زكي شيرخان - السويد
منازلة
"لَمْ تسألني لِمَ فعلتُ ذلك؟"
وبدون أن يتردد، وكمن كان يتوقع مثل هذا السؤال، كانت إجابته حاضرة: "مثلك لا يُسأل".
مط شفته السفلى أكثر مما هي متدلية، مما زاد من قبح فمه. أدرك بدون عناء ذهني، أنه لم يفهم قصده، فاستدرك: "أأدركتَ معنى إجابتي؟"
بدا وكأنه أمام مسألة رياضية عويصة الحل على تلميذ بليد. ارتسمت على وجهه إمارات الحيرة والذهول. نظر إليه بعينين شع منهما زهو الاستخفاف به، فأضاف:
"يفترض بمن كان بمثل سنك أن يكون قد أدرك الخطأ والصواب، وأن تكون له، أيضا، الإرادة في اتخاذ قراره، وله الحرية في الاختيار. وأظنك قد أخذت كل ذلك بنظر الاعتبار. أليس كذلك؟"
تبدت الحيرة على وجهه أكثر مما كانت عليه. بدا وكأنه يستمع إلى مفردات لغة لم تطرق سمعه من ذي قبل. ثم فجأة بدت إمارات التحفز على وجهه، وبصوت هو مزيج من الحشرجة والتوسل. قال: "إنك تضطهدني".
"وما وجه الاضطهاد في كلامي؟"
"إنك لا تتحمل أي تصرف مني، و..."
قاطعه قائلا باستخفاف: "ألمْ تسأل نفسك لماذا؟"
"لمْ أفعل شيئا أستحق عليه كل هذا. لا أظن أني أخطأت".
خامره شعور بالارتياح وهو يراه قد أنحشر كملاكم يكاد يُهزم في زاوية، فأجابه متحفزا: "أن لم تكن قد أخطأت، كما تقول، فلمَ اعتذرتَ فيما مضى مرتين؟"
"أنا، أ..."
لم يدعه يكمل، بل بادره: "لا يعتذر المرء عما لم يرتكبه من خطأ".
"لمْ يكن خطأ بل هفوة غير مقصودة".
"أود لو أسمع منك مبررا غير هذا الذي اعتدتَ تقديمه".
ود لو قال له "هذا المبرر صار ملازما لك كبلادتك"، لكنه لم يرغب في إنهاء المنازلة بهذه السرعة. كان يتلذذ بضعف الآخر وراغبا في المزيد من كيل الضربات التي لن تسقطه أرضا. فآثر أن يقول له: "ليس هذا بالمبرر، وإنما هو ما..."
لم يكمل الجملة، ومرة أخرى، لم يرغب في أن يمنحه فسحة، فأكمل كلامه: "أنت..."
قاطعه والذل في عينيه باد: "حسنا، أنا مخطئ"، واستدار ليبتعد. أسقط نفسه قبل أن تكال له المزيد من الضربات.
- يافطة عود الند العدد الفصلي السادس
◄ زكي شيرخان
▼ موضوعاتي
- ● وماذا بعد؟
- ● خرابيشُ خطّ
- ● تاريخ
- ● عَجزٌ
- ● هَيْلَمان
- ● عُقوق
- ● إحباط
- [...]
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ
1 مشاركة منتدى
منازلة, هدى الدهان | 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2017 - 16:29 1
saved by the bill
لولا حلاوة الروح مانطق جملته الاخيرة ,ليتخطى جرحا ميتا وفيه ايلامُ.حين يموت كل شييء الاخر و الثقة نتبادل اللكمات الاخيرة .منا من يغادر الحلبة بكبرياء ومنا من يضل ينازل ليحظى بلقب فائز على حساب تشوهات في الوجه و اسنان مكسورة وسنوات هاربة . لكل اختياره . هذه المنازله الوحيدة التي بلا حكم .
1. منازلة, 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2017, 19:26, ::::: زكي شيرخان-السويد
الفاضلة هدى الدهان... من الحصافة أن يغادر المرء الحلبة بدون تشوهات عندما يتسم الخصم بالتفاهة.