عدلي الهواري
كلمة العدد 114: خمس سنوات على محاولات التغيير
كلمة العدد 114: خمس سنوات على محاولات التغيير في العالم العربي: مناقشة لأسباب اندلاعها
يتزامن صدور هذا العدد، 114، مع مرور خمس سنوات على اندلاع انتفاضات جماهيرية في بضع دول عربية نجحت في تونس ومصر بإزاحة رجلين حكما البلدين طويلا.
صدرت بهذه المناسبة على ما يبدو دراسة عن قسم الشرق الأوسط في البنك الدولي تحاول تحديد أسباب الانتفاضات في العالم العربي. وأود أن أسلط الضوء عليها لأنها دراسة ذات صبغة أكاديمية وليست رأيا مثل الآراء الكثيرة التي تمتلئ بها الصحف والمواقع المختلفة كل يوم.
ولكن إشارتي إليها لا تعني تبنيا لتحليلها أو استنتاجاتها، بل أتعامل معها كما مع غيرها من أرضية نقدية، تقبل ما يمكن قبوله لأن الأدلة تؤيده، وترفض ما تراه غير صحيح، وتبين موطن الخلل في التحليل أو الاستنتاجات.
يعترف خبر الإعلان عن صدور الدراسة بأن الاعتماد على الإحصاءات والمؤشرات الاقتصادية وحدها يقود إلى الاستنتاج بأنه لم يكن هناك ما يدعو إلى الاحتجاج، وجاء ذلك بالصيغة التالية:
ولأن الاستنتاج أعلاه أظهر الواقع أنه غير صحيح، حاولت الدراسة البحث عن أسباب أخرى لتفسير ظاهرة انتفاضات 2011. من الأسباب التي تذكرها الدراسة عدم المساواة في الإنفاق على التنمية داخل البلد الواحد، مما أسفر عن تفاوت في الدخل. كذلك، عدم المساواة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين الجماعات العرقية في البلد الواحد.
وبالنسبة للسبب الثاني "ترى الدراسة أن التفاوت العرقي يعوق التنمية من خلال توليد الكراهية والحقد، وفرض حواجز أمام الحراك الاجتماعي، وخلق شعور بالظلم، وكذلك الصراع في حالات كثيرة"[2]. (اقرأ/ي في هذا العدد مقتطفا من الدراسة حول الأسباب بالتفصيل).
ومع أن الدراسة ذكرت أن المؤشرات الاقتصادية الحسنة وحدها تقود إلى استنتاج خالفه الواقع، أي اندلاع الانتفاضات، إلا أنها تعود للحديث بنفس اللغة، فتقول: "توقف الإصلاح الاقتصادي خلال المراحل الانتقالية ببلدان الربيع العربي، ولذلك استمرت المعوقات الهيكلية التي كانت موجودة في السابق"[3].
إن ما تسميه دراسة البنك الدولي الإصلاح الاقتصادي ووصفاته وغيره من المؤسسات المالية الدولية لإزالة "المعوقات الهيكلية" من ضمن الأسباب التي أدت إلى التفاوت في التنمية داخل البلد والواحد والتفاوت الكبير في الدخل بين أفراد المجتمع، وخلق طبقة صغيرة تتكدس الثروة في أيديها، وتلاشي ما يسمى طبقة متوسطة، نتيجة تدهور أوضاعها.
وللتذكير فإن البنك الدولي، وغيره من المؤسسات المالية الدولية، طالب بخصخصة المؤسسات التي تملكها الدولة، وكان من نتائج ذلك بيع مؤسساتها بأسعار زهيدة أحيانا، ونتج عن البيع حالات تسريح أعداد كبيرة من العمال، انضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل، وهم كثر. كما أن وصفات البنك الدولي، وما شابهه من مؤسسات، كانت تطالب برفع الدعم عن المواد الغذائية ومواد أساسية أخرى.
تقلص دور الدولة نتيجة الإجراءت المطبقة باسم الاصلاح الاقتصادي، ورفع الدعم عن المواد الغذائية، أديا إلى اختلال في الأوضاع المعيشية للأفراد، وتفاوت تنموي كبير بين المناطق المختلفة من البلد الواحد، بل وداخل المدينة الواحدة، وخاصة العواصم التي توجد فيها أحياء لقصور الأثرياء، وبيوت صغيرة (وعشوائيات) للفقراء.
اعتمدت المؤسسات الدولية والأنظمة كثيرا على المؤشرات الاقتصادية ونسب النمو، فساد وهم لدى المسؤولين في الجهتين أن الأمور على ما يرام، ولكن المواطن الذي يكافح من أجل توفير الأساسيات من طعام وفواتير ماء وكهرباء وأجرة بيت، وما شابه ذلك، كان يعرف أن نسب النمو الاقتصادي التي يتحدث عنها المسؤولون والاقتصاديون لا تعني له شيئا لأنه لا يرى لها أثرا إيجابيا على حياته.
وعمّق وهم الأنظمة والمؤسسات الدولية حالة "استقرار" فرضه وجود أجهزة أمن تمنع التعبير عن الرأي والاحتجاج، ولم يكن حالة طبيعة ناتجة عن سعي الناس إلى تحسين أوضاعهم من خلال الفرص الكثيرة المتوفرة لذلك، وتمتعهم بالحريات الأساسية، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
= = = = =
الهوامش
[1] البنك الدولي، مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشرين الأول (أكتوبر) 2012، التفاوتات والانتفاضات والصراع في العالم العربي، على الرابط التالي:
[2] Ianchovichina, Elena; Mottaghi, Lili; Devarajan, Shantayanan. 2015. Inequality, uprisings, and conflict in the Arab World. Middle East and North Africa (MENA) Economic Monitor. Washington, D.C.: World Bank Group, p. 34.
[3] المصدر السابق، ص 33.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]
المفاتيح
- ◄ شؤون ساعة
- ◄ علوم اجتماعية
- ◄ قضايا عامة
1 مشاركة منتدى
كلمة العدد 114: أربع سنوات على محاولات التغيير, هدى أبوغنيمة عمان الأردن | 4 كانون الأول (ديسمبر) 2015 - 20:55 1
تحية طيبة دكتور لعل ((خرافةالجوع وخرافة الندرة)) هي نتيجة وصفات البنك الدولي الذي يضفي مشروعية على رؤى الرأسمالية المتوحشة التي رأى منظروها أن العالم قد أصبح مثل سفينة ثقيلة الحمولة ومهددة بالغرق ويستدعي إنقاذها التخلص من الفقراء والضعفاءلإنقاذ الصفوة من الأقوياء والأغنياء .شكرا لتناولك هذا الموضوع والإضافة إليه بأسلوب عرضه.