عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 9: 96-107 » العدد 100: 2014/10 » الاتساق في بنية الخطاب القرآني

الطيب عطاوي - الجزائر

الاتساق في بنية الخطاب القرآني


الاتساق والانسجام في بنية الخطاب القرآني: آيات من سورة يوسف

الطيب عطاويتتميز سورة يوسف المكية المكونة من 111 آية بسمات أسلوبية تميزها عن باقي سور القرآن الكريم؛ حيث وردت هذه القصة في سياق واحد؛ مكتملة في بنية وظيفية واحدة متسقة ومنسجمة عن طريق مجموعة من الأحداث، حيث ترابطت الوظائف المشكّلة عن طريق الحدث ترابط السبب بالنتيجة حتى تنامت، وتناسل اللاحق بالسابق عن طريق مجموعة من العناصر والروابط.

والاتساق لغة جاء في المعاجم القديمة بمعنى: الضم والجمع والانتظام (1)، أما اصطلاحا فيقصد به عادة "التماسك الشديد بين الأجزاء المشكلة لنص/خطاب ما، ويهتم فيه بالوسائل اللغوية (الشكلية) التي تصل بين العناصر المكونة لجزء من خطاب أو خطاب برمته" (2). ويتحقق الاتساق ضمن السياق بين مجموعة من العناصر، وهو مفهوم دلالي يحيل إلى العلاقات المعنوية القائمة داخل النص، والتي تحدده كنص.

يقول عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ): "لقد أعجز القرآن العرب بمزايا ظهرت لهم في نظمه وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادئ آية ومقاطعها ومجاري ألفاظها ومواقعها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر، وصورة كل عظة وتنبيه وإعلام، وتذكير وترغيب وترهيب، ومع كل حجة برهان، وصفة وتبيان وبهرهم أنهم تأملوه سورة سورة، وعشرا عشرا، وآية آية، فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبو بها مكانها، ولفظة ينكر شأنها أو يري أن غيرها أصلح هناك أو أشبه، أو أحرى وأخلق، بل وجدوا اتساقا بهر العقول وأعجز الجمهور. ونظاما والتئاما وإتقانا وإحكاما لم يدع في نفس بليغ منهم" (3).

هذا كله من جانب البلاغة كما يقول السكاكي؛ حيث كان بصدد الكشف عن وجه البلاغة والفصاحة في قوله تعالى: ﴿وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدا للقوم الظّالمين﴾ (هود، 44).

أما النظر إليها من جانب الفصاحة المعنوية (أي خلوص المعنى من التعقيد) فهي نظم للمعاني لطيف، وتأدية لها ملخصة مبيّنة، لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد، ولا التواء يشبّك الطريق إلى المرتاد؛ بل إذا جربت نفسك عند استماعها، وجدت ألفاظها تسابق معانيها، ومعانيها تسابق ألفاظها؛ فما من لفظة في تركيب الآية ونظمها تسبق إلى أذنك، إلا ومعناها أسبق إلى قلبك. وأما النظر فيها من جانب الفصاحة اللفظية، فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة، جارية على قوانين اللغة، سليمة عن التنافر، بعيدة عن البشاعة، عذبة، كل منها كالماء في السلاسة، وكالعسل في الحلاوة، وكالنسيم في الرقة (4).

والقرآن كله منسجم؛ والانسجام معناه "أن يكون الكلام في مفرداته وجمله منسابا انسياب الماء في مجاريه السهلة، متحدّرا ليّنا، بسبب التلاؤم بين كلماته، وجمله، وعذوبة ألفاظه، وجمال تموّجات فقراته، وخلوّه من التعقيد والتنافر، وخلوه من كل ما يندّ عن النطق، وينفر منه السمع" (5).

تشمل أدوات الاتساق كلا من الإحالة والوصل والاتساق المعجمي والاستبدال والحذف.

=أ= الإحالة: وتتضمن الضمائر وأسماء الإشارة والموصول وأدوات المقارنة؛ إذ تعتبر علاقة دلالية وهي لا تخضع لقيود نحوية؛ بل تخضع لقيد دلالي، وهو وجوب تطابق الخصائص الدلالية بين العنصر المحيل والعنصر المحال إليه. والإحالة عبارة عن علاقة بين العبارات من جهة، وبين الأشياء والمواقف في العالم الخارجي الذي تشير إليه العبارات، و"تطلق تسمية العناصر الإحالية على قسم من الألفاظ لا تملك دلالة مستقلة؛ بل تعود على عنصر أو عناصر أخرى مذكورة في أجزاء أخرى من الخطاب، فشرط وجودها هو النص، وهي تقوم على مبدأ التماثل بين ما سبق ذكره في مقام ما وبين ما هو مذكور بعد ذلك في مقام آخر، وهي لذلك تتميز بالإحالة على المدى البعيد" (6).

والإحالة نوعان: خارجية (مقامية) وداخلية (نصية)؛ إذ تعمل الأولى على خلق النص وتدعيم الفكرة وتوضيحها وإثرائها؛ بينما الثانية تعمل على اتساق النص بشكل مباشر وربط أجزائه بعضها ببعض، وعلى ربط النص باتجاهين السابق واللاحق، وعلى رأسها الضمائر.

الضمائر: تؤدي الضمائر دورا بارزا في اتساق النص، حيث تربط بين أجزاء الكلام سابقها ولاحقها، وهي متعددة من حيث النوع (ضمائر المتكلم، المخاطب، الغائب والملكية)، ودورها يبرز أكثر في الخطاب السردي، وسورة يوسف أغلب خطاباتها قصصية تتضمن خاصية السرد التي لها ميزات هامة في هذا الباب؛ إذ "سياق المقام في الخطاب السردي يتضمن سياقا للإحالة، وهو تخيّل ينبغي أن يبنى انطلاقا من النص نفسه بحيث إن الإحالة داخله يجب أن تكون نصيّة" (7) ومنها الجملة التحويلية: ﴿إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنّي رأيت أحد عشر كوكبا والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين﴾ (يوسف، 04) حيث إن الضمير (هم) في الجملة الثالثة يحيل قبليا إلى (الكواكب الإحدى عشرة والشمس والقمر) في الجملة الثانية؛ إذ العلاقة القائمة بين الضمير والأسماء هنا علاقة اتساق نصية (المحيل والمحال إليه).

وكذلك قوله تعالى: ﴿ودخل معه السّجن فتيان قال أحدهما إنّي أراني أعصر خمرا وقال الآخر إنّي أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطّير منه نبّئنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين﴾ (يوسف، 36) حيث الضمير (هما) في الجملة الثانية يحيل قبليا إلى (فتيان) في الجملة الأولى، وكذا ضمير الهاء في (منه) يحيل قبليا إلى (خبزا) في الجملة الموالية نفسها. وأيضا ضمير الهاء في (تأويله) يحيل إحالة قبلية إلى (رؤيتا السجينين معا) والعلاقة القائمة بين هذه الضمائر وما قبلها من الأسماء علاقة اتساق نصية.

وقد تنوعت الضمائر كثيرا في هذه السورة، وكانت لها إحالات قبلية وبعدية؛ كالآية الآتية: ﴿واستبقا الباب وقدّت قميصه من دبر وألفيا سيّدها لدى الباب ۚ قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلّا أن يسجن أو عذاب أليم﴾ (يوسف، 25) حيث احتوى هذا الخطاب السردي على تسعة ضمائر توزعت كالآتي:

= ضمير مخاطب واحد (الكاف) في لفظة (أهلك) يحيل بعديا إلى (العزيز).

= ضمير ملكية واحد (الهاء) في لفظة (قميصه) يحيل قبليا إلى (يوسف).

= سبعة ضمائر غيبة في ألفاظ: (استبقا، ألفيا) يحيلان قبليا إلى (يوسف وامرأة العزيز)، (قدّت، سيّدها، قالت) تحيل قبليا إلى (امرأة العزيز)، (أراد، يسجن) يحيلان قبليا إلى اسم الموصول (من).

وكذلك في الخطاب التالي: ﴿قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا﴾ (يوسف، 18) ضمير الغيبة في (قال) يحيل قبليا إلى (يعقوب عليه السلام) وضمير المخاطب في (لكم وأنفسكم) يحيل إلى (إخوة يوسف). وأيضا في الخطاب الآتي: ﴿ولمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إنّي أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون﴾ (يوسف، 69) حيث احتوى هذا الخطاب السردي على إحدى عشر (11) ضمير توزعت كالآتي:

= ضميرا متكلم اثنان (الياء) في (إني) + أنا، وهما يحيلان قبليا إلى (يوسف).

= ضمير مخاطب واحد (الكاف) في (أخوك) يحيل بعديا إلى (بنيامين).

= ثمانية ضمائر غيبة في ألفاظ: (دخلوا، كانوا، يعملون) تحيل قبليا إلى (إخوة يوسف). (آوى، إليه، أخاه، قال) تحيل قبليا إلى (يوسف). (تبتئس) يحيل بعديا إلى (بنيامين).

ومما يلاحظ في نوعية هذه الضمائر أنها تتفاوت من حيث ورودها في الكلام العربي عموما وسورة يوسف خصوصا؛ إذ ضمير الملكية قليل الورود مقارنة مع ضميري الغائب والمخاطب والمتكلم؛ حيث ورد ضمير الملكية تسع عشرة مرة في سورة يوسف، وضمير المتكلم يمكن تقسيمه في هذه السورة إلى قسمين: قسم خارج القصة: يعود على لفظ الجلالة (الله) باعتباره مجري القصة، وقد ورد سبعا وعشرين مرة. وقسم داخل القصة: تعدد حسب أشخاص القصة.

أسماء الإشارة والموصول

تؤدي دورا بارزا هي الأخرى في عملية الانسجام والاتساق داخل الخطاب والترابط القبلي والبعدي بين الكلمات والجمل، وهي جزء من أجزاء الخطاب ومتعددة حسب النوع؛ منها أسماء الإشارة للقريب وللبعيد، وكذا أسماء الموصول منها العامة (ما؛ من؛ ذو...) والخاصة (الذي؛ التي؛ اللذان؛ الذين...)، ومنها في هذه السورة: ﴿وقال الّذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه﴾ (يوسف، 21) فالاسم الموصول (الذي) خاص يدل على المفرد المذكر، يحيل إحالة بعدية إلى العزيز. وكذلك قوله تعالى: ﴿وراودته الّتي هو في بيتها عن نفسه﴾ (يوسف، 23) فـ (التي) اسم موصول خاص يدل على المفرد المؤنث يحيل إحالة بعدية إلى زوجة العزيز (زليخا) و(هو) اسم إشارة يدل على المذكر الغائب يحيل إحالة قبلية إلى (يوسف عليه السلام).

أما في الخطاب الآتي: ﴿قالت فذلكنّ الّذي لمتنّني فيه﴾ (يوسف، 32) يتضمن اسم إشارة (ذلك) واسم موصول (الذي) يحيلان إشارة قبلية إلى العنصر الإشاري (يوسف)؛ إذ العنصر الإشاري هو كل مكوّن لا يحتاج في فهمه إلى مكوّن آخر يفسّره، فهو في الكلام وحدات معجمية (أسماء مفردة وما يماثلها من المركبات) وتشمل كل ما يشير إلى ذات أو موقع أو زمن، إشارة أولية لا تتعلق بإشارة أخرى سابقة أو لاحقة. وفي الخطاب الآتي: ﴿قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلّا نبّأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما ممّا علّمني ربّي﴾ (يوسف، 37) فـ (ذلك) اسم إشارة مستعمل هنا لغير العاقل مع توجيه الخطاب لهما، وهو يحيل إحالة قبلية إلى كلمة (تأويله).

وأيضا في الجملة التحويلية: ﴿ثمّ يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهنّ﴾ (يوسف، 48) فـ (ما) هنا اسم موصول عام بمعنى (الذي) يحيل إحالة بعدية إلى (قدمتم لهن) وكذلك في قوله تعالى: ﴿وأعلم من اللّه ما لا تعلمون﴾ (يوسف، 86) فـ (ما) هنا أيضا تحيل إحالة بعدية إلى (لا تعلمون) أي: إن الله سيرد يوسف إلى أبيه لتكتمل رؤيته التي شاهدها في صغره (سجود الإخوة مع أبيهم وأمهم له إكراما وتشريفا).

ولاسم الإشارة المفرد مذكرا كان أو مؤنثا (الذي؛ التي) خصوصية تميّزه عن باقي أسماء الإشارة الأخرى؛ إذ بإمكانه أن يحيل إلى جملة بأكملها أو متتالية من الجمل (8) ومنه الخطاب الآتي: ﴿قضي الأمر الّذي فيه تستفتيان﴾ (يوسف، 41) حيث يحيل اسم الإشارة (الذي) إحالة قبلية إلى قول كامل (أما أحدكما فيسقي ربه خمرا، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه).

والأمر نفسه بالنسبة لاسم الموصول المفرد العام (ما ـ من)؛ إذ يمكنهما بدورهما أن يحيلان إحالة قبلية إلى قول برمته؛ كالخطاب الآتي: ﴿قال اللّه على ما نقول وكيل﴾ (يوسف، 66) فاسم الموصول (ما) أحال إحالة قبلية إلى قول قبله: (قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم). وكذا في الخطاب الآتي: ﴿واللّه أعلم بما تصفون﴾ (يوسف، 77) فقد أحال إشارة قبلية إلى قول بكامله (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل). وكذا في قوله تعالى: ﴿قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون﴾ (يوسف، 89) فـ (ما) اسم موصول يحيل إحالة قبلية إلى بداية السورة وبداية القصة عموما حين اختلفوا في شأنه بين القتل والرمي في الجب.

ولعل الأعجب في هذه السورة الكريمة أن اسم الإشارة (ذلك) أحال إحالة قبلية إلى القصة برمّتها؛ من بدايتها إلى نهايتها، وهذا في قوله تعالى: ﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك﴾ (يوسف، 102) فبعدما قصّ ربّ العزة على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم نبأ إخوة يوسف، وكيف رفعه الله عليهم، وجعل له العاقبة والنصر والملك والحكم، مع ما أرادوه به من السوء والهلاك ها نحن نقصّه عليك (9).

وتشترك أسماء الموصول وأسماء الإشارة في الإحالة، مما ينتج عنه قوة في تماسك الخطاب لفظا ومعنى؛ فـ "أسماء الإشارة تعتمد على الجانب السياقي من معنى الوحدة الكلامية، فهي العلاقة القائمة بين المتحدث (وعلى نحو أعم بين القائمين بعملية التحدث) وبين ما يتحدثون عنه في مناسبات معينة" (10).

أما (تلك) في بداية السورة: ﴿الر تلك آيات الكتاب المبين﴾ (يوسف، 01) كان لها وقع عظيم؛ إذ هي إيجاز فيه حذف يلغي كل ما قد يخطر بالبال ويتعلق بالذهن من أوهام حيكت حول حياة سيدنا يوسف عليه السلام، فاسم الإشارة هنا يقطع دابر العقيدة الباطلة، وتحيل القارئ المتمعن إلى النبع الصافي والعلم الصحيح.

المقارنة: تقوّي المقارن بالمقارن به؛ ومعناها وجود عنصرين يقارن النص بينهما، وتنقسم إلى المطابقة والتشابه، وتقوم على ألفاظ من مثل وصف الشيء بأنه شيء آخر أو يماثله أو يوازيه، وبعضها يقوم على المخالفة، ومن منظور الاتساق فهي لا تختلف عن الضمائر وأسماء الإشارة في كونها نصية، فهي تقوم بوظيفة اتساقية (11).

=ب= الوصل: يعرف الوصل بأنه "تحديد للطريقة التي يترابط بها اللاحق مع السابق بشكل منظم" (12). وينقسم في عمومه إلى أربعة أقسام:

أولا: الوصل الإضافي: وهو الذي يربط بين صورتين أو أكثر من صور المعلومات بالجمع بينهما على سبيل الاختيار، حيث يتم بواسطة الأداتين (و) ـ (أو)؛ كقوله تعالى: ﴿قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلّا أن يسجن أو عذاب أليم﴾ (يوسف، 25).
كما يندرج ضمن هذا الوصل علاقات أخرى مثل: (13):

= التماثل الدلالي المتحقق في الربط بين الجمل بتعبير من نوع: بالمثل أو أداة؛ كخطاب يعقوب لابنه يوسف في قوله تعالى: ﴿ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمّها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق﴾ (يوسف، 06)؛ أي: تمام نعمة الله على يوسف وآل يعقوب مثل تمام نعمته جل وعلا على إبراهيم وإسحاق. وكخطاب يعقوب ـ عليه السلام ـ لأبنائه: ﴿قال هل آمنكم عليه إلّا كما أمنتكم على أخيه من قبل﴾ (يوسف، 64)؛ أي: تأمين يعقوب على بنيامين مع إخوته مثل تأمينهم على يوسف باستخدام أداة التشبيه (الكاف) (14).

= علاقة الشرح؛ وتتم بتعابير مثل: أعني، بتعبير آخر...

= علاقة التمثيل؛ وتتم بتعابير مثل: مثلا، نحو...

ثانيا: الوصل العكسي:

ومعناه على عكس ما هو متوقع، حيث يتم بواسطة أدوات؛ مثل: (بل) و(لكن)؛ كخطاب يعقوب لأبنائه: ﴿قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا﴾ (يوسف، 83) فيعقوب أضرب عن حجة أبنائه التي قدّموها عن سبب عدم عودة أخيهم بنيامين معهم. وهذا الإضراب من خلال أداة الوصل العكسي (بل) أدى إلى ترابط هذه الآية مع الآيتين السابقتين من حيث توجيه الدلالة إلى التسويل، فيتذكر السامع قصة يوسف مع الإخوة عند الجب.

ثالثا: الوصل السببي:

يمكننا من إدراك العلاقة المنطقية بين جملتين أو أكثر؛ حيث تندرج ضمنه علاقات خاصة؛ كالنتيجة والسبب، ومنه الشرط بأدواته، وأدوات التعليل؛ كقوله تعالى على لسان الإخوة حينما خاطبوا أخاهم العزيز وهم له منكرون في شأن أخيهم المتهم (بنيامين): ﴿قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل﴾ (يوسف، 77) فالعلاقة قائمة بين فعل الشرط (يسرق) وجواب الشرط (قد سرق أخ له من قبل). وكذا قوله تعالى: ﴿ولمّا جهّزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم﴾ (يوسف، 59) فالعلاقة قائمة بين السبب (لما جهزهم) والنتيجة (قال ايتوني).

رابعا: الوصل الزمني: يجسد علاقة بين أطروحتي جملتين متتابعتين زمنيا؛ مثل: عند، بعد، حين، إلى آخره. وأدوات الوصل الزمني داخل النصوص كثيرة "تدل عليها الأفعال التامة والناقصة، وكذلك ظروف الزمان وبعض البنى التركيبية الأخرى في الجملة، ولكن الأفعال تبقى أوفر تلك الوسائل دقة واستعمالا" (15).

ومن أمثلة هذا النوع من الوصل قوله تعالى: ﴿ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجّدا ۖ وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقّا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السّجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشّيطان بيني وبين إخوتي﴾ (يوسف، 100) حيث نلاحظ وجود علاقة بين مجموعة من الجمل في هذه الآية متتابعة زمنيا؛ فقد أسهمت الأفعال (قال، أخرج، جاء، نزغ) وكذا ظروف الزمان (قبل، إذ بمعنى حين، بعد، بين) في اتساق النص ككل.

=ج= الاتساق المعجمي: يتمثل في المورفيمات المستقلة بمعناها التي تدخل في تركيب الجملة، وما تحمله من دلالة في سياقها، وينقسم الاتساق المعجمي إلى قسمين: التكرار والتضام.

التكرار: يتطلب إعادة عنصر معجمي أو ورود مرادف له أو شبه مرادف، أو عنصرا مطلقا، أو اسما عاما؛ ويكون التكرير للحرف، والكلمة والجملة؛ كجملة (أكله الذئب) في قوله تعالى: ﴿قال إنّي ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذّئب وأنتم عنه غافلون. قالوا لئن أكله الذّئب ونحن عصبة إنّا إذا لخاسرون﴾ (يوسف، 13 ـ 14). والتكرار أنواع:

= التكرار التام أو المحض: وهو تكرار اللفظ والمعنى والمرجع واحد، كتكرار المرجع الإشاري (يوسف) في كل السورة، وتكرا الفعل (جاء) في الآيتين ﴿وجاءوا أباهم عشاء يبكون﴾ (يوسف، 16) ـ ﴿وجاءوا على قميصه بدم كذب﴾ (يوسف، 18).

= التكرار الجزئي: وهو ما يكون بالاستخدامات المختلفة للجذر اللغوي مع اختلاف العنصر الإشاري المتصل به؛ كتكرار الفعل (جاء) لعدة أحوال من المجيء؛ كالآيتين السابقتين مقارنة مع قوله تعالى: ﴿وجاءت سيّارة فأرسلوا واردهم﴾ (يوسف، 19) إذ هو مجي إلى الجب بينما الأول مجيء إلى الأب يعقوب.

= تكرار المعنى واللفظ مختلف: ويشمل الترادف وشبه الترادف، وكذا العبارات الموازنة، ومنه ذكر يوسف بالبنوة والاسم واللقب: ﴿يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك﴾ (يوسف، 05) ـ ﴿يوسف أعرض عن هذا﴾ (يوسف، 29) ـ ﴿يا أيّها العزيز إنّ له أبا شيخا كبيرا﴾ (يوسف 78).

التضام : وهو توارد زوج من الكلمات بالفعل أو بالقوة نظرا لارتباطها بحكم هذه العلاقة أو تلك، فالعلاقة النسقية التي تحكم هذه الأزواج في خطاب ما هي علاقة التعارض؛ ككلمات مثل (ولد، بنت) اللذين قد يردا في نص لا يعود فيه عليهما عنصر إحالي موحد، ولكنهما يسهمان في النصية (16)، ومنه ما بين الفعلين (ذهبوا، جاءوا) في قوله تعالى: ﴿فلمّا ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجبّ وأوحينا إليه لتنبّئنّهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون. وجاءوا أباهم عشاء يبكون﴾ (يوسف، 15 ـ 16).

وهناك علاقات أخرى؛ مثل: الكل، الجزء ـ الجزء، الجزء ـ أو عناصر من القسم العام نفسه (كرسي، طاولة) وهما عنصران من اسم عام هو التجهيز. ومن علاقة الجزء بالكل التضام في قوله تعالى: ﴿وقال الآخر إنّي أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطّير منه﴾ (يوسف، 36)؛ فالخبز جزء من الطعام الوارد في الآية الموالية: ﴿قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلّا نبّأتكما بتأويل﴾ (يوسف، 37).

=د= الاستبدال: يعتبر وسيلة أساسية تعتمد في اتساق النص (عملية داخل النص) وينقسم إلى ثلاثة أقسام: (1) الاستبدال الاسمي: وهو أن يحل الاسم محل آخر مؤديا وظيفته التركيبية؛ كلفظي (آخر) و(أخرى). (2)الاستبدال الفعلي: وهو حلول فعل مكان فعل آخر مؤديا وظيفته التركيبية؛ كلفظي (اتخذ) و(فعل). (3) الاستبدال القولي: وهو استبدال قول مكان آخر مع تأدية وظيفته؛ كقوله تعالى: ﴿فلمّا جاء السّحرة قالوا لفرعون أئنّ لنا لأجرا إن كنّا نحن الغالبين. قال نعم وإنّكم إذا لمن المقرّبين﴾ (الشعراء، 41 ـ 42)؛ فقد استبدل بالقول السابق (نعم). ومن الاستبدال في سورة يوسف قميص يوسف، فالقميص الأول معلـّم بدم كذب، والثاني مقدود، والثالث فيه شفاء، والأثر المشترك يوسف ـ عليه السلام ـ فالقمصان الثلاثة له أدى إلى ربط ثلاثة مقاطع نصية مع بعضها (17).

=هـ= الحذف:

هو من خصائص العربية، وعدّه ابن جني في باب شجاعة العربية وفي التعاريف الحديثة يعرّف بأنه "علاقة داخل النص، وفي معظم الأمثلة يوجد العنصر المفترض في النص السابق. وهذا يعني أن الحذف عادة علاقة قبلية" (18) فالمحذوف كالمذكور؛ إذ حذف المكوّن الثاني أولى من الأول لدلالة الأول على الثاني، وبمقارنة الحذف مع الاستبدال نجد أن "علاقة الاستبدال تترك أثرا، وأثرها هو وجود أحد عناصر الاستبدال، بينما علاقة الحذف لا تخلف أثرا، ولهذا فإن المستبدل يبقى مؤشرا يسترشد به القارئ للبحث عن العنصر المفترض، مما يمكنه من ملء الفراغ الذي يخلقه الاستبدال بينما الأمر على خلاف هذا في الحذف، إذ لا يحل محل المحذوف أي شيء، ومن ثم نجد في الجملة الثانية فراغا بنيويا يهتدي القارئ إلى ملئه اعتمادا على ما ورد في الجملة الأولى أو النص السابق" (19). وبناء على مفهوم الجملة والنص فالحذف نوعان (20):

=1= حذف جملة: وهو ما كان أثره الدلالي أو الارتباط المعجمي له في حدود الجملة؛ نحو قوله تعالى على لسان يعقوب، عليه السلام: ﴿فصبر جميل واللّه المستعان على ما تصفون﴾ (يوسف، 18) على تقدير المحذوف (صبري) أي: صبري صبر جميل، فالأثر الدلالي للمحذوف في حدود الجملة، خاصة في الجمل التي يمكن أن تغادر نصها. وكذا في قوله تعالى: ﴿وكذلك مكّنّا ليوسف في الأرض يتبوّأ منها حيث يشاء﴾ (يوسف، 56) والتقدير (ليستقيم أمره ولنعلمه من تأويل الأحاديث).

ومن الكلمات التي حذفت من داخل الجمل في هذه السورة أيضا: ﴿واسأل القرية الّتي كنّا فيها﴾ (يوسف، 82) والتقدير (أهل القرية) وكذا في: ﴿إنّي أراني أعصر خمرا﴾ (يوسف، 36) أي: (أعصر عنب خمر) وأيضا: ﴿ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه حتّى حين﴾ (يوسف، 35) أي: (ثم بدا لهم بداء).

=2= حذف نصي: وهو ما كان أثره الدلالي أو الارتباط المعجمي له يتعدى الجملة، وهذا النوع يعمل على ربط أجزاء النص، وللمتلقي فيه فسحة للحراك والتأويل؛ نحو قوله تعالى: ﴿وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلمّا كلّمه قال إنّك اليوم لدينا مكين أمين﴾ (يوسف، 54) فالفاء في (فلمّا) عطفت على جملة حدث سبق وصول يوسف إلى الملك، وهي من مجريات القصة يقدرها المتلقي، وحذفت كونها تفهم من السياق.

= = = =

الهوامش

(1) مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مراجعة: أحمد جاد، دار الغد الجديد، القاهرة (مصر)، مادة (و س ق)، ط 1، ص 368، 2007.

(2) لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب، محمد خطابي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء (المغرب)، بيروت (لبنان)، ط2، 2006، ص 05.

(3) مفتاح العلوم، أبو يعقوب يوسف بن محمد بن على السكاكى، تحقيق: عبد الحميد الهنداوى، دار الكتب العلمية، بيروت (لبنان)، 2000، ص 421.

(4) دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: محمد رضوان الداية وفايز الداية، دار الفكر، دمشق (سوريا)، ط 1، 2007، ص 57.

(5) البلاغة العربية: أسسها وعلومها وفنونها، عبد الرحمان حسن حبنّكة الميداني، دار القلم، دمشق (سوريا)، الدار الشامية، بيروت (لبنان)، ج 2، ط 1، 1996، ص 518.

(6) نسيج النص، الأزهر الزناد، المركز الثقافي العربي، بيروت (لبنان)، ط 1، 1993، ص 118.

(7) Cohesion in English, Halliday, M.A.K. and R. Hasan, p 50

نقلا عن لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب محمد خطابي، ص 18.

(8) لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب، محمد خطابي، ص 19.

(9) تفسير القرآن العظيم، الإمام أبو الفداء عبد الله بن كثير الدمشقي، دار المعرفة، بيروت (لبنان)، ج2، (د ط)، 1981، ص 443.

(10) اللغة والمعنى والسياق، جون لاينز ترجمة: عباس صادق الوهاب، مراجعة: يوئيل عزيز، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد (العراق)، ط 1، 1987، ص 243.

(11) لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب، محمد خطابي، ص 19.

(12) Cohesion in English, Halliday, M.A.K. and R. Hasan, p 227

نقلا عن لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب محمد خطابي، ص 23.

(13) لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب، محمد خطابي، ص 23.

(14) أثر عناصر الاتساق في تماسك النص (دراسة نصية من خلال سورة يوسف)، رسالة ماجستير، الطالب محمود سليمان حسين الهواوشه، جامعة مؤتة (الأردن)، 2008، ص 89.

(15) نسيج النص، الأزهر الزناد، ص 145.

(16) أثر عناصر الاتساق في تماسك النص (دراسة نصية من خلال سورة يوسف)، ص 94.

(17) المرجع نفسه، ص 102.

(18) Cohesion in English, Halliday, M.A.K. and R. Hasan, p 144

نقلا عن لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب، محمد خطابي، ص 21.

(19) لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب، محمد خطابي، ص 21.

(20) أثر عناصر الاتساق في تماسك النص (دراسة نصية من خلال سورة يوسف)، محمود الهواوشة، ص 99.

D 25 أيلول (سبتمبر) 2014     A الطيب عطاوي     C 4 تعليقات