فنار عبد الغني - لبنان
أقوى من الحب
لم يكن الحب هو ما ربط بين حياتها وقلبه. لا زالت واثقة بأن شعورها تجاهه فاق الحب. في الواقع ظنت أن الأشياء الكثيرة التي جمعت بينهما كالشتات والفقر والنفي داخل مخيم مظلم يزداد صغراً يوماً بعد يوم لتزاحم اللاجئين المنبوذين والممنوعين من الأحلام عليه، هي ما جذب روحهما المعذبتين، لكن تباعد أماكنهما وتغير عوالمهما بعد مرور عقدين دحضا تلك الفكرة لديها.
لقد ظلت ومنذ اللحظة الأولي لتدفق هذا الشعور شديدة الحرص على حجبه ومراقبته حتى في نومها كي لا تُضبط متلبسة وهي شاردة الذهن أو باسمة المحيا. كانت تغطي وجهها دائماً بكلتي يديها وهي تفكر به خوفاً من أن يساء فهمها وتنسج حولها الشائعات.
لا الثلاثين سنة التي انقضت من حياتها هدأت من تدفقه، ولا الحياة القاسية عليها أو الشحيحة بإغراءاتها الهزيلة والمذلة دفعتها لاستبعاده من عالمها، بل كان يتضاعف ويضاعف من عذابات روحها بفضل إحيائها المستمر له صباحاً ومساءً، وفي الأوقات النادرة التي تختلي فيها بنفسها تنشد السكينة.
لو لم يولد هذا الشعور ويشاطرها عمرها لكانت حياتها تقليدية كحياة كل النساء اللواتي عرفتهن داخل وخارج المخيم، لكنه كان ولا يزال شعور نادر الوجود، يشبه شعور النيازك التي تسبح في الفضاء باحثة عن كينونتها دون يأس.
ولد هذا الشعور خلال محاصرة القوات الإسرائيلية للمخيم صيف 1982، ولد تحت سعير القصف المستمر وتهاطل الشظايا وأزيز الطائرات والدبابات العنيف.
كان صوته الداخلي الساحر العميق النافذ من أقصى نقطة في قلبها قد غطى على دوي الأسلحة وأضاء عتمة المخيم لحظة التقيا عند ركام أحد البيوت المحترقة. حاولا جهدهما إسعاف الجرحى العالقين تحت الركام وانتشال الجثث المحترقة.
كانت قد تلقت دورة في التمريض في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بعد أن أجبرتها ظروف الحياة على عدم متابعة دراستها الثانوية والعمل لمساعدة أهلها. وهو كان قد أنهى دراسته الجامعية ثم أصبح فدائياً.
وبعد خروج القوات الإسرائيلية من المخيمات الفلسطينية والانتشار في الجنوب اللبناني، استمرا في أعمال مساعدة المنكوبين داخل مخيمهما، وكان من بين تلك الأعمال إحصاء أعداد المفقودين.
في هذه الفترة تكاثف هذا الشعور وانتشر كسحابة من طاقة مشعة تخطت سماء المخيم. فيما بعد اندلعت حرب المخيمات، وأصيبت قدمه وهو يحمل الماء للمحاصرين وبترت. وهي عملت جاهدة على إنشاء دارة تأوي أيتام المخيم.
وبعد مدة قصيرة بدأ القتال الفلسطيني-الفلسطيني داخل مخيمهما بعد انشقاق الفصائل عن بعضها، وهو رفض قتال إخوته، وفضل مغادرة المخيم والهجرة إلى شمال أوروبا.
طلب منها الارتباط، فرفضت واستمرت بالرفض لعقدين من الزمن، وهو استمر بمراسلتها وإرسال المال لدارتها ولأطفالها الذين يكبرون ويغادرونها ليأتي غيرهم وغيرهم.
يذهب إلى وطنه فلسطين زائراً بعد حصوله على جنسية أوروبية، يزور قريته ثم قريتها وينقش اسمها على إحدى أشجار اللوز ويرسل لها صور قريتها وكل القرى المهجرة التي زارها، وتعلقها فوق مكتبها وأمام عينيها، وتتخيل أنها هناك مع أهلها ومع كل الأطفال الذين ربتهم، وتتخيل أنهم عادوا، وترى الأرض جذلى بعودتهم فتنبت الأشجار العملاقة كالبرق من أعماقها، فيلتف الأطفال حولها ويقومون بنقش أسمائهم على جذوعها.
◄ فنار عبد الغني
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ
5 مشاركة منتدى
أقوى من الحب, ايناس ثابت اليمن | 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 22:18 1
ما أجمل روحك يا صديقتي الجميلة.
الحب الصادق لا يعرف الزمان والمكان وتقلبات الحياة أيضا، يبقى حاضرا في وجداننا وإن تباعدت الأجساد أو رحلت.
نص إنساني رقيق كما تعودنا منك.
حفظك الله.
1. أقوى من الحب, 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 17:18, ::::: حلا ياسين/لبنان
الحب الصادق اقوى من كل الظروف . قصة جميلة جدا بل رائعة
اتمني لك النجاح الدائم و ان تبقي الروح اللطيفة بداخلك دائما
شكرا علي جهودك بالتوفيق❤
2. أقوى من الحب, 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 20:00, ::::: امال مغربي عكا
شكرا للكتابة الرائعة لقد استمتعت بهذه القصة واعجبني صياغة الكلام واحداث القصة التي مزجت بين الحب والحرب بانتظار المزيد من
القصص الممتعة مع تمنياتي بالنجاح والى مزيد من التقدم الباهروبارك الله جهودك ايتها المعلمة الفاضلة
3. أقوى من الحب, 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 19:10, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
صديقتي العزيزة
أدام الله فيك الحب لتعطينا دائماً أرقى المشاعر وأجمل الكلمات.
لك أسمى التقدير.
4. أقوى من الحب, 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 19:24, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
أشكر لك صدق مشاعرك وكلامك وجمال روحك وقلبك وأتمنى لك دوام الصدق والمحبة.
5. أقوى من الحب, 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 19:28, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
أسعدتني كلماتك وأمنياتك. كم هي ثمينة ، شكراً على تشجيعك لي، مع خالص محبتي.
أقوى من الحب, براء محمد غنام /فلسطين (عمقا) | 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 16:48 2
الحب الصادق لا يعرف الزمان ولا المكان ولا حتى العمر . شكرا" على جهودك يا معلمتي الرائعة . فعلا" لقد إشتقت لحصصك المميزة و لثقافتك التي كنت تغمرينا بها. أتمنى لك دوام النجاح و التقدم و التميز <3 <3 بالتوفيق
1. أقوى من الحب, 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 19:06, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
الحب الصادق لا ينبع الا من روح صادقةوهو الذي يبقي على انسانية الانسان ويلهمه الصبروالتحدي لمواجهة قسوة الحياة.اشكرك يا عزيزتي.
لك مني كل المحبة.
أقوى من الحب, هبة العيسى _ لبنان | 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 20:12 3
فعلا الحب لا ينكسر بفعل الصعوبات فهو اقوى من كل الظروف...
قصة فائقة الروعة و الجمال و التعبير و الاحساس...
أتمنى لك معلمتي المزبد من التقدم و الإبداع..♡♡
مع خالص حبي و تقديري لك و تمنياتي لك بدوام العطاء و التألق♥♥
1. أقوى من الحب, 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 18:59, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
الحب هو قوة وطاقةتنتقل كالضوء ولا تمس الا الارواح الشفافة كروحك.
أتمنى لك دوام النجاح والعطاء وتحقيق الامنيات.
أقوى من الحب, دعاء اسماعيل /فلسطين | 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 04:22 4
كلام راقي وروح جميلة تعبث بالاحرف
مبدعة والا الامام
1. أقوى من الحب, 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 13:16, ::::: روان محمد
شكرا لك على هذه الكتابة الرائعة التي اثرت في نفوسنا ❤ اليك ايتها المعلمة الفاضلة اجمل الدعوات بمزيد من التقدم والنجاح و التوفيق ☺
2. أقوى من الحب, 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 18:40, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
شكراً لروحك الشفافة وكلماتك الغالية.
أتمنى لك دوام النجاح.
3. أقوى من الحب, 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 18:44, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
شكراً جزيلاً لأحساسك المفعم بالحياة.
أتنمى لك دوام النجاح.
مع محبتي.
أقوى من الحب, ولاء _ لبنان | 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 - 14:17 5
ابداع ورقي يغلف هذه القصة لا ادري باية لغة اكتب لاوصف هذه الشفافية والبراعة التي قلما تتكرر. بالفعل انت امام كاتبة جبارة لها خيال خصب زاد من تالقه تلك الثقافة الرائعة والرقي في سرد قصة حب تحت طابع سياسي حزين.