عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هدى أبو غنيمة - الأردن

ويبقى الفرح وحيدا


هدى أبو غنيمةلم يسمع أحد من المدعوين إلى حفل الزفاف الآخر، فقد عطلت الموسيقى الصاخبة التواصل، فتواصل كل منهم ببصره مع ما استهواه في القاعة من الناس والثريات الفخمة، وفنون التزيين، وصورته في عيون الآخرين كما يراهم، بينما كان الفندق غارقا في عتمة مثل عتمة المجهول، عتمة لا يبددها سوى مصابيح خافتة مبثوثة هنا وهناك بين الأشجار المحيطة بالحديقة وعلى بعض الجدران، تتأرجح مع كل هبة ريح تأرجح قلوب حائرة بين السعادة والرضا.

وما إن دخل العروسان القاعة حتى تعالى صوت الموسيقى ممتزجا بالزغاريد، وكأنه صوت وجدان جمعي لمجتمع قلق يتناسى همومه في لحظات فرح، ويعبر عن اضطرابه وحيرة هويته بين الشرق والغرب، بفوضى اللباس والسلوك وطقوس الاحتفال.

نساء وصبايا يتقمصن هيئات النجمات، ويتجاهلن حقيقة ذواتهن الأجمل، ورجال يبدون في خطواتهم منضبطين على إيقاع طبل الزفة.

اندفع بعض الحضور من الشابات والشباب إلى حلبة الرقص مستجيبين لنداء الحياة معبرين عن فرحتهم بالعروسين.

لم يكن ما يدور في أعماق نفوس بقية الحضور من أحاديث أقل صخبا من أجواء الحفل: بعضهم استعرض حفلات زفاف كانت أبسط وأصدق فرحا، وبعضهم الآخر اشتبك مع ما مضى من الزمن بذكرى زفاف تلاشت حلاوة لحظاته في مرارة الخيبات، بعضها علاقات لم يتحقق فيها التكافؤ بين شريكين، وبعضها الآخر أفسدته عقود الصفقات وجشع الاستثمار.

في ركن من أركان القاعة زوجان يتصنعان الألفة ويكتمان لوما تراكم بعد أشهر من الزفاف حتى استحال جفاء.

في أركان أخرى صبايا حالمات يغزلن بخيالهن أثواب الأحلام القادمة، ونساء تعلو وجوههن مسحة حزن بعد أن صحون من أحلامهن على عثرات في دروب الحياة.

بينما كانت شاشة العرض في صدر القاعة تعرض صورا من طفولة العروسين، كانت ذاكرة الحضور تستعيد صورا من الطفولة، بعضها لطفولة بائسة شقية جملت أقدارها إرادة الحياة والنجاح، وبعضها الآخر لطفولة مترفة هانئة انطفأت أحلامها في مواجهة العثرات، فغدت أسيرة ذاكرة تغص بلوعة الحسرة.

حينما خرج آخر الحضور مع العروسين وأطفئت الأضواء، بقي الفرح وحيدا يردد صدى زفاف الأمل بالحياة.

D 25 كانون الأول (ديسمبر) 2014     A هدى أبو غنيمة     C 16 تعليقات

8 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

تهنئة بالعام الجديد 2015

كلمة العدد 103: تقييم الشعراء والأدباء

جمالية السرد في "هكذا حكم ..." لياسين باهي

الحياة في عتمة شمسٍّ لا تغيب

أدب الرحلات بين الجغرافيا والإبداع