جليلة الخليع - المغرب
بوح مشروع
بوح مشروع (1)
وأنا وسط هذياني، أراني بموقد حزن وكل الحروف تنعي موتي. أضيع بين فاصلة ونقطة، والحبر يواري بياض الفرح في ثوبي.
ربما الحرف يشد على أوتار الحزن عندي ويغفل أوتار الفرح، فيعزف على وتر واحد بمقام مفخخ بالشجن، بنوتة يتيمة من نبرات القرار.
بين البياض والسواد، أتشكلني بزوايا مكعب مغلق علي، فأبدو في وجوهه الخلفية. بين اللونين أمرر ظلالي، أنطفئ عندما تنتحر نيازك الأحلام، وتتكسر رماح الآمال، وتتشتت سبحة اللغة بداخلي ، لأتبعثر من جديد في هندسة خيباتي.
هي أنا، عقدة من ضعف، كتلة من صراخ داخلي، يفزع صمتي، فينكمش في قطعة حرف لينهمر بالبكاء. هو الحزن الطابق على رئة التمني، تنفس متقطع ينفلت منه الأكسجين، ليثور الكربون في وجه الحياة، ويرديها الغيظ حالكة.
غضب؛ غضب؛ غضب.
وموت مقعد، فقد قدميه في حادثة سير، افتعلتها عجلة انفلتت من سيارة الحياة.
بوح مشروع (2)
من أين أبدأ؟
وكأن الاستفهام وُضِع ليُعَلَّقَ على أفكاري فيصفعها بقوة الشهقات.
هو حظي الذي أتوارى منه فيلبسني.
هي ذاتي التي تعاند قفزاتي، فأظلني واقفة بمنعطف التردد.
هو جنوني المنطلق بصمت، المتجاسر على ظلي، يصفع ذاكرتي عندما ترسو البواخر في غير مرافئها، أو عندما تتطفل على لحظاتي مدن الخيبة المتربصة بي.
هو صمتي الأخرس الذي قذف ببوحي في سلة المهملات.
هي أحلامي المبعثرة التي لم تستطع يدي أن تجمع دقيقها لتشكلها عجينة كيفما أرادت لها اللحظات.
هي الأحوال المتراكمة على حالي، والتي فقدت جوارب الإعراب، واستلقت على ظلي حافية القدمين، ممزقة الخطى.
هي الأورام المتدلية من جمجمة الذاكرة والتي تسرطن شرودي وترسل أنينها لمسافات صمتي.
هي الواحدة بتوقيت الوحدة، بتعامد الغربة على مساحات العتمة، والتي تحدني شمالا وجنوبا، شرقا وغربا.
هي الخريطة التي أصادف فيها وجهي عابس النظرات.
بوح مشروع (3)
ربما هي أوسع من رؤيتي الممتدة والتي تضيق عند المسافة الفاصلة بين ما قبل الذاكرة وما بعدها بخطوات الأنفاس المتباطئة.
هي أوقاتي المنزوية علي، المنطلقة فيها أناي، كطفلة تلهو بطفولتها بقفزة من حبل، باستدارة ملتوية تحاول أن تلتقط فيها بعضا منها، أو عمرا يلحق قاطرة الأعوام المتراصة بجيد الكون.
هو الزمن المترجل في وجوه المرايا، يصافح أطفال الشرود الملتفين بساحة التأمل الشاسعة، يمنح فتاتا لعصافير الأحلام المحلقة، فتسقطها رصاصة الآتي أرضا، لتشخص لها دعابات الوهم فترسل اللحظة فقاعات من ثقب الأوزون المحفور بدقة في جمجمة الموت.
يبعث الوقت رسائله إلى اللاوقت، يدب الفراغ عند حواشي البياض، ليتمتم المبهم للمنزوي في أغصان الكلام، والتأويل عند عتبة الباب يستأذن بالدخول، والمفتاح في ملكية الصمت .
هو/هي أطول المسافات التي استهلكها المسير، واجترتها الذاكرة عند عناوين اللحظات المتطاولة في أفق الماضي، المتعمقة في قلب الحاضر، المتطلعة لخطى الآتي بمرأى الأذن ومسمع العين.
تستعيد الأنفاس أنفاسها المتوقفة في ظلال الغروب، تستمد شمسا من شمس حاولت الغرق، فأنقذتها الصباحات المكتظة في خطى العمر، لترسل وقعها لقبو القلب، يدندنها نبضا آخر في تفاصيل أغنية، يستمطرها السحاب المتكور في رحم السماء، لتهطل زخات الشدو.
◄ جليلة الخليع
▼ موضوعاتي
4 مشاركة منتدى
بوح مشروع, هدى الكناني من العراق | 26 أيلول (سبتمبر) 2014 - 13:43 1
جليلة الخليع
عزيزتي اية سلة مهملات ستحتوي بوحك ؟ بل هي سلال مليئة بسنوات عمر عنكبوتية النسج.
انى لك هذه القدرة على تحويل مفردات جامدة بلا حياة الى استعارات لفظية مجازية ضاجة بالحياة، ما يجعلنا نقف طويلا امام كل جملة لنستوعب الافكار التي تدور في فلكها؟
رغم مرارة ماكتبته إلا انني أعول على جملك الاخيرة
تستمد شمسا من شمس حاولت الغرق، فأنقذتها الصباحات المكتظة في خطى العمر، لترسل وقعها لقبو القلب، يدندنها نبضا آخر في تفاصيل أغنية، يستمطرها السحاب المتكور في رحم السماء، لتهطل زخات الشدو.
فاراها أول خطوة وإن بدت متعثرة كخطوات طفل يتعلم المشي، إلا انها مفعمة بالوصول الى هذف ما ولو كان لعبة ، لكنه يبقى امل الخطوة الاولى مزهوا بالأنتصارات ، قد يتبعها ماراثون انجازات .
سلمت اناملك
هدى الكناني
1. بوح مشروع, 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2014, 20:43, ::::: جليلة الخليع /المغرب
هدى الغالية القريبة مني في أقرب مسافة تومض الفكرة فتعبر شوارع البوح، ننكسر في أكثر من لحظة ونتكئ على انكساراتنا للوقوف بقوة ومواصلة المشوار ، فالحياة مشاوير متعثرة ، فلنتعظ من العثرات ومن الآلام التي اشتعلت فينا حروفا.
شكري الكبير هدى المبدعة لقراءتك العميقة ولروحك النقية.
محبتي والورد.
بوح مشروع, مليكة علاوي الجزائر | 26 أيلول (سبتمبر) 2014 - 20:12 2
هو بوح،وأيّ بوح ينساب من روح جميلة تحب الجليل؟! ومادام بوحا ،فلا يجب أن نقيّده بأن يكون مشروعا أو غير مشروع؛هو بوح،اتركيه يحقّق الاسترخاء والروَحَ.لغتك جميلة،وتبدعين في صناعة الصور،فكم هي بديعة المرأة لمّا تبدع..تحياتي.
1. بوح مشروع, 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2014, 22:22, ::::: جليلة الخليع /المغرب
الغالية الرائعة مليكة، هو بوحي الذي أطلق عنانه ، ليفرد حرفي جناحيه إلى حيث مرافئ الأرواح المتقاربة.
كنت هنا أصفف خصلات كلماتي على رأس نص شاء له أن يطل من نافذتكم العالية ، فيلقى الترحيب.
شكري الكبير من قلبي .
وكثير محبة وباقة ورد.
بوح مشروع, إبراهيم يوسف - لبنان | 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 - 05:44 3
من الإنصاف القول يا سيدتي: لغة متقنة وجميلة؛ تواكبها كتلة من الإحساس المتدفق الوهَّاج شكرا لك.
1. بوح مشروع, 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 20:50, ::::: جليلة الخليع /المغرب
الراقي دائما ، الأستاذ ابراهيم قاسم يوسف ، شكرا للوسام الذي علقته على صدر نصي ، فاستعادت حروفي الثقة بحبرها ، بأحاسيسها المتداخلة ، المتطفلة دائما على نافذة البوح ، لتطلق العنان لصوتها.
تقديري الكبير وكل الود والاحترام.
بوح مشروع, ولاء المصري فلسطين | 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 - 03:25 4
حقيقي شدو الموهبة وتأصلها في عيون النص سافرنا من خلالها
ما بين مرائينا تارة وانعكاساتها ك ومضات مكثفة لمحناها في المرايا .
ملهم جدا أستاذة جليلة الخليع .
1. بوح مشروع, 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014, 23:12, ::::: جليلة الخليع /المغرب
هي صورتي أراها في أكثر من مرآة ، تعكس تفاصيل الجرح الذي تئن به الأرواح المتماثلة .
أستلقي على أريكة البوح ، وأترك لكلماتي ذلك التجوال المباح على مساحة ربما يمتلكها الآخرون ، لكنهم يجدون في محفظة أوراقها هوية االانتماء.
ولاء المصري الغالية الرائعة ، دامت لك الروعة والحضور الأنيق.
محبتي وباقة ورد.