عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

المهدي كرومي - المغرب

شريف وشريفة


المهدي كروميفي صوت شريف بحة أصلية، زادت في حلقه أكثر، لينتصر فيه صوت جهوري غير عادي، ودار لحم جسمه أكثر من دورة، على غير معتاد عود ذاته المعروف به، في الوقت ذاته نمت شعيرات ذقنه هنا وهناك، أكبر من زمن الأيام الخالية. وكأنه بريح أو روح تنفخ في كيانه من الداخل، لكي توظف بعض القوى البارزة كأسلحة، واجدة تنافح عن الهوى الجديد الذي أكسبه بعض الهم.

شريفة في المقام الثاني شيء وردي انسكب على حيائها، أذهل الذات والروح وغدا أمرا مقلقا. شاهدتها الوالدة مغبرة النظرة، ساهمة الوجدان حيرانة الخطو، حينها نادت في روعها بعدما ألمت بحوار صريح معها، بأن لا خوف عليها ولا هي تحزن.

وبعد، نما إلى علم وجدانهما أن الحياة، في شوق إليهما كأي الشبان والشابات، يريان هذه الابتسامات الريانة، من وجوه الحسان والحسناوات، في مقتبل العمر مثل سنهما، يذودان في منبر الوجدان عن مكانة ما بين الأقران والقرينات، فحيا على المحبة.

كان شريف في الليل يجمع نصا من كلمات مبينة، يقيم لها سيناريو بالصوت والصورة، أو يمسرحها على خشبة المسرح، في حوارات شيقة لا تنتهي، يشقى لذلك ويسعى في انتظار أن تقتنع شريفة، أنه الوحيد الأنسب كفارس أحلام، يحقق لها كل ما تصبو إليه في جنة الدنيا.

يأتي النهار بعد السهر، يراجع النص الذي حفظ عن ظهر قلب، يفتر ثغره عن ابتسامة عريضة، يقبل يد أمه وأبيه، وفي دوامة الذهول في القضية، ينسى ويقبل كل من بالدار، حتى يد أخته التي يناصبها العداء في كثير من الأحوال.

في المدرسة ينتظر بفارغ الصبر، وقت الاستراحة من أجل أن يبشر شريفة بالعهد الجديد الذي سيبنيانه معا، وكيف أنه فارس مقدام في مضمار الحياة، يقول لها سأفرجك على كل العالم، وسألبسك من كل حرير الدنيا، ولأصابعك العشرة الذهب والفضة والزبرجد والماس واللؤلؤ والمرجان والياقوت.

تخرج شريفة تطير مع الفراش، وتتقلب في ساحة المدرسة يمينا وشمالا، تلعب مع الصويحبات وتمزح معهن، وهي في غفلة عن المصير الذي بناه الفارس، ثم تنقلب إلى عين فصلها، في صحبة الشابات اللاتي صادقنها، في حبور ومرح من دقائق الاسترواح، لتكمل النصف الثاني من الصباح، على طاولة الدرس والفهم.

أخونا شريف ينقلب سروره هموما، ويعض على يديه. كانت الفرصة متاحة، كانت المناسبة متوفرة، كانت قريبة مني أكثر من مرة، وبعض المرات كان ظلها يتستر في ظلي، لتنجو من مطاردات صويحباتها. كيف لم أغتنم الفرصة؟ كانت بين يدي مبتسمة، وترد التحية بأحسن منها، كيف أن الصياد فقد الطريدة في الأوقات المناسبة.

أما الأخت شريفة الآن، في غفلة عن فارس الأحلام على الإطلاق، فهي بين تسريحة الشعر، واختيار اللباس المناسب، في منافسة شرسة مع بعض القرينات، لا تريد أن تظهر إحداهن بأحسن منها مظهرا، ولا أن تلبس أجمل من جديدها، ولا أن تسبق في الدرس والفهم والتحصيل، مع نقاط تتميز فيها، تشكر عليها من طرف الأساتيذ، وهذه أقصى رغبة وأول رجاء لديها.

كان الشريف في هذا الوقت، يبحث عن الطريق المناسب إلى قلب الغزالة، التي تحوم حول الحمى، قصد مسك ثروته في الوقت المناسب، أو حتى في الوقت بدل الضائع، وغدا كل يوم يغير في الكلمات ويبدل في العبارات ويفصل أكثر في النصوص، لعله يقترب من النص الجدير بفارسة أحلامه. إنما المسكين نسي أن الشجاعة على التواصل، هي التي تخونه لا النصوص.

يرجع إلى الدار مكشرا عن أنيابه ضد أخته، يقول لها أيتها الحمقى لماذا تركتني أقبل يديك؟ لماذا استغللت حبوري؟ تجيب: الصغير لازم يقبل يد الكبير. ويرد: هل أنت كبيرة؟ تقول: "من الكبير أنا أو أنت؟ ويقسم أن ترد له التقبيل على يده.

يبني ويهدم قصوره من ورق، وعند التنفيذ تذهل المرضعة عما أرضعت، لكن عين المحب ترضى عن كل نقيصة بله عن كل كمال، شريفة مليحة بشهادة الشهود، تعرف كيف تلائم ذاتها مع ملابسها، وكيف تنسق بين ألوانها، وتعرف كيف تخطو في الأبهاء بخطو منتظم، يذهل بسببه الشبان مثل الشريف.

ولكن الاهتمام بالمظهر، لا يخرج عن لياقة المدرسة، ولا يتجاسر على تحدي المحيط، وترضى عنه البيئة، فشريفة بنت الأصول، تحاول أن تكبر في العيون، ولا علاقة لها بجهة أخرى، يعجبها الثوب الحسن، والحذاء الحسن، والمحفظة الحسنة، والنية الحسنة.

عمل المستحيل من أجل الاقتراب من تراب رجلي شريفة، ولكنّ واحدا يعلم بالأمر، والآخر في غفلة من الأمر، فمتى تكون الصداقة؟

هو يمني النفس أكثر من المقام المناسب، فيقول غدا سأتزوجها، سأذهب أنا وأمي إلى منزلهم، وسأقابلها هي وأمها، بعدما نكون رتبنا الرضا والرضوان بيننا، غدا ستشهد المدرسة أو محيطها الميثاق النبيل، على أن يكون لنا في القريب العاجل الميثاق الغليظ مع والدينا، ونفرح جميعا، أقصد الأسرتين، لتبتهج البساتين بنفوس جديدة، والمدارس بأولاد جدد.

ويهدم النهار ما بناه الليل في دائرة مفرغة من الهواء، فتطلع الكرة به وحده إلى السماء، يتفرج على الدنيا وحيدا فريدا لا يلوي على شيء. وهي في دنيا الغفلة من قال لها من يقول لها، إن ذلك التلميذ الحيي يتتبع خطوها، أو حتى له نية في رصدها، ذلك كما يظهر من ربيع المستحيلات.

وتمضي الأيام وتظهر النيات، على الوجوه المسفرة بواسطة تعبير أو وشاية، من قال كانت النيات تظهر على العيون، والأيدي تسير على أثرها مقبلة ومدبرة، حتى اهتدى أخونا الشريف بن الشريف إلى الرسالة الإلكترونية العجيبة، القريبة من الذوات والنفوس في لمح من البصر أو هو أقرب.

طلب دفتر الاجتماعيات، وكانت أختنا شريفة تكتب بطاقة تعريف في أول صفحة، على عهد الدارسين والدارسات في تزيين الصفحة الأولى، ومن بين التعريفات العنوان البريدي، ففرح شريف فرحا شديدا، على إثره حول آخر نص كتبه إلى رسالة حب. والحب المكتوب يتلون في آفاق لانهاية لها.

القلب المقابل كان فارغا، نشبت الكلمات حرى على صيرورة قديمة في العمق البشري، فولدت نارا تلظى، لا يصلاها إلى شقي، هنالك دعا الشريف شريفة إلى اللقاء الأول، ليتبدل الشقاء سعادة.

طبعا الصبي لا يأبه إلى المناسبة كالصبية، رغم أنه الباذل الجهد، وطالب المطلوب، لكن الصبية تأبه للجديد المثير أكثر، فاشترت لباسا جديدا، جلبابا مغربيا أصيلا أظهرها في صف العروسات، وبدت كبيرة في نظر الرائي فما بالك إذا كان الشريف الصغير، المهم أن القضية جد في جد.

في اللحظات الأولى مع الجنس اللطيف، ومن بعيد وهي تقصد المكان المعلوم، تمنى لو أن الحقيقة خيال، وتمنى لو أن الوقت تخطى الوقت، لكيلا ينتظره مثل هذا اللقاء، وتساءل هل هذه هي شريفة، زميلة الدراسة، شريفة التي تنط هنا وهناك بلا أدنى تحفظ؟ ماذا أصدق هذه السيدة أم تلك البنية التي تجري وتلعب، وتخوض مع خائضات الاستراحة والاسترواح؟

فترت النفس بسبب الذهول الذي صبته على القلب دورة الحياة، التي لم تأت في الوقت المناسب، ثم ظهر له الربيع في نهاية النفق تحت أضواء النهار الجميل، لكن بدل انتظار وصول فارسة الأحلام، يطلق رجليه للريح لعله يدنو من الحلم الجميل في ساعة أخرى.

D 25 آذار (مارس) 2015     A المهدي كرومي     C 4 تعليقات

2 مشاركة منتدى

  • سردٌ سلِس السّبك، أنيق اللّفظ عذب المعنى،يتنامى في رقّة، يرهف لها السّمع، يرق القلب ويستأنس؛ فتنفتح أساريره بصور ندية، وقد تمثلت لي ـ بعفوية ـ قصيدةُ كنت قد قرأتها منذ سنوات مضت لصلاح عبد الصّبور "شنق زهران": ونمت في قلب زهران زهيره. فنقلتني إليها. العنوان موحٍ جدا مناسب للغاية. تقديري


    • جارتي العزيزة كوني على يقين أنني بكلماتك الرائقة وجدتني قد حصلت على أكبر جائزة يمكن أن أمنحها، لكوني أولا لمست أنني أمام مفردات ناقدة، حذقت الحرف في تجلياته العميقة، وما كلمة العفوية في هذا التعليق الجميل، إلا دليل على ما توصلت إليه من حسن إفادتك. وثانيا ربطك لي بشاعر كبير مثل صلاح عبد الصبور إلا رجاء كبير ذاتي يثوي في العمق، أن نصبح جميعا من المبدعين ولما لا الكبار إن شاء الله تعالى، وأن الإبداع من أرومة واحدة. والكتابة إليك عبر مجلة عود الند المحترمة، يكفينا أن تنتمي إلى أياد فلسطينية حتى نحبها من أعماق قلوبنا، ونحب من يحبها. فبعد الاطلاع تقريبا في حينه يوم 26/03/2015، إلا أن كلماتك المباركة كانت علي ثقيلة من حيث عمقها، وخفيفة من حيث رشاقتها الأدبية، جعلتني أبدو خفيفا لا يمكن الكتابة في وقته، وثقيلا من حيث الرد يجب أن يكون على قدر مستوى مليكة المبدعة.
      تقبل الله في الصالحات أعمالك،تقديري

  • المهدي كرومي- المغرب

    في البداية؛ تجدر الإشارة المنصفة إلى طلاوة النص وحرفيتة العالية، أما في المضمون فهذه من نتائج الحرمان والكبت والتربية المتشددة في مجتمعاتنا. التي نالني منها نصيب وفير.
    «»


    • أخي الكريم في الوقت الذي تنصفني فيه، في الوقت الذي أفهم منه، أن علي بذل الجهد أكثر. إضافة إلى أن من الواجب علينا الانتباه إلى بعضنا البعض، من أجل إنجاح المسار الإبداعي من جهة، وإنجاح مجلتنا المحترمة من جهة أخرى، فهي مرآتنا ونحن مرآتها، كذلك تبادل الأفكار والأساليب والاطلاع على رأي الباحثين في الشأن الثقافي من ناحية، والشأن الأدبي من ناحية أخرى، واللذان يلتقيان في رافد واحد اسمه الإنتاج الفكري. تقديري، ونلتقي إن شاء الله بعد حين في: عندما تركت سكني في المدينة الجزء الثاني، ذلك أنني فيه في أكثر من قراءة.
      والسلام.

في العدد نفسه

كلمة العدد 106: المكتبة الجامعية المفتوحة دائما

أسماء الأفعال: دلالتها في شعر البحتري

قراءة في مسارات الإبداع الصوفي

قراءة في سيرة شكري عياد

المرأة ليست مرآة