فنار عبد الغني - لبنان
الطائر السري
لا تزال حتى الآن تصغي إليه وهي حائرة، مدهوشة، لكنها سعيدة به، غير مصدقة لما يسمعها من نغمات عذبة وساحرة، تتلفت حولها في كل الاتجاهات، تبحـث عـن سـر هـذا الصـوت الشجـــي، لا أثر له. تسأل نفسها مجددا: من أين يأتي؟ ومن هو صاحبه؟
لا تعرف هويته حتى الآن، بداخلها تتكاثف أطياف الأسئلة حول هذا السر الرائع، سر شادي الألحان، لقد غير مجرى إيقاع حياتها الحزين، منذ أن أتاها صوتا فقط، هادرا بكل ترانيـم الحياة،مقبلا عليها بكل عناوين الربيع، منذ أن بدأت تصغي إليه، أيقظ الرمّان الغافي على وجنتيها، أنعش ندى الزنابق في عروقها، جعل الأغصان الجافة تخضر في ضلوعها، خلع عنها مرارة اغترابها عن ذاتها.
يا لروعة هذا الصوت السري الشجي! لقد أحدث كبرى المعجزات في روحها. صوت من هو؟ ليتها تكتشف سره. أيمكن أن يكون باعث هذه السعادة كائنا سحريا أم هو حلمٌ رائع أم أنها تتوهم سماع هذا الصوت وتريده بصدق وبقوة أن يكون حقيقة؟ كل هذه الافتراضات ربما كانت صحيحة لو أن الشعور به توقف عند حد سماعه، لكنه مع مرور الأيام كان يتجدد ويجدد الحياة فيها، لم يعد صوتا ساكنا يواسي وحدتها، بل فاق حدود التصورات .
بدأ يعلمها أناشيد الحرية والحب والأمل والفرح والأماني والسلام والتفاؤل والأحلام الأكثر سعادة. بات يرافقها صباحا ومساء، قبل وبعد أن تخلد للنوم. يأتيها ليضيء عتمة وجودها، يشق لها طريقا للنور والحياة، يخرجها من عوالم الشجن والخوف والحرمان واليأس، يدخلها إلى عوالم مضيئة، مشرقة بالبسمات والصفاء والبهجة والسلام.
هناك أنشدت، كما علمها، للحرية و للحب للأمل، واكتشفت ذاتها، وأيقنت أنها تملك صوتا حقيقيا وقدرة على الكلام، والبوح أيضا.
في الصباح الباكر تصحو، وتصحو معها الحياة، تسمع صدحه مجددا، تهز رأسها: " إنّه حقيقة، ليس حلما، أو طيفا". يدب في وجدانها كما تدب فيها الروح، يعلو صدحه، يقطر حلاوة، يغمرها فرحا وحبا.
لأول مرة، تسطع مساحات ناصعة في دنياها. تشعر بأن شيئا ما يحرك ضلوعها، يعظم شيئا فشيئا، تشعر بأن جناحين قد نبتا فجأة فيها، تكاد ترتفع عن الأرض، تطير وتحلق بعيدا عن ظلمات الألم ووحشة الوحدة، تسمو إلى البعيد البعيد.
اليوم وصلت بسرعة قصوى إلى ميدان الحرية رغم إحساسها بأنها لم تخطُ خطوة واحدة، وأن قدميها لم تلامسا الأرض، إلا أنها كانت على يقين بأن الصوت السحري هو من انتشلها من دنيا الأحزان إلى فردوس السعادة همسا.
في الميدان تسمع صوتا آخر يغرد ويلقي عليها تحية الصباح وشذى الربيع. تشعر بقوة جناحين يخفقان داخل جسدها الضعيف، يتحركان، يتدافعان، ينطلقان من أعمق نقطة في روحها حيث تنبض الحياة، يسبحان في كل شرايينها بسرعة هائلة، يجتازان الأوردة.
تتنهد، تزفر هواء نقيا، تلتمع الشموس في عينيها، يتحرر الصوت السري، السحري، الشجي، يتحرر من كلها، يحط رويدا على ثغرها الدافئ، الباسم، يرفرف مغردا: "صباح النور".
◄ فنار عبد الغني
▼ موضوعاتي
7 مشاركة منتدى
المبدعة فنار عبد الغني... تحية
بطلتنا، أصغت للصوت فدُهشت، وسُعدت، وتجددت الحياة فيها، وبدأت تتعلم (أناشيد الحرية)، فهل ستحوّل كل هذا إلى فعل؟
أبدعتِ، وللمزيد مما يسعدنا قلمك، وبالتوفيق الدائم.
1. الطائر السري, 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 18:28, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
أستاذنا العزيز زكي
تحية طيبة
على البطلة أن تستمر بالاصغاءوتنتقل من دور المتلقي الى دور الفاعل ، وهي بمرور الوقت ومع تغير شعورهاودفق الحياة الهادرة فيها سوف تبدع.
شكرا لك على قراءتك القيمة للنص وشكرا على التشجيع.
ودمت لنا ياصاحب القلم المشرق.
2. الطائر السري, 22 كانون الأول (ديسمبر) 2015, 14:50, ::::: حلا ياسين/لبنان
معلمتي المبدعة فنار
قصة جميلة جدا و افكار مبدعة و احساس جميل اتمني لك االتقدم الدائم
شكرا لجهودك
3. الطائر السري, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2015, 13:16, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
عزيزتي حلا
أدام الله احساسك المرهف وشكرا لمرورك اللطيف.
الرائعة فنار
عنوان نصك جذاب، والنص لايقل جاذبية عنه.
استمعت للصوت ورفرفت معه .إلى النور والحياة والسعادة والأمل ورفرف شعوري معها.
أدام الله لك إبداعك وإحساسك الرقيق.
1. الطائر السري, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2015, 13:20, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
الغالية إيناس
أنت تملكين ذلك الصوت منذ زمن بعيد، وهو يرافقك ويتدفق عذوبة منك، ويجعلنا نشعر معك بالسعادة.شكرا لك.
الطائر السري يرافقنا دوما لنتغلب على قسوة الحياة وخيباتها
1. الطائر السري, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2015, 13:30, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
عزيزتي ندى
ايتها الشفافة الرقيقة، لولا ذلك الطائر لدفنا آمالنا كما تدفن النعامة نفسها في الرمال، أتمنى أن يرافقك الطائر ويجعلك تحلقين عالياً.
رائعة فنار ابدعت
1. الطائر السري, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2015, 13:33, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
العزيزة نور
أشكر مرورك الكريم.
معلمتي العزيزة لقد سحرتيني بكلامك!
أبدعت و جعلتينا نرفرف على أنغام كلماتك العذبة
يا ذات الوجه المشع بالنور والفرح و اﻷمل والصفاء والنقاء أتمنى لك دوام التقدم لك منا كل التقدير لجهودك <3
1. الطائر السري, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2015, 13:40, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
العزيزة براء
أعزك الله . كم هي عظيمة تلك الروح التي تبث فيك القوةوالتي سترفعك في المستقبل من عالم الامنيات لى القمة وتجعلك ترفرفين بلا كلل.شكرا لك .
دائما أشعر بالدفء بين سطور كتاباتك وأنتظر بفارغ الصبر الامل الذي يختم مقالاتك
سلمت هذه الانامل المبدعة التي ولدت في روحي مزيدا من الثقة والامل
مثل كل مرة انتي مبدعة يا معلمتي
1. الطائر السري, 24 كانون الأول (ديسمبر) 2015, 13:47, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
العزيزة دعاء
كل الحب لك . اتأمل خيراً عندما أجد التأثير الطيب لكلماتي عليكم، مشاعركم هي التي تمدني بالحب . أتمنى لك دوام التألق. وشكرا
للمرة الثانية نقرا كلماتك الرائعة وقصص تجعلنا نسرح بالخيال بالتوفيق يا مس فنار
1. الطائر السري, 26 كانون الأول (ديسمبر) 2015, 13:59, ::::: فنار عبد الغني - لبنان
العزيزة آمال
شكراًً لمرورك الكريم، أدام الله الطفك،ورافقك التوفيق.