هدى أبو غنيمة - الأردن
قـرطـان
لم أكد أقطع الشارع إلى الرصيف المقابل، حتى فاجأني زعيق منبه سيارة مسرعة يقودها شاب أرعن. اندفعت إلى الرصيف بسرعة أخلت بتوازني، فتعثرت وارتطم جبيني بواجهة زجاجية لمتجر مجوهرات.
خرج صاحب المتجر ومساعده لاستطلاع الأمر، خشية أن أكون قد أصبت بجرح، ودعواني لأستريح ريثما ألتقط أنفاسي، ثم قدما لي كأس عصير كنت بحاجة إليه بعد أن كنت على قيد ثوان من الموت دهسا.
جلست أتأمل المعروضات بين رشفة وأخرى، وقد لفت انتباهي قرطان ذهبيان مرصعان بأحجار الزفير والعقيق واللؤلؤ لخارطة فلسطين. كنت قد رأيت نماذج شبيهة بهما تتأرجح في آذان نساء كثيرات أو قلادات، لكني لم أر صياغة تجلى فيها الإبداع الفني مثل هذين القرطين. أوليست أحجار الكرامة والحرية أغلى وأكرم وهي تزين أيدي صبايا وشباب فلسطين؟
لاحظ صاحب المتجر تأملي للقرطين، فقال: سيدتي هل أعجبك هذان القرطان؟ لقد اشتريتهما من معرض عالمي للمجوهرات شارك فيه صياغ مبدعون من الشرق والغرب. أستطيع أن أقدم لك خصما معقولا، رغم ارتفاع ثمنهما.
قلت وأنا أتأهب لمغادرة المكان: شكرا جزيلا لاهتمامك وحفاوتك، ربما أعود في وقت آخر.
عدت إلى سيارتي، وضعت شريطا لقصيدة أمل دنقل:
"لا تصالح، ولو وهبوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك، ثم أثبت مكانهما جوهرتين، هل ترى؟"
توهج في ذاكرتي قرطان ذهبيان أهديا لي ذات عيد. لم يكن قد مضى على احتلال فلسطين عقد من الزمن بينما كانت أصداء الثورات في معظم أقطار العالم العربي ضد المستعمر تشغل الناس، قلق مبهم يرين على أجواء العيد وإحساس بافتقاد الأمان يطل من عيون الصغار. لم نكن ندرك كنه ما يحدث حولنا تماما، ودفق الحياة في قلوبنا الصغيرة يؤرجحنا على أقواس قزح.
كنت قد أضعت قرطيّ الذهبيين قبل أيام من العيد، فوعدتني أمي بتعويضهما في العيد، ولم تستطع الوفاء بوعدها، فقد أجل والدي تلبية طلبي إلى عيد آخر.
وفى والديّ بوعدهما في عيد آخر، لكنني وعيت أن حبتي تراب من وطن حر ضيعه لهو الكبار أغلى من قرطين ذهبيين ضيعهما لهو الصغار.
◄ هدى أبو غنيمة
▼ موضوعاتي
5 مشاركة منتدى
قـرطـان, ايناس ثابت اليمن | 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 22:07 1
" تراب من وطن حر ضيعه لهو الكبار أغلى من قرطين ذهبيين ضيعهما لهو الصغار".
جملة جميلة جدا وغالية.
حفظ الله فلسطين، ودامت حرة. وحفظك الله أستاذة هدى ودام حرفك حرا.
1. قـرطـان, 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 18:08, ::::: هدى أبوغنيمة عمان الأردن
شكرا لمرورك الكريم أ/إيناس أرجو أن تكوني بخير وأمان.
قـرطـان, مريم -القدس | 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 08:39 2
هما اشتدت العواصف والرياح فإنها لا تقتلع الجبال وإنما تكنس الأتربة والرمال !
فلسطين هي جوهرة التاريخ ومعلمه وحضارته مهما حاول صاغة الشرق وغربه التلاعب في هذه الجوهرة الثمينة وتبديل معالمها وتزييف حقائقها ستبقى صامدة بإرادة شعبها وحبه للحياة والحرية ..وسيعود الحق لأصحابه ولو بعد حين ..!
أشكرك وأقدر لك أستاذه هدى هذه المشاعر الصادقة النبيلة
1. قـرطـان, 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 10:23, ::::: هدى أبوغنيمة عمان الأردن
تحياتي أ/مريم لك وللقدس شكرا لمرورك الكريم واهتمامك.
قـرطـان, زهرة يبرم/ الجزائر | 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 00:09 3
تحية لك أستاذة هدى، نص موفق عميق الفكرة وهي صادرة عن دفق شعوري قوي يعكس ما بداخلك من صدق حب وانتماء للوطن السليب.. "هل ترى حين أفقأعينيك ، ثم أثبت مكانهما جوهرتين هل ترى؟"، عبارة بليغة غنية عن الشرح.. أشكر شموخ قلمك وبالتوفيق دوما..
قـرطـان, فنار عبد الغني - لبنان | 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 17:30 4
أ/هدى أبو غنيمة
تحياتي لك ولاسرة عود الند
لا أعتقد أنهم كانوا كبار ،لو كانوا كبار ماخلفوا لغيرهم الشقاء،وفي النهاية أجد أن الجميع صغار أمام مصائرهم مهما عظموا. اليوم نحاسبهم وغداً سيأتي من يحاسبنا . شكراً جزيلاً لك.
1. قـرطـان, 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 10:31, ::::: هدى أبوغنيمة عمان الأردن
أ/فنار تحياتي وتقديري لمرورك الكريم ولما تكتبين ,وعذرا لتأخري في التعليق أو الاسترسال في الإجابة ,وفي كل تعليق على أي نص إضافةإليه مع تقديري وأطيب تحياتي.
قـرطـان, هدى الدهان | 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 07:37 5
لنُبقِ اوطاننا في قرطين على الاقل اننا نجسدهم في صورة اجمل .هل رأيت قرط منقسم الى نصفين سنته وشيعته او قرط منقسم الى نصف لسكان الشمال و الاخر لسكان الجنوب ؟ في الاقراط لامكان للدم ولا للحرب و لالقبر الشهيد .في القرط مكان للؤلؤة بدل الدمعة و لزمردة بدل الرصاصة . ليت اوطاننا مثل اقراطنا .
1. قـرطـان, 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 18:29, ::::: هدى أبوغنيمة عمان الأردن
أ/هدى الدهان تحياتي وتقديري لمرورك الكريم وآرائك المتوهجة بالحماسة الوطنية ,والرؤية المستقلة.