غانية الوناس - الجزائر
إلى طفل المخيّم
أعرف أنّ كتاباتي مقارنة بما تشعر به لا تساوي شيئا، أدرك ذلك حين أرى وجعك مرتسما على حروفك، حتّى وجهك المبتسم ذاك يخفي وراءه حزنا عميقا لا تنجح الكتابة ولا الأسئلة الكثيرة في اختراقه.
ربّما في لحظة ما تناسيت كلّ الظروف وفكّرت فقط في شيء واحد، وهو رؤيتك في حال أفضل، لكنّ حالك كانت تسوء، ولا زالت تسوء كلّ مرة أكثر كلّما طالعت صفحتك وما تكتب فيها.
لا جديد سوى الوجع المتكرر كلّ يوم، ذات النفس الذي لا يستطيع أن يخرج بحرية إلى الأفق، لا يستطيع أن ينشد أملا ما، فكل شيء مكبّل بواقع من أسفلت لا يتزحزح من مكانه أبدا.
يبدو المخيم في حضرتك حزينا أكثر، حزينا جدا يا طفل المخيم، يا رجل المخيّم، يا وجع المخيم ويا وجع كل الوطن من الفاء إلى النون.
حزين وطنك وحزنه يغريني لأكتب أكثر، لأنبش أظافري في ظهر الزمان وأكفر بكلّ المسافات التي لا توصلنا إلى حيفا، كل الحواجز التي تجعلنا مصابين بعشق أبديّ وأمل لا ينتهي، هو الموت لأجل لقاء على مقاس مدينة ووطن وحب وحلم ووميض فرح يمر بتلك السماء التي لا تمطر إلا موتا مؤثثا للحالمين.
أعترف أني لا أستطيع شيئا من أجلك سوى الدعاء لك، بقلب يخفق نبضه على وقع صوت الرصاص الذي يخترق سماء الوطن بين حين وآخر.
لا أستطيع من أجلك شيئا، لكنّي سأواصل الكتابة علّي من خلالها أنفذ إلى أغوار أخرى لا أعرفها ولا تعرفني، لعلي فيها ألتقي بك حقيقة لا وهما وسرابا ألهث وراءه في الحلم، ولعلّها تجعلك يوما ما تدرك أننا ربّما التقينا لنرسم شيئا مختلفا في هذا الكون المقامر بأحلام العاشقين سرا وجهرا، لنكون ربّما شيئا عظيما سيغدو له أثر ما ذات يوم، من أجلنا نحن أو من أجل أشخاص آخرين نعرفهم أو لا نعرفهم.
اعتبرني صديقة لا تشبه أصدقائك، وأحبني بصدق، أختا لم تنجبها والدتك وأحبني بوفاء، أميرة لقلبك وأحبني بجنون. اعتبرني عصفورا حطّ على يديك مرّة فأطعمته قطعة من قلبك، أو ربّما فراشة ارتوت من نورك يوما فصار لها أجنحة بلون عينيك، ربّما زهرة امتلأت حياتك بعبـيـرها ذات ربيع مختلف، أو غيمة أمطرت ذات شتاء في روحك ومضت تنبت فيها الحياة والزهور.
أحبني جدا ولا تنس أبدا. اقرأني كلّما صادفتني بصدق، سأكتب دائما لتقرأْ.
لوحة للفنان التشكيلي إسماعيل شموط |
◄ غانية الوناس
▼ موضوعاتي
6 مشاركة منتدى
إلى طفل المخيّم, ايناس ثابت اليمن | 4 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 19:40 1
كل القلوب النقية تتوق إلى السلام والأمان، ولعلّ كلمة منكِ توقظ قلبا.
لكِ كل المحبة، وسؤال لله أن يحقق أمنيتكِ.
1. إلى طفل المخيّم, 5 كانون الأول (ديسمبر) 2014, 21:24, ::::: غانية الوناس.الجزائر
إيناس الجميلة،
لعلّكِ حين مررتِ من هُنا قد رسمتِ خطاً رفيعاً للأمل، تلك الدعوةُ تعنِي لي الكثير. من القلب شكراً جزيلاً.
إلى طفل المخيّم, أشواق مليباري | 9 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 14:44 2
الصديقة غانية
كلماتك جميلة ورقيقة..ومؤلمة!
وليس لنا سوى الدعاء والرجاء أن نراه في حال أفضل..
هذا الطفل هو أحق الناس بالكتابة عنه
أشكرك
تحيتي
1. إلى طفل المخيّم, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2014, 15:10, ::::: غانية الوناس/ الجزائر
غاليتي أشواق، الحزنُ عادة طريقٌ مؤثث بكثير من الألم، لكنّه حافزٌ للأملِ والفرح، الدعاءُ أكثر من نحتاجهُ وما يجب ألا ننساهُ أبداً.
شكراً عزيزتي، ولكِ أجملُ التحيات.
إلى طفل المخيّم, مريم -القدس | 11 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 12:36 3
الأخت غانية
إن لم تستطع العدالة الوصول إلى من قتل متظاهرآ سلميآ يدافع عن
أرضه ويحتج على العنصرية ،فكيف ستصل إلى إعادة الأرض لأصحابها
وإعادة ملايين اللاجئين ،وأخذ حق الأطفال الذين حرموا من طفولتهم
،وإنهاء إحتلال عمره عقود وجرائمه بحور ..؟
إلى طفل المخيّم, هدى الدهان | 16 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 06:42 4
كَثُرت المسميات والطفل واحد ..كنا في اطفال المخيمات و اصبحنا في اطفال النازحين و المهجرين و التسميات كثيرة لطفل لا طفولة له .
1. إلى طفل المخيّم, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2014, 15:05, ::::: غانية الوناس/ الجزائر
الجميلة هدى، هي هكذا هذه الأوطان، أصبحت لم تعد تتسع لأهلها، فصاروا لاجئين ونازحين، ومهجرين، وما ألى ذلك من تسميات، لأسباب تختلف لكن النتيجة في النهاية واحدة. أوطان مفرغة من مواطنيها، ومواطنون باتوا بلا أوطان.
شكراً لك، تحياتي الخالصة.
إلى طفل المخيّم, مريم -القدس | 16 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 12:29 5
منذ خمسة وستين عامآ وأطفال المخيم يسألون
ما وظيفة الأمم المتحدة وما هو دورها ..؟
والإجابة كما نرى .. استبدال الأوطان بالمخيمات ..!
1. إلى طفل المخيّم, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2014, 15:08, ::::: غانية الوناس/ الجزائر
الأخت مريم، للأسف عزيزتي نحن في عالم لا يعترف بالحقوق، يعترف فقط بالأقوى، ونحن لسوء حظنا وجدنا في عالمٍ ثالث مهضوم الحقوق، ونحن بشكل أو بآخر نتحمل جزءاً من المسؤولية. ففي النهاية مالم نأخذ حقنا بأيدينا لا أحد سيمنحه لنا من تلقاء نفسه.
شكراً لكِ، تحياتي.
إلى طفل المخيّم, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 18 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 21:33 6
أ/غانية نصك الجميل يؤنس وحشة الروح ,في عالم لايعرف العدالة وأحال أوطاننا إلى حلبات مصارعة متوحشة إثنية وطائفية ومخيمات لجوء ما أجمل وأصدق ماتكتبين .سلمت ودمت بخير.
1. إلى طفل المخيّم, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2014, 15:01, ::::: غانية الوناس/ الجزائر
الأستاذة الرائعة هدى، لعلّ هذا البوح الّذي تتضمنه الكلمات هي أهم ما نملك لنعبر به، ونقول أحياناً مالا يقال.
أشكرك كثيراً، تحياتي لكِ أستاذتي الفاضلة.