عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هدى أبو غنيمة - الأردن

حكايات غافية + بوح الياسمين


حكايات غافية

إلى حفيداتي تالة ولينا ونور وفرح ولميس وحلا

لم أنتبه إلى تلك العلب المنسية في أحد أدراج خزانتي، وما فيها من حكايات غافية، ومباهج صغيرة، حتى فتحت حفيدتي الصبية تلك العلب هاتفة بفرح: "لماذا أهملت هذه الأشياء الجميلة؟"

علب بورسلين مرصعة بأحجار الكريستال، ما زال الملبس فيها مغلفا بالسوليفان تحكي ذكريات أفراح مضت، وقصص حب صدحت بأغانيها وأهازيجها وزغاريدها، يوم كان الناس يبدعون الفرح بنبض القلوب العامرة بصدق المحبة والود، أكثر مما يحفلون بتصنعه.

أقراط وأساور وعقود، بعضها هدايا من صديقات وأهل، وتذكارات من أماكن سياحية، بهت معدنها وخبا بريق أحجارها.

رسائل قديمة، تؤرخ لأزمنة بهجة التواصل، ومراحل العمر وتحي حكايات لا تكتمل، حتى نجدد صياغتها وقراءتها.

مروحة يدوية جميلة مزينة بالدانتيل، اشتريتها ذات صيف من إسبانيا، تذكرت زهوي بحملها، والعربة تسير بنا في ظلال أشجار النارنج في إشبيلية، وكأننا أسرة أندلسية تنعم بعز حضارة بهية.

قلم ستيلو معرق بتعريقات رخام أخضر جاءني هدية تفوق من مدرستي، يوم أنهيت المرحلة الابتدائية، انكسرت ريشته مثل انكسار الأحلام والأماني الإنسانية.

ألبوم صور لأعزاء رحلوا، ما إن أعدت النظر فيها حتى تداعت أصوات ساكنيها معاتبة عزوفي عن النظر إليها، ربما خشيت أن أتجرع غصص غيابهم من جديد.

بعض التحف الفضية، والأطر الفارغة المكسورة.

انهمكت الصبية في انتقاء الصالح منها، وتلميعها وإفساح مساحة لها في ركن جانبي من غرفة الجلوس، لتصحو حكاياتها، ثم نادتني مزهوة: "أترين كم هي جميلة!"

قلت: "أجمل منها أن يصحو زمن بعض من حكاياتها على يديك. سأكتب عنك حكاية".

أشرق وجهها مثل نور شمس الضحى، وهو يبشر بقدوم نهار جديد".

= = =

هدى أبو غنيمةبوح الياسمين

بثت ياسمينة دمشقية رسالة لي عبر أريج ياسمينة في عمان تخللت روحي، وهي تعاتبني: هل نسيت أم تناسيت؟ والتناسي خوف من مواجهة. صمت، والصمت غصة حنين.

أسلمت شجوني لغيمة عطر حطت بي قرب قبة السيار فوق قاسيون. بحثت عن السيدة التي كانت تزورني في أحلام طفولتي وتطير بي إلى بيتها قرب القبة، وتهديني أقلاما ملونة وأوراقا لها أجنحة مثل العصافير، تغرد ما إن أبدأ بالرسم والتلوين عليها.

تمالكت نفسي، كي لا أتوغل في متاهة أحلام قصت أجنحتها تصاريف الأقدار، وأحزان الأوطان.

تضوع أريج الياسمينة العمانية مهيبا بي أن بوحي بوجدك قبل أن تنطفئي، واروي زهور وجدانك الذابلة بالبوح الشفيف. زوري البيت الذي أهملته في أقاصي وجدانك، واروي زهوره لتحيي الأمنيات.

استرقت النظر إليه بعد أن تجنبت زيارته طويلا، كي لا أغرق في بركة دمعه. اقتربت فطوقتني شجرة المنوليا بذراعيها، شجرة أمي الأثيرة. وما إن فتحت الباب والنوافذ، حتى غادرت الوجوه المحبة الغائبة إطار صورها المعلقة على الجدران مرحبة بي، وقالت: "أحينا بالبوح لا تنقطعي". فقلت: "وهل بقي من العمر مساحة للبوح؟"

امتلأ الفضاء حولي بالعطر.

رن هاتفي الخلوي. جاءني صوت جارتي الجديدة: "مساء الخير، ياسمينتك ملأت المكان بأريجها، أرغب في فنجان قهوة بقربها".

قلت: "تفضلي. يسعدني حضورك".

لم أحدثها عن بوح الياسمين خشية أن تظن بي الظنون، لكنها فاجأتني، وهي تحدثني عن حنينها إلى ياسمين دارها في فلسطين، قبل أن تهمي زهراته على نعش شهيد.

امتد الحديث بيننا، فخلت أن زهور المكان قد استطالت وانتعشت بأنس التواصل، وموسيقى الكلام.

في صباح اليوم التالي، اشتريت ياسمينة أخرى لي وأهديت جارتي أخرى، وقلت: "ازرعيها في حديقتك، واستمتعي ببوحها".

قالت: "وهل تنطق الأزهار؟"

قلت: "أجل، فعطورها بوح وتسابيح".

JPEG - 12.7 كيليبايت
عود الند: تصميم خاص بالعدد الفصلي الرابع
D 1 آذار (مارس) 2017     A هدى أبو غنيمة     C 4 تعليقات

2 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد الفصلي 04: الصحافة وأزماتها في عصر الإنترنت

«السفير»: مذاق قهوة الصباح

خبر ومقالة عن توقف المجد عن الصدور

مكتبات بلا زمان

الغازي غازي