عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أشواق مليباري - السعودية

أبي العزيز


أتيتك أحمل حقائبي بعد أن ضاقت بي الأرض بما رحبت، شاكية باكية، أبوح لك بسري وأطرح أمامك همي وأنت أبي. ففتحت لي قلبك ودارك، وأوليتني سمعك وانتباهك. لجأت إليك بعد أن ضجَّ الصبر من سكوتي وحرضني على الشكوى، وما أقدمت إلا لأسترشد برأيك وحكمتك.

أنا يا أبي ومن سوء حظي، أو حسنه لا أدري، أملك قلبا ضعيفا هشا كقلب فرخ الطير، تفعل فيه الكلمة الحانية عمل السحر، فيرتعش شغافه ارتعاشات النخيل على الشواطئ الدافئة إذا داعبها النسيم. لكنه يتداعى وينهار كقلاع الرمل وقد ضربتها أمواج الكلمة القاسية.

لذلك فأنا أتجنب كل ما من شأنه أن ينال منه ويؤذيه، وأتوسل الحكمة والروية في تعاملي مع من حولي، مزودة بالصدق والوفاء والمحبة كما علمتني. ومع ذلك يعرض لهذا القلب الضعيف من هنا وهناك ما يؤلمه ويؤذيه ويسبب له التعاسة والحرج والضيق.

كل ما أعانيه في هذه الدنيا يا أبي، كما قلت لي دوما، إن هو إلاّ امتحان لصبري وإيماني، ولا ينبغي لليأس أن يكون له معنى في قاموسي. لقد أسعدتني وأنت تخبرني أنك إلى صفي، وستدافع عني، وستقطع اليد التي تمتد بالأذى إلي، فجفت دموعي، وهدأت نفسي، وأشرق وجهي من جديد.

وسألتني عن سعاد صديقتي. هي بخير يا أبي، مازالت تكافح لتوفر ما يكفل لصغارها العيش الكريم بعد رحيل والدهم. والسيدة أمل، هي بخير فزوجها الأسير سيفرج عنه بعد شهور.

وسألتني عن عفاف جارتنا. هي أيضا بخير تغالب إرادتها لكي تخرج من عزلتها وتعود فتنخرط في الحياة بعد استشهاد ابنها في ذلك الانفجار اللعين. أما سلوى يا أبي، فلم تزل على قيد الحياة، والحمد لله، رغم أن القصف نال من حيطان بيتها، فتكسر أثاث منزلها وزجاج شرفتها، واقتصرت خسارتها على المال.

أبي العزيز: إن شكواي لا تعدو أن تكون ترفا في زمن القنابل والبراميل المتفجرة والأشلاء، كما المظالم والمجاعات. و قد حازت لي الدنيا ما دمت أبيت آمنة في سربي، معافاة في بدني وعندي قوت يومي.

لقد فهمت يا أبي واستنار عقلي بعد أن كان ملبدا بغيوم الحيرة والقلق .لقد فهمت. وأنا الآن بخير. سأعيد حقائبي وأعود إلى نفسي. وإن لمحتني أمي وسألتك عني، فأخبرها أنك جهزتني، وبدلت حقائبي فملأتها من جديد حبا وطمأنينة، وأمنا وسلاما.

D 25 آب (أغسطس) 2015     A أشواق مليباري     C 14 تعليقات

7 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 111: بدء العام الدراسي 2015

الأدب الجزائري القديم ج2

جغرافية اللغة ونظم المعلومات

أعمدة الأدب العربي

رجل بين أوراقي