عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 10: 108-120 » العدد 114: 2015/12 » كلمة العدد 114: خمس سنوات على محاولات التغيير

عدلي الهواري

كلمة العدد 114: خمس سنوات على محاولات التغيير


كلمة العدد 114: خمس سنوات على محاولات التغيير في العالم العربي: مناقشة لأسباب اندلاعها

.

عدلي الهوارييتزامن صدور هذا العدد، 114، مع مرور خمس سنوات على اندلاع انتفاضات جماهيرية في بضع دول عربية نجحت في تونس ومصر بإزاحة رجلين حكما البلدين طويلا.

صدرت بهذه المناسبة على ما يبدو دراسة عن قسم الشرق الأوسط في البنك الدولي تحاول تحديد أسباب الانتفاضات في العالم العربي. وأود أن أسلط الضوء عليها لأنها دراسة ذات صبغة أكاديمية وليست رأيا مثل الآراء الكثيرة التي تمتلئ بها الصحف والمواقع المختلفة كل يوم.

ولكن إشارتي إليها لا تعني تبنيا لتحليلها أو استنتاجاتها، بل أتعامل معها كما مع غيرها من أرضية نقدية، تقبل ما يمكن قبوله لأن الأدلة تؤيده، وترفض ما تراه غير صحيح، وتبين موطن الخلل في التحليل أو الاستنتاجات.

يعترف خبر الإعلان عن صدور الدراسة بأن الاعتماد على الإحصاءات والمؤشرات الاقتصادية وحدها يقود إلى الاستنتاج بأنه لم يكن هناك ما يدعو إلى الاحتجاج، وجاء ذلك بالصيغة التالية:

"من منظور البيانات الاقتصادية وحدها، ما كان ينبغي أبدا أن تحدث ثورات الربيع العربي عام 2011. فالأرقام من العقود السابقة تعطي صورة مشرقة: المنطقة حقَّقت تقدما مطردا نحو القضاء على الفقر المدقع، وتعزيز الرخاء المشترك، وزيادة معدلات الالتحاق بالتعليم، وخفض أعداد الجوعى ووفيات الأطفال ووفيات الأمهات. وكانت الإصلاحات تمضي قدما، ومعدل النمو الاقتصادي معتدلا"[1].

ولأن الاستنتاج أعلاه أظهر الواقع أنه غير صحيح، حاولت الدراسة البحث عن أسباب أخرى لتفسير ظاهرة انتفاضات 2011. من الأسباب التي تذكرها الدراسة عدم المساواة في الإنفاق على التنمية داخل البلد الواحد، مما أسفر عن تفاوت في الدخل. كذلك، عدم المساواة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين الجماعات العرقية في البلد الواحد.

وبالنسبة للسبب الثاني "ترى الدراسة أن التفاوت العرقي يعوق التنمية من خلال توليد الكراهية والحقد، وفرض حواجز أمام الحراك الاجتماعي، وخلق شعور بالظلم، وكذلك الصراع في حالات كثيرة"[2]. (اقرأ/ي في هذا العدد مقتطفا من الدراسة حول الأسباب بالتفصيل).

ومع أن الدراسة ذكرت أن المؤشرات الاقتصادية الحسنة وحدها تقود إلى استنتاج خالفه الواقع، أي اندلاع الانتفاضات، إلا أنها تعود للحديث بنفس اللغة، فتقول: "توقف الإصلاح الاقتصادي خلال المراحل الانتقالية ببلدان الربيع العربي، ولذلك استمرت المعوقات الهيكلية التي كانت موجودة في السابق"[3].

إن ما تسميه دراسة البنك الدولي الإصلاح الاقتصادي ووصفاته وغيره من المؤسسات المالية الدولية لإزالة "المعوقات الهيكلية" من ضمن الأسباب التي أدت إلى التفاوت في التنمية داخل البلد والواحد والتفاوت الكبير في الدخل بين أفراد المجتمع، وخلق طبقة صغيرة تتكدس الثروة في أيديها، وتلاشي ما يسمى طبقة متوسطة، نتيجة تدهور أوضاعها.

وللتذكير فإن البنك الدولي، وغيره من المؤسسات المالية الدولية، طالب بخصخصة المؤسسات التي تملكها الدولة، وكان من نتائج ذلك بيع مؤسساتها بأسعار زهيدة أحيانا، ونتج عن البيع حالات تسريح أعداد كبيرة من العمال، انضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل، وهم كثر. كما أن وصفات البنك الدولي، وما شابهه من مؤسسات، كانت تطالب برفع الدعم عن المواد الغذائية ومواد أساسية أخرى.

تقلص دور الدولة نتيجة الإجراءت المطبقة باسم الاصلاح الاقتصادي، ورفع الدعم عن المواد الغذائية، أديا إلى اختلال في الأوضاع المعيشية للأفراد، وتفاوت تنموي كبير بين المناطق المختلفة من البلد الواحد، بل وداخل المدينة الواحدة، وخاصة العواصم التي توجد فيها أحياء لقصور الأثرياء، وبيوت صغيرة (وعشوائيات) للفقراء.

اعتمدت المؤسسات الدولية والأنظمة كثيرا على المؤشرات الاقتصادية ونسب النمو، فساد وهم لدى المسؤولين في الجهتين أن الأمور على ما يرام، ولكن المواطن الذي يكافح من أجل توفير الأساسيات من طعام وفواتير ماء وكهرباء وأجرة بيت، وما شابه ذلك، كان يعرف أن نسب النمو الاقتصادي التي يتحدث عنها المسؤولون والاقتصاديون لا تعني له شيئا لأنه لا يرى لها أثرا إيجابيا على حياته.

وعمّق وهم الأنظمة والمؤسسات الدولية حالة "استقرار" فرضه وجود أجهزة أمن تمنع التعبير عن الرأي والاحتجاج، ولم يكن حالة طبيعة ناتجة عن سعي الناس إلى تحسين أوضاعهم من خلال الفرص الكثيرة المتوفرة لذلك، وتمتعهم بالحريات الأساسية، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.

= = = = =

الهوامش

[1] البنك الدولي، مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشرين الأول (أكتوبر) 2012، التفاوتات والانتفاضات والصراع في العالم العربي، على الرابط التالي:

http://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2015/10/21/middle-class-frustration-that-fueled-the-arab-spring

[2] Ianchovichina, Elena; Mottaghi, Lili; Devarajan, Shantayanan. 2015. Inequality, uprisings, and conflict in the Arab World. Middle East and North Africa (MENA) Economic Monitor. Washington, D.C.: World Bank Group, p. 34.

http://www-wds.worldbank.org/external/default/WDSContentServer/WDSP/IB/2015/10/19/090224b083155d51/2_0/Rendered/PDF/Inequality00up0ct0in0the0Arab0World.pdf

[3] المصدر السابق، ص 33.

D 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015     A عدلي الهواري     C 1 تعليقات

1 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

مقتطف: أسباب اندلاع الانتفاضات العربية

الكتابة في المنفى: حوار

ملف: يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني

ملف: مؤتمر حول القدس

ملف: مقتطف: اقتصاد الاحتلال