عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

إيناس يونس ثابت - اليمن

أراكَ بقلبي


طفولة في وجه الشمس

طفولتي هامت في وجه الشمس. سمعتُ في المذياع: الشمس أمُّ الكون، فسألتُ نفسي: ترى كيف يكون وجه الشمس، ومن أي نقطة تشرُق؟ كيف تعلو في السماء ثم تغرق كجمرة وتنصهر في الماء الأزرق وتعود لنا صفراء زاهية؟

نويتُ الاستيقاظ قبل الفجر ومراقبة مطلعها، أصغيرة ثم تكبر؟ ألها عينان وتبتسم أم خجلى كوجه القمر؟ أراقبها من النافذة فتصيح أمي: لا تنظري للشمس، ستؤلمين عينيك.

ناديت الشمس: أيها القرص العجيب في السماء أتشرق لأجلي وتلاحقني وحدي؟

ركضتُ كثيرا وكل ما ابتعدتُ رأيتها برفقتي لا تفارقني. أدور وأرقص وأرى شعري يتلون مع ضوئها، بني مُحمر كوهج النار، الشمس تجعل شعري أجمل، وعينيَّ في حضورها أجمل كحبة لوز عالقة في شجرة قصر السلطان.

شروق الشمسطلبتُ مرة رحلة صباحية إلى شاطئ البحر علّني أرى منزلها، نمتُ في الطريق وفاتني مطلعها، أحضرتُ قبعة صوف لأجمع خيوطها الذهبية بداخلها ليصير معي كنز. قفزتُ لأجمع البعض منها، ضممتُ قبعتي بقوة لأفتحها متفاجئة باختفاء كنزي، وعلى الرمل رسمتها، دائرة تحيط بها مثلثات صغيرة، لها عينان واسعتان وابتسامة عريضة.

غازلتها نوارس البحر فاختبأت خلف غيمة، سُررت فالشمس تخجل مثلي وغضبتُ وحسدتُ النوارس فلقد رأت وجهها وتمنيتُ لو نملك طائرة بدل السيارة لأصعد إليها وأراها كنوارس البحر حتى داعبتني فكرة، تناولتُ حجراُ همستُ معه أمنيتي ورميته للسماء. سقط الحجر أرضا ولم تصِل أمنيتي ولم أر وجه الشمس.

لأنكَ أجمل

يا من يهوى الجمال أقبل، أحدثكَ وتحدثني، أفهمكَ وتفهم لغة نفسي.

كبرتُ برفقتك ونما بيننا اتصال، استرحتُ لمعجونك الفضي وسعيتُ لأكون مثلكَ في الجمال والوصول للكمال فيه.

أيها القمر ملهم الشاعر وفتنة الناظر والمتفرد بالحسن في السماء، أخذتَ جمالكَ من غزل المحبين فبدوتَ كجناح حمامة بيضاء وزهرة ياسمين، تبعتك لأنك أجمل فطليتُ أظافري ولونتُ شعري بلون الكستناء.

أثمرتْ على خديَّ فاكهة الكرز وزينتْ خدي الأيسر شامة وشعري جدائل طويلة، ولم يكفني سكر في وجهي فرجوتُ تفاصيل أخرى كلدغة في الراء واكتساب روحي الفكاهة.

أيها القمر ما نفعه الجمال إن كان كلوحة لشجرة تفاح الجنة، فلا يدي تصل إليه ولا يذوق لساني حلاوة سكرته ولا تنعم قدماي بملامسة تربته النيرة من الجنة، أما أنتَ ففي وجهك البهي تحملُ أسرار المحبين وإلهام الشاعر وأنفاس صبية تبوح لكَ بالسر، وما خنتْ حتى بلغتَ في حفظكَ وأمانتكَ لأسرار العالمين مبلغ العابد الأمين.

وأما أنا فإني أخشى، جدّ أخشى، أن يختبئ خلف الحسن أرضا بورا وظلاما وطينا، وأتوق شدُّة ما أتوق لجمال الروح والسجايا، فارتقيتُ بفضائلي لأبلغ منزلكَ، فسلكت روحي مسلكَ الجمال ووصلتُ جنة تعلو طبقتها موضع شجرة التفاح، فرأيتُ عرق العامل الفقير أصفى من قطر الندى على ورق الزهر اليانع الأخضر، وزمهرير الشمس فتنة للسنابل، وصوت ملمع الأحذية في الطرقات كنداء الفجر يستجدي غناء العصافير، واتسعت لي أصغر بيت وراقت هندسته الناعمة الرقيقة كأفخم قصر بنفسي الكبيرة. وكل ما ازددت فضيلة ازددتُ جمالا وقربا منك أيها القمر.

أراكَ بقلبي

كبرتُ أكثر وزاد اضطرابي كموج البحر، غرقتُ بظلمات بعضها فوق بعض، ببصر شاخص يعبر بلا حدود أرجاء المدى، وكحقل بنفسج أينعت روحي بخيوط نورك تتخلل أوصالي فمتُّ شوقا كي أرى وجهك.

أتيتك أجري: لبيك؛ لبيك. أحببتني منذ العدم فرأيت حبكَ في بسمة العاشق لمحبوبه، وحنانكَ بل بعض حنانك في ضمة أم لطفلها، ورزقكَ يا من رزقتَ الفيافي المطر في قوت العصفور باكورة الصباح. وجمالكَ! تجلَّى جمالكَ في كل لون وحسن وتغنَّى به نور الصباح.

همستُ باسمك فأصبح قلبي رياضا وريحان من فؤادي تفجر، كنتُ ظمأى كغزال في البيداء فرواه كمالك يا كاملا كوجه البدر.

كنتُ وحدي وفضاء الكون أرحب لا يضيق ولا يسعني. يضيق فكري ولا تضيق، يضيق قلبي ولا تضيق، والناس تفنى والكون يفنى ووحدك باق.

كنتُ نجمة ضئيلة في مفرش النجوم في السماء أجهل كيف يغني قنديل البحر وكيف السماء تعود يوما للتراب، فكنتَ الدواء لروحي وللروح روح وغاية كل غاية، سلّمتُ روحي ووجهي إليك ومددتُ يدي أصلي لأجلك، فصلّى الليل ولون البحر بعدي وابتهل النخل باسمك يُقبّل نصف الثمر ولأجل مريم تحمل روحا بأمرك تدق النخيل بكفها وتصلي لأجلك يا من ليس كمثلكَ شيء.

رأيتُ نور مريم أمام النخيل فردّدتُ اسمك وعلى النخيل ضربت بكفي، دعوتُ كمريم، وناديتك: لبيك؛ لبيك. أراك بقلبي فإليك حياتي، مماتي، نسكي، إسمي، وجهي، فكري، قلبي وكلي ملك يديك، وإليك السلام وأنت السلام.

D 27 حزيران (يونيو) 2015     A إيناس ثابت     C 8 تعليقات

4 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 109: التحريض في برامج الدردشة

اللغة الأمّ في الجزائر

العود وحضوره في القوالب الموسيقيّة

الموسيقى في أسلوب طه حسين

دوستويفسكي: رائد الرواية النفسية