عدلي الهواري
كلمة العدد 63: دراويش محمود
ثارت ضجة أثناء شهر رمضان حول مسلسل تلفزيوني عن حياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وبلغت حد المطالبة بوقف عرضه. المسلسل ليس موضوع هذه الكلمة، فلست من متابعي المسلسلات لا في رمضان ولا في الشهور الأخرى.
موضوع كلمتي ظاهرة يشترك فيها مثقفون، نقاد وشعراء وآخرون، عرفوا محمود درويش شخصيا، وآخرون كثر من محبيه وشعره. تتميز الظاهرة بالمبالغة الشديدة في الحديث عن عبقرية محمود درويش الشعرية، واعتباره حالة استثنائية لم تُشهد قبله وقد لا تكرر بعده.
الظاهرة ليست جديدة، ففي مصر مثلا، تم التعامل مع نجيب محفوظ على أساس أنه حالة استثنائية، خاصة بعد حصوله على جائزة نوبل، ولم يعد أحد يستطيع أن يقول شيئا ناقدا لأعماله. وذات مرة قالت الروائية المصرية ميرال الطحاوي إن روايات نجيب محفوظ المترجمة لا تحقق مبيعات كبيرة، فتعرضت إلى هجوم وصمها بقلة الأدب.
وبالنسبة لمحمود درويش، بدأت هذه الظاهرة قبل رحيله. ومنذ وفاته علت أكثر نغمة العبقرية الاستثنائية، وهي مستمرة دون فتور على ما يبدو.
الشيء الغائب في الحديث عن محمود درويش نصفه الآخر، واقصد بذلك الجانب السياسي، فقد تولى الرجل مناصب لها بعد سياسي، أهمها عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ولذا تبقى الكتابة عن محمود درويش ناقصة إذا لم تتطرق إلى هذا الجانب.
ذات يوم رسم ناجي العلي، رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي اغتيل في لندن، رسما كاريكاتيريا ناقدا لمحمود درويش بعد تصريحات له لم ترق ناجي العلي، وكتب ناجي على لسان شخصية في الرسم: "محمود درويش". وفي عامية أهل بلاد الشام الشخص الدرويش هو الشخص البسيط. وحسب الروايات المنسوبة إلى ناجي العلي (ومتوفرة على الإنترنت) لم يستسغ محمود درويش هذا النقد، وتلقى ناجي مكالمة غاضبة من محمود.
في رأيي أن ظاهرة الإفراط في إبداء الإعجاب بشاعر/ة أو روائي/ة أو خلافه لا تؤكد عظمة المحتفى به، بل تدل على عدم عمق في الوضع الثقافي عامة، فالبيئة الثقافية التي لا تنجب سوى شاعر أو روائي استثنائي واحد، بيئة ليست خصبة.
عندما يبلغ الإعجاب بشخص إلى حد اعتباره حالة استثنائية فريدة، نصبح إزاء تقييم غير واقعي ولا يعتد به من الناحية العلمية والموضوعية. ومع أن المثقفين كثيرا ما يذكرونا بأهمية التفكير النقدي، فإنهم أيضا كثيرا ما يتخلون عن ممارسته.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]
المفاتيح
- ◄ قضايا ثقافية
- ◄ كلمة عدد
5 مشاركة منتدى
كلمة العدد 63, هدى الدهان | 25 آب (أغسطس) 2011 - 14:41 1
يقولون إن الذي ليس له كبير فليشتري له كبير. وكأن هذه الامة تصاب بالعقم بعد ان تلد فردا واحدا لااخ له فماذا نصنع؟ نجعل من الانسان قالباً لاتمسه كلمة بسوء و لا يجب ان يجرح احساسه احد، والضغط على زر (دليت) لكل مساوئه، التي لا يخلو منها انسان.
1. كلمة العدد 63, 12 أيلول (سبتمبر) 2011, 02:03, ::::: بروفيسور فاروق مواسي - باقة الغربية فلسطين (1948)
تحيتي ومحبتي:
الأخ عدلي يصر على عدم تكرار النشر، ولكني أرجو منه أن ينشر على الأقل الرابط الذي أتحدث فيه عن درويش إيجابًا وسلبًا ما له وما عليه. المقالة بعنوان: محمود درويش كما عرفته، ويسرني أن يقرأه المتابعون لدرويش مدحًا أو قدحًا، وأن يقرأه الأستاذ عدلي ليرى كم نتفق.
أو
http://ar.aladabia.net/article-7535
إضافة من "عود الند": الوصلة الثانية لا تعمل
2. كلمة العدد 63, 12 أيلول (سبتمبر) 2011, 05:01, ::::: عدلي الهواري
شكرا على التعليق. كنت اطلعت على الموضوع، وفعلا أوصي بقرائته. وكنت أيضا قرأت ذكريات لآخرين كأنيس صايغ وعزالدين المناصرة.
مع أطيب التحيات.
3. كلمة العدد 63, 12 أيلول (سبتمبر) 2011, 07:26, ::::: هشام البستاني - الأردن
هشام البستاني - ديكتاتورية «المثقّف» وانفصاماته : سورية ومحمود درويش
http://www.qadita.net/2011/08/hisham/
كلمة العدد 63, موسى أبو رياش/الأردن | 26 آب (أغسطس) 2011 - 03:44 2
أقتبس من مقالة أستاذنا الكبير عدلي الهواري قوله:
"في رأيي أن ظاهرة الإفراط في إبداء الإعجاب بشاعر/ة أو روائي/ة أو خلافه لا تؤكد عظمة المحتفى به، بل تدل على عدم عمق في الوضع الثقافي عامة، فالبيئة الثقافية التي لا تنجب سوى شاعر أو روائي استثنائي واحد، بيئة ليست خصبة.
عندما يبلغ الإعجاب بشخص إلى حد اعتباره حالة استثنائية فريدة، نصبح إزاء تقييم غير واقعي ولا يعتد به من الناحية العلمية والموضوعية. ومع أن المثقفين كثيرا ما يذكرونا بأهمية التفكير النقدي، فإنهم أيضا كثيرا ما يتخلون عن ممارسته."
إننا أمة عاطفية بامتياز، تسوقنا العواطف بالدرجة الأولى، وتستطيع طبقة من المثقفين أن تقود الجميع حسب ما تراه، والجميع لا يعني بالضرورة العوام فقط بل جميع المثقفين، لأن المثقفين -للأسف- يعانون من أمية ثقافية ولا يقرأون، وبالتالي فهم تبع لغيرهم فيما يرونه في فلان أو علان.
وأمر آخر قد يفسر ما ذهب إليه الأستاذ عدلي الهواري وهو أننا أمة تفتقد إلى الرموز أو المنارات، وخاصة على المستوى السياسي أو العسكري أو العلمي أو الديني. ومن هنا تتمسك بالقامات الأدبية الرفيعة التي أثبتت حضوراً عالمياً متميزاًَ. مثل نجيب محفوظ الذي أثبت جدارته بفوزه بجائزة نبوبل، ومحمود درويش الذي ارتبط اسمه وإبداعه بالقضية الفلسطينية.
نعم نجيب محفوظ ومحمود درويش كبار وأعلام، ولكن لا قدسية أو عصمة لأحد، ولا أحد يمكن اعتباره خطاً أحمر. والمبدع عندما ينشر ما كتب، فكل ما يكتب خاضع للنقد والتحليل والرأي والرأي الآخر مثله مثل أي نص آخر بغض النظر عمن كتب أو أبدع. وأي كاتب يترفع أو يتعالى عن النقد أو أن يبدي الآخرون رأيهم فيما يكتب من الأفضل أن يبقى ما يكتب في خزائنه وأدراجه!
أظن أن الهالة المرتبطة بمحفوظ ودرويش هي هالة مؤقتة تفرضها ظروف مرتبطة بمرحلة عربية بدأت بالتفكك مع مطلع الثورات الربيعية العربية التي من أولى أولوياتها إعادة النظر في كل إفرازات عهود الظلم والاستبداد والقهر وغياب الحرية والكرامة.
كلمة العدد 63, إبراهيم يوسف | 26 آب (أغسطس) 2011 - 04:28 3
الأستاذ عدلي الهواري.
دراويش محمود
كلمة العدد
إن لم يكن محمود درويش حالة فريدة أو استثنائية، اختزل الربُ الشعراءَ في شخصه؟ فهو بلا ريب حالة مميزة جداً، كأبي تمام وشوقي والجواهري وناجي والفرزدق.. وغيرهم.
من هنا، لم يأتِ مسلسل "في حضرة الغياب"، على مستوى أهمية الشاعر في ذاكرة الثقافية العربية، ولا أدري ما الذي أودى بالمسلسل إلى الفشل والإخفاق؟ أهو "الربح السريع" كما يجتهد البعض، ويحلو له أن يقول!؟ أم الإعتباط وسوء الإدارة والتقدير في الإعداد والإخراج وباقي التفاصيل، ومنها قلة الحيلة في الإنفاق والتمويل، أو سوء الاختيار..!؟
مهما تكن أسباب الفشل، فليس المقصود منها الإساءة وسوء النوايا المبيتة، للنيل من الشاعر بعد رحيله! لا سيما أن البعض ممن ساهموا في العمل والإعداد له.. هم من أصدقائه المخلصين، وإني أربأ “بمرسيل خليفة” مثلاً، ألملحن الموهوب والمغني"والأديب" والمتنوِّر والمتمرد، أن يقع في هذا المطب "المهين".ربما يتحمل كامل المسؤولية دون سواه..!؟
لكن.. لعلَّ الإيجابية اليتيمة من المسلسل،هي المقتطفات الشعرية التي سمعناها ولم تدانِ في حالٍ من الأحوال ما "غنّاه" الشاعر بصوته.
في أولى الحلقات التي تابعتُها وابنتي إلى جانبي. كانت اللغة الفرنسية هي المتداولة أحياناً في حديث بين الشاعر والطبيب، وتتولى الترجمة صديقة الشاعر كما أذكر، فاستعملت في صيغة "الماضي المركب" “Passé composé”، فعل الملك"المساعد" “Avoir” مع فعل "ضميريّ" “Pronominal”، بديلاً عن فعل الكون المساعد(être)، في خطأ ساذج لا يرتكبه طلاب المرحلة الإبتدائية.. تلفتنا في وقت واحد وابتسمنا معا.. هذا الخطأ كمن يستخدم حرف الجزم مع الفعل الماضي فيقول:" في البرِّ لم فُتُّكُمْ في البحر فتتوني.. في التِّبر لم بعتكم بالتبن بعتوني".. ومع من..؟ مع محمود درويش..!
"رهف" أللهم زد وبارك في غنجها المبتذل وفي أناقتها التي تفتح في أعلى ردائها نافذة تطل على صدرها ونهديها..! فهل هذا ما كان يرضى به محمود درويش..؟ ألحقيقة توقفت عن متابعة المسلسل بعد بعض الحلقات لأنني لم أقتنع به...من تابع المسلسل سيدرك بلا جهد أين هي باقي العيوب.
مسلسلات أخرى مشابهة وموازية، كمسلسل "أم كلثوم"، نالتْ حظاً وفراً من النجاح دون أن يتجرأ من يحمل عليها أو يشهِّر بها.. ألنتيجة النهائية لم تخدم "الدرويش" ولم تكن في صالحه أبداً.
كلمة العدد 63, بلا اسم | 27 آب (أغسطس) 2011 - 16:34 4
السلام عليكم ورحمة الله .. أكتب رأيي المتواضع هنا بخصوص درويش فاقول: إن لكل شاعر أو كاتب أو قاص معجبون وعكسه، أما رفع أي شخص فوق مستواه فهذا ما أرى أن يُرفض من قبل الجميع، أنا شخصياً لا أحب نمط محمود درويش، ولم أكن يوماً أدّخره سياسياً لصنع معجزة في فلسطين، أو في أي مكان في الوطن العربي، وأرى أن تسليط الأضواء على أي شخص، كفيلة بأن ترفعه فوق مستواه، فنحن نجيد صناعة الأشخاص على جميع الأصعدة، وإظهارهم ومحوهم متى نشاء، ولذلك أضرب مثالاً (أحمد شوقي) الذي تربع على عرش السلاطين، وطار صيته وبدون هضم لقدره، لكن هناك من هم بمستواه، وكانوا لا يجدون ثمن ساندويشة أو كيس فول سوداني وهم يتمشون على الكورنيش، وينظمون قصائدهم الرائعة، إجحاف ما بعده إجحاف!
كلمة العدد 63, زياد منى (فلسطيني) | 2 أيلول (سبتمبر) 2011 - 00:44 5
عندما نشرنا كتاب السيد أحمد أشقر "من المقاومة إلى التسوية - التوراتيات في شعر محمود درويش" (قبل وفاته بسنين) قامت الدنيا علينا ولم تقعد. قلت وقتها لقد نُشر مليون مليون كتاب ومقالاً مديحًا في الرجل، ألا تتحملون كتيب واحد ينتقده! لو نشر كتاب يشكك في الذات الإلهية لما تحمستم ضد مؤلفه كما تتحمسون لهذا الرجل. بل إن أكثر الصحف العربية رفضت نشر مقال لي ينتقد زيارته لحيفا ولقاءه الصحفي مع الصحيفة الصهيونية هاآرتس ورفضه زيارة غزة بسبب سيطرة حماس على القطاع - وهذا غيض من فيض من ممارساته السياسية غير المقبولة إطلاقًا.
في الحقيقة إن معظم من كتب مادحًا الرجل قصد مدح نفسه. يظن الجاهلون أنهم بمديحهم يرفعون من مكانتهم، لكنهم في الحقيقة أنزلوه إلى مستواهم غاية في التواضع.
محمود درويش مارس أذى كبير للنضال الفلسطيني حيث انحاز للسلطة مادحًا إياها، ولم ينتقد أي من ممارساتها التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من ضياع وهزائم حتى وصفه كثر بأنه "شاعر البلاط"..
ولا يعرف عنه أنه دعم ظهور أي أديب فلسطيني، ولا حتى في مجلته "الكرمل". سيأتي يوم يتحدث التاريخ عنه بموضوعية ويظهر ما مسكوت عنه الآن.
زياد منى