على النفاذ عبر الواقع إلى ما لا يصل إليه الآخـرون، وهـو يسجل في لحظات الإبداع ما يحسّ به، ويصبو إليه على الصعيد الذاتي والاجتماعي.

إنّ الشاعر مثقل بالهمّ، ومسكون بالانطلاق إلى الواقع الحالم الذي يعيش لحظات الإلهام فيه دون أن يقيّـدَه أي قيد، أو يحده حد. والشعر يتنافر مع الحقائق العلمية، ولذا يبني الشاعر عالمه الخاص ويشكله وفق رؤيته ومشاعره وتفكيره، فيقول ما يمكن ألاّ يستسيغه بمرور الزمن، وما يمكن أن ينـاقض الواقع بقيمه وتقاليده الاجتماعية والثقافية والفنية، فيلجأ إلى إجراء التعـديلات المختلفـة علـى نصوصه.

ومن يتتبع إنتاج الشعراء في مجموعاتهم الشعرية ذات الطبعات المختلفـة، يلاحـظ بعض الفروق والاختلافات القائمة بين النصوص، كما يلاحظ - أحياناً- غياب بعض النصـوص غياباً مطلقاً. ومنشأ ذلك كلِّه، يكمن في الرغبة الذاتية لدى هذا أو ذاك من الشعراء فـي حـذف أجزاء من شعرهم وإغفالها. ولعل هذه الرغبة تكون "وليدة الموقف المتغير بتغيـر الموقـع" (2) ، المرتبط بتغير الظروف الاجتماعية الاقتصادية (3). وهذا يستتبع تغيـراً فـي الرؤيـة الشـعرية والموقف من الشعر، إذ يجد الشاعر نفسه مضطراً للاعتماد "على حسّه الشخصي الاستبصاري دون الحس الاجتماعي المتعلق بالقيم" (4) ، وتتغير تبعاً لذلك طبيعة علاقته بواقعـه مـن ناحيـة، وعلاقته بجماهيره وشعره من ناحية أخرى.

وتعد مسألة الحذف نسبية، تختلف باختلاف الشعراء، وما يستتبعه ذلك مـن اخـتلاف نظرة كل منهم إلى تاريخه الأدبي، وإلى ذلك الإرث العظيم المثقـل بالمشـاعر والأحاسـيس، والمشحون بالأفكار والمواقف التي أنتجتها ظروف تاريخية واجتماعية معينـة، ومـدى إقبـال الشاعر على قراءته ومراجعته وتقويمه، واستجابته للمواقف النقدية التي تتنـاول شـعره مـن النواحي الجمالية، أو من حيث مضامينه، والمواقف التي ينطوي عليها. فما يعتز به الشاعر في

 - ص 37 - -

مرحلة ما، قد يشكل لديه عقبة في طريق تطوره في مرحلة أخرى، كما أنّ الأشكال الفنية التـي كانت مستساغة قبل نصف قرن من الزمن، ربما لا يعتد بها في القرن الحادي والعشرين.

وتختلف طبيعة الشعر المحذوف باختلاف الدوافع والعوامل التي دعـت إلـى حذفـه، فالعامل الجمالي مثلا أدّى إلى حذف البدايات، أو أجزاء منها، لما تتسم به من ضعف التجربـة الفنية، على الرغم من أنّ الضعف لا يضير الشاعر على الإطلاق، لأنه مهما علا شأنه، لا بد له من أنّ يكون قد مَرّ بهذه المرحلة، ولا يخلو شعرُ شاعر من الضعف الذي يعتريه في البـدايات. أما العوامل الفكرية والسياسية، فقد كانت الأكثر تأثيراً في حذف هذا الشعر حين حملت الشعراء على حذف القصائد التي تعود إلى مرحلة النضوج الفني والفكري والسياسي في شعر المقاومـة في الأرض المحتلة. وهذا يعني أنّ عوامل الحذف لها علاقتها الواضحة بطبيعة الشعر المحذوف من حيـث مضامينه وبناؤه الفني. ويختلف هذا الشعر بدوره من مرحلة إلى أخرى نظراً للظـروف التـي صاحبت عملية الحذف، وأسهمت في تشكل المظاهر الفرعية للحذف، فقد تعددت هذه المظـاهر فطالت القصيدة، ومقدمتها إن وجدت والسطر الشعري والكلمة، وفيما يلي بيـان مـوجز لهـذه المظاهر في الشعر الفلسطيني.

حذف القصيدة الكاملة:

حذف بعض الشعراء قصائد كاملة من أعمالهم الكاملة، ويغلب على هذه القصائد أن تكـون قد تضمنتها مجموعات شعرية في فترات سابقة، وربما تكون قد نشرت في الصحف والمجلات دون أن ترى النور على صفحات أيٍّ من الدواوين الشعرية التي نشرها أصحابها. ويعني اقتطاع جزء من الإرث الأدبي للشاعر أن هناك سبباً ما قد دفعه إلى إعادة النظر في شعره، في محاولة
منه لتقويمه وتشذيبه وفق ما تقتضيه الظروف الذاتية والموضوعية التي يجد، أحياناً، نفسه أسيراً لها بما تفرضه عليه من مستجدات ومتغيرات ترغمه على الحذف والتغيير.

 - ص 38 - -

وبناء على ما سبق، فقد أخذ الشعراء يتخلصون من القصيدة التي يرون أنهـا حفلـت بالانفعال الآني أو التي جسدت موقفاً معيّناً لم يعد له حيزٌ في تفكيرهم، بعد أن كان يمثّل معلمـاً مميزاً في حياتهم ومسيرتهم التاريخيّة والأدبيّة. ويدخل ضمن هذا الإطار القصيدة المناسبة التي لا تصلح للظهور علانية إلاّ في ذلك الوقت أو الحدث الذي فُصّلت على مقاسه. وقـام آخـرون بحذف قصائدهم لأسباب جمالية محضة أو أسباب فكرية سياسية.

وفي دراساته المختلفة أشار عادل الأسطة إلى أنّ محمود درويش قد حذف ديـوان "عصافير بلا أجنحة" من أعماله الكاملة (1)، كما حذف عشر قصائد من ديوان" أوراق الزيتون" (2). وذكر أيضاً أنه حذف ثلاث قصائد من ديوان "عاشق من فلسطين" وهي: "أغنية ربيع ورسـائل والتمثال القديم"(3)، وقد عزا ذلك إلى عوامل جمالية وفكرية وسياسية مختلفة.

حذف العناوين أو تغييرها:

ويشمل هذا المظهر عناوين المجموعات الشعرية والقصائد أو العناوين الفرعية التـي يكون بعض الشعراء قد أطلقوها على مقاطع القصيدة، إذ يلجأ بعض الشعراء إلى تغيير العناوين ذات الدلالات التي لا يرغبون فيها في المرحلة الراهنة، بعد أن كانت تلك العناوين تشكل مداخلَ لقراءة القصيدة، وإضاءة عالمها الداخلي.

وقد ذكر الأسطة عناوين حملتها قصائد معيّنة لدرويش في المجموعات الشعرية، ولكنّه غيّرها حين أدرجها في الأعمال الكاملة (4).
وغيّرَ عـز الـدين المناصرة بعض عناوين قصائده مثل قصيدة "رسالتان إلى الوالي" (5) التـي حملـت عنـوان "برقيـات إلى الوالي"(6) حين أدرجت في ديوان عزالدين المناصرة. ولكنها أصبحت "برقيات دموية" في الأعمال الشعرية الكاملة (7). وقد حذف الشاعر عنوانين فرعيين ، وهما:

 - ص 39 –
=1= الحرس الأسود - مظاهرة- رحي (1)
=2= خاتم شبيك - مفترق الطرق – الرده (2)

كما حذف أيضاً، عناوين فرعية من قصيدة "محاورات الباب العالي"، وهي: "أسئلة متفرقـة" و"ردود سريعة" و"تحفظات" و"مزمور لسيادته" و"بعد الأغنية" و"رغبـات أخـرى" و"مقاطعـة صمت" و"تقاطع آخر" و"جلسة ختاميّة" (3).

ولعل الحذف هنا يتعلق بالناحية الفنية أكثر من غيرها، إذ إن حذف هذه العناوين يـؤدي إلى التحام المقاطع المختلفة في القصيدة، فتبدو الصورة الكليّة فيها أكثر وضوحاً وتآلفاً بعـد أن كانت تلك العناوين تقسمها إلى مقاطع متفرقة.

وما يطرأ على العنوان من تغيير ينجم عن التقويم والمراجعة في لحظات الهدوء والتأمل والرويّة التي تعقب الاختيار السريع في مرحلة الانفعال الآني الذي يتفجر في ذات المبدع فـي أثناء الإبداع. ويحمل العنوان في ذاته دلالة معينة قد تكون نفسـية أو تاريخيـة أو اجتماعيـة، وبالتالي فإن تغييره، يتم بناء على التغيرات الطارئة على حالة الشاعر.

وقد غيّر المناصرة بعض العناوين ذات الدلالة الإيحائية، واستبدل بها عناوين أخرى لتركيز الدلالة وتكثيفها وتخصيصها، وفي هذا الإطار غيَّر عنوان "ذاكرة الزعتر قوية جـداً"(4)، حيث اصبح "سأعاتبك كثيراً يا أمي - إلى تل الزعتر" (5). كما حذف الأرقام من 7-1 فـي الـديوان، وفعل الأمر ذاته في قصيدة "إلى الزيتون إن كان يسمعني"(6)، إذ حذف الأرقام من 4-1، وكذلك فعل الشيء نفسه في قصيدة " ظل يركض حتى الرصاصة" (7).
 - ص 40 - -

= = = =
الهوامش:

هوامش الصفحة 37

(1) رينيه، ويلك، وأوستن وارين: نظرية الأدب، ص 98 وما بعدها.
(2) الأسطة، عادل: سؤال الهوية، فلسطينية الأدب والأديب، ص 32 وما بعدها.
(3) رينيه ويلك، واوستن وارين: نظرية الأدب، ص 98 ، 97.
(4) ديفد ديتش: مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ت. محمد يوسف نجـم، دار صـادر، بيـروت 1967، ص 555.

هوامش الصفحة 39

(1) الأسطة، عادل: محمود درويش.. حذف البدايات وقصائد أخرى، ص 1. على الرابط التالي:www.najah.edu/arabic/articles
(2) ينظر، السابق، ص2، 1.
(3) ينظر، السابق، ص2.
(4) ينظر، السابق، ص2.
(5) المناصرة، عز الدين: الخروج من البحر الميت، دار العودة، بيروت، ص93.
(6) المناصرة، عزالدين: ديوان عزالدين المناصرة، دار العودة، بيروت 1990، ص123.
(7) المناصرة، عزالدين: أ. ك. ط5، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت2001، ص165.

هوامش الصفحة 40

(1) المناصرة، عزالدين، الخروج من البحر الميت، ص93.
(2) ينظر، السابق، ص95.
.83 ، 83 ، 82 ، 80 ، 79 ، 78 ، 77 ، 75 ، 74 ص ، السابق ، ينظر (3)
(4) المناصرة، عزالدين: لن يفهمني أحد غير الزيتون، منشورات شروق، القدس1977، ص21.
(5) المناصرة، عزالدين: ديوان عزالدين المناصرة، ص329.
(6) المناصرة، عزالدين: لن يفهمني أحد غير الزيتون، ص53، وينظر، المناصرة، عزالدين: ديوان عزالدين المناصـرة،
ص 346.
(7) ينظر، السابق، ص59.

النص الكامل لرسالة الماجستير متوفر على موقع جامعة النجاح على الرابط التالي:

http://scholar.najah.edu/sites/default/files/all-thesis/sameeh_al_qassem.pdf

النجها قدمت هذه الأطروحة استكمالا لمتطلبات درجة الماجستير في اللغة العربيـة وآدابهـا، جامعة النجاح، فلسطين.

بكليـة
الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس, فلسطين.
2008م

إعداد
باسل محمد علي بزراوي

D 25 أيلول (سبتمبر) 2014     A عود الند: التحرير     C 0 تعليقات