عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

الصفحة الأخيرة - عدلي الهواري

هموم أكاديمية: المنهجية


رسم بيانيتحدثت في مرتين سابقتين عن هموم أكاديمية متعلقة بمراجعة الأدبيات والنظرية/الإطار النظري. وفي هذه المرة سوف أخصص الحديث للمنهجية، فهي من مصادر الهموم للباحثات والباحثين في الدراسات العليا، وفي العادة يطرح على الباحث/ة سؤال متعلق بالمنهجية عند مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه.

كثرة الحديث عن المنهجية تحولها إلى هاجس، وتجعلها تبدو أمرا خارقا للعادة وتحتاج إلى اجتراح معجزات. وزاد من الضباب المحيط بها في حالتي أن الإشارة إليها كانت بالإنجليزية: ميثودولوجي (methodology). ولذلك، حديثي يتركز هنا على التعبير كما هو بالإنجليزية لأنه أسهم في زيادة الضباب، بينما مصطلح "المنهجية" بالعربية لا ينطوي على الضبابية ذاتها المتعلقة بـ"ميثودولوجي".

للتأكد من صحة أو خطأ ما يقال لك عن المصطلحات، لا بد من استقصاء صواب ما يقال لك. بعض المصطلحات يتم ترديدها كثيرا، ولكن معناها في ذهني القائل والمتلقي قد يكون مختلفا.

عدلي الهواريأول ما أدركته عند الرجوع إلى الكثير مما كتب عن المنهجية، أنه من الخطأ استخدام "ميثودولوجي" إذا كان القصد المنهج/المنهجية (الطريقة)، فمصطلح ميثودولوجي يعني علم المناهج/الطرق، على غرار مصطلح علم الأحياء (biology).

لكن استخدام مصطلح ميثودولوجي في سياق الحديث عن منهج البحث خطأ شائع جدا، ودون اكتشاف ذلك بنفسك، وتوثيق ما اكتشفت، لن يمكنك سد باب يأتي منه دون أساس صائب خطر الإشارة إلى وجود نقص أو خلل في عملك على البحث وإعداد الرسالة، سواء أجاءت الإشارة من المشرف/ة أم ممن توكل إليه جامعتك مهمة الاطلاع على بعض ما كتبت أثناء مراحل الكتابة المختلفة.

المصطلح الصحيح في سياق الحديث عن منهج البحث هو ميثود (method)، وتمكن ترجمته إلى الطريقة، أو المنهج، ويمكن أيضا استخدام صيغة الجمع ميثودز (methods). وينصح من يحسنون التمييز بين ميثود وميثودولوجي باستخدام تعبير بديل وهو بروسيجار (procedure)، ويعني الإجراء، أي الخطوات التي اتبعتها في البحث.

بعد الكثير من القراءة، وجدت أن مناهج البحوث تقسم إلى فئتين: الكمي (quantitative) والنوعي (qualitative). الكمي يعتمد على الإحصاءات وتحليلها والخروج باستنتاجات بناء على ذلك. في المقابل، المنهج النوعي يتوصل إلى الاستنتاجات دون الاعتماد على الإحصاءات (ستراوس وكوربن 1998، ص ص 10-11).

لا يعني المنهج النوعي عدم استخدام أرقام وعمليات حسابية، ولكن المجمل يكون نوعيا. ولا يمكن الفصل التام بين النوعي والكمي، وما قد يتفرع عنهما، ولذا من المحتمل كثيرا أن يكون منهج بحث ما مزيجا من مناهج فرعية: نوعي ودراسة حالة مثلا، أو أن يكون جزء من البحث عمليا (empirical)، وجزء آخر نظريا (theoretical).

من المصاعب التي واجهت أثناء بحثي فهم سبب الاعتراض على الحالة التي اخترتها للدراسة (case study)، فلم يكن واضحا لي إن كان الاعتراض على الحالة نفسها، وبالتالي عليّ تبرير اختيارها بشكل أفضل، أو اختيار حالة أخرى، أم أن الاعتراض على منهج دراسة الحالة.

عندما جاءني الرد كان فيه تركيز على أهمية التوصل إلى استنتاجات يمكن تعميمها، وبالتالي أصبح واضحا أن الاعتراض كان على منهج دراسة الحالة ككل، وهذا كان من وجهة نظري اعتراضا غريبا، فمنهج دراسة الحالة ليس جديدا. وتركز الاعتراض على أن دراسة حالة ما لا تجعل من الممكن الخروج باستنتاجات عامة على أساسها.

للتغلب على هذا الاعتراض، بررت بشكل أفضل اختيار الحالة، وأوضحت أن دراسة الديموقراطية في العالم الإسلامي مهمة أكبر من أن يتولاها باحث واحد، ولو قلت في مقترح البحث إنني أريد أن أدرس الديموقراطية في كل العالم الإسلامي، لاختلفت أرضية الاعتراض ولقيل لي كيف يمكنك أن تدرس كل الدول ذات الأغلبية المسلمة؟

دافعت أيضا عن منهج دراسة الحالة في الفصل التمهيدي من الرسالة، وقلت إنه منهج مستخدم كثيرا، وأشرت إلى أن بعض رسائل الدكتوراه في جامعتي كانت عن شخص واحد، وليس دولة واحدة.

يقول فان واغينان (1991، ص 114)، إن مبرر البحث هو أن فعل ذلك يساعدنا على الفهم، ويحذر من تبرير البحث بأن له "تطبيقات عملية".

خلاصة القول هنا إن مما يعيق مسيرة الباحث/ة مواقف مبنية على فهم خاطئ لمصطلحات أو منهجيات أو نظريات. وتفادي هذه العراقيل يكون بمزيد من التعمق، وتقصي صحة ما يقال لك من المشرف/ة أو غيره/ـا.

ولكي أبدد الضباب أكثر اطلعت على مجموعة من رسائل الدكتوراه. هناك قواسم مشتركة في الرسائل طبعا، ولكن فيما يخص المنهج تحديدا، وجدت اختلافا كبيرا في الرسائل، فهناك من كتب عنه كثيرا، وهناك من خصص له جزءا من فصل، وهناك من كتب عنه ملاحظة في الهامش.

على ضوء ما شاهدت في عدد من الرسائل، حذوت حذو من خصصوا فصلا تمهيديا يتكون بشكل رئيسي من ثلاثة أجزاء: المنهج، والنظرية/الإطار النظري، ومراجعة الأدبيات. وضمنت هذا الفصل شرحا لبعض المصطلحات التي كررت على مسمعي، وتبين لي أن الفهم الشائع والمفترض لها ليس صحيحا.

= = = = =

Strauss, A. L. and Corbin, J. M. 1998. Basics of Qualitative Research: Techniques and Procedures for Developing Grounded Theory. Thousand Oaks: Sage Publications.

Van Wagenen, R. K. 1991. Writing a Thesis: Substantive Style. Englewood Cliffs NJ: Prentice Hall.

D 25 كانون الثاني (يناير) 2015     A هموم أكاديمية: ع هـ     C 1 تعليقات

1 مشاركة منتدى

  • فعلا هذه مشكلة الخلط بين المصطلحات و بالتالي الخطأ يكون في التطبيق والمتعب جدا للباحث هو الخطأ الشائع الذي يصبح عرفا فيما بعد ولاسبيل الى حل هذه الاشكالية في التطبيق الا كما تفضلت بتغيير المسمى و شرح طبيعة كليهما و موقعه في الرسالة المقدمة و الفرق بين ال Methodology وهي الخطوط الاصلية للكتابة والمنهج والمتبع و ال procedure وهي العمل اليومي المتواصل والمتغير في حال اتخذ اتجاها يغاير القصد هذا الفرق كبير و تاثيره اكبر وبالفعل يجب ان يأخذ حيزا من الاهتمام الاكاديمي للتفريق بينهما و الايفاء بمتطلبات كل منهما .


في العدد نفسه

كلمة العدد 104: الفقر والعدالة الاجتماعية

العربية الفصحى واللغة الثالثة

المواطنة بين الدين والعلمانية: لبنان نموذجا

الشعراء الجدد: ظاهرة إعلامية وصوتية؟

انزياح "الغريب" من خلال الممارسة النحتية لمارك بولياي