عدلي الهواري
كلمة العدد 112: الأدباء والمخابرات
الأدباء والمخابرات: مرصودون ومتعاونون
يوم الأحد، 4 أيلول/سبتمبر 2015، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في قسم الكتب مقالة بقلم جو ستيفنز جاء فيها أن مكتب التحقيقات الفدرالي، اف بي آي (FBI)، أخضع هذا الروائي للمراقبة منذ مجيئه إلى نيويورك مع زوجته وابنه الصغير في عام 1961. وكان ماركيز حينها في الثالثة والثلاثين من العمر. ولم يكن حينذاك شهيرا كما هو الآن[1].
وبموضوعية غير صادقة أو مقنعة، يقول الكاتب: "دافع اف بي آي لمراقبته [أي ماركيز] غير واضح، ولكن غارسيا ماركيز كان أتى للتو إلى الولايات المتحدة للمساعدة على تأسيس خدمة إخبارية للحكومة الكوبية [وكالة أنباء]. وفي الأعوام اللاحقة، أصبح يساريا بارزا وصديقا لدكتاتور كوبا فيديل كاسترو"[2].
أقول إنها موضوعية غير صادقة وغير مقنعة لأن الكاتب لا بد أنه يعرف أن الولايات المتحدة سعت إلى اغتيال كاسترو، وناصبت كوبا العداء منذ نجاح كاسترو ورفاقه في الإطاحة بحكم باتيستا الموالي للولايات المتحدة في عام 1959، وفرضت على كوبا حصارا شديدا لم يخفف إلا في الآونة الأخيرة التي شهدت استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفتح سفارة كل منهما في البلد الآخر في شهر تموز/يوليو 2015.
المخابرات البريطانية الداخلية، المعروفة بـ ام آي 5، راقبت أديبة بريطانية شهيرة هي دوريس ليسنغ (Doris Lessing)، التي فازت بجائزة نوبل للآداب في عام 2007، وتوفيت عام 2013، ومن رواياتها "العشب يغني" (1950). المعلومات عن ذلك وردت في مقالة كتبها ديفيد باريت، ونشرت في صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية يوم الجمعة 21 آب/أغسطس 2015. اعتمد الكاتب في مقالته على وثائق أفرج عنها في الآونة الأخيرة، كما يحدث عادة بعد مرور عشرين إلى خمسة وعشرين سنة عليها[3].
كاتب المقالة البريطاني أكثر وضوحا من نظيره الأميركي بشأن سبب إخضاع ليسنغ للمراقبة، ويقول إن الوثائق التي أفرج عنها تظهر أن ام آي 5 راقبت عن كثب "نشاطات ليسنغ من 1943 وحتى 1964 لأنها لعبت دورا رئيسيا في المشهد الأدبي اليساري في لندن"[4].
مقابل المثالين أعلاه لأدباء تعرضوا للمراقبة، هناك مثال آخر عن حالة تعاون أديب مشهور مع المخابرات. والمقصود الروائي البريطاني فريدريك فورسايث (Frederick Forsyth) الذي تجري أحداث رواياته في عالم الجاسوسية، ومنها روايته الشهيرة "ذا داي اف ذا جاكال" (يوم ابن آوى) التي حولت إلى فيلم بالاسم نفسه.
تحت عنوان "فريدريك فورسايث يكشف ماضي التجسس لـ ام آي 6"، نشر موقع بي بي سي الإخباري خبرا عن ذلك[5]، وجاء فيه أن الروائي، الذي عمل من قبل صحفيا في بي بي سي ووكالة الأنباء، رويترز، بدأ التعاون مع المخابرات الخارجية البريطانية أثناء عمله مراسلا صحفيا في فترة حرب أهلية في نيجيريا اثر انفصال المنطقة الجنوبية وإعلانها جمهورية سميت بيافرا (1967-1970). وحسب ما ورد في الخبر فإن الكاتب "قام بمهمات في روديسيا وجنوب أفريقيا، وفي ألمانيا الشرقية في ذروة الحرب الباردة"[6].
الأمثلة الثلاثة أعلاه ظهرت المعلومات عنها حديثا. هناك أدباء روقبوا قبلهم، ولن يكون مستبعدا ظهور معلومات مشابهة عن أدباء مشهورين آخرين في المستقبل. وإذا كان رصد بعض الأدباء، والتعاون مع بعض آخر، يتم في دول كالولايات المتحدة وبريطانيا، فلا يعقل أنه لا يحدث في الدول الأخرى، ومن بينها طبعا الدول العربية.
= = = = =
المراجع
[2] Ibid. (المرجع السابق).
[3] Barret, David. "MI5 Spied on Novelist Doris Lessing for Decades, Files Disclose." The Telegraph 21 Aug. 2015. Web. 8 Sept. 2015.
[4] Ibid. (المرجع السابق).
[5] "Frederick Forsyth Reveals MI6 Spying past." BBC News, 15 Aug. 2015. Web. 8 Sept. 2015.
http://www.bbc.co.uk/news/entertainment-arts-34101822
[6] Ibid. (المرجع السابق).
روايات ذكرت أعلاه
García Márquez, Gabriel. Love in the Time of Cholera. Translated by Edith Grossman. London: Cape, 1988.
Lessing, Doris. The Grass Is Singing. New York: Crowell, 1950.
Forsyth, Frederick. The Day of the Jackal. London: Hutchinson, 1971.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]
1 مشاركة منتدى
كلمة العدد 112: الأدباء والمخابرات, هدى أبوغنيمة عمان الأردن | 26 أيلول (سبتمبر) 2015 - 17:46 1
تحية طيبة د.عدلي الأدباء غالبا مرصودون وأذكر قصيدة لبدر شاكر السياب بعنوان المخبر حذفت من طبعات دواوينه القديمة ,وكذلك همش أدباء بسبب ما أسميه منفى الموقف ولعل في أدب هيرتا مولر الألمانية الحائزة على جائزة نوبل مادة ثرية لما تعرضت له من رصد واضطهاد .كل ذي رأي حر أو مثقف عضوي هو موضع شبهة في أي مكان في العالم فالثقافة إنسانية النزعة والسلطة لا تحب أن تسمع صوتا مختلفا عن صوتها ,لذلك فالعلاقة بين المثقف والسلطة علاقة مضطربة على الدوام ربما لأن السياسة فن الممكن وهندسة خرائط الطرق .في عالمنا العربي حول الخوف الأديب إلى رقيب على أدبه يطفئ وهج شعلته لو قيض لنا أن نرى بلادنا مستقرة ومزدهرة سيطلع من الأدراج المنسسية مايبهر العالم كله.