د. عدلي الهواري
كلمة العدد الفصلي 07: استغلال الشهرة والثروة والسلطة
انفجرت في الآونة الأخيرة قضية استغلال بعض المشاهير والأثرياء لشهرتهم وثروتهم للتحرش بالنساء أو القاصرين. وفي بعض الأحيان وصلت الاتهامات في هذا الشأن إلى ذكر الاغتصاب. وقد عادت هذه القضية إلى اهتمام وسائل الإعلام بها اهتماما كثيفا بعد تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 2017/10/5 عن المنتج السينمائي الأميركي، هارفي واينستين، سردت فيه معلومات عن ممارسات واينستين مع ممثلات، مستغلا وضعه كمنتج سينمائي في هوليوود، عاصمة السينما الأميركية.
وخلافا لمرات سابقة، لم يتوقف الاهتمام الإعلامي بالقضية عند قضية شخص واحد كهذا المنتج، بل بدأت تتسع، وزاد عدد الممثلاث والممثلين الذين تحدثوا عن استغلالهم أو الاعتداء عليهم في مرحلة سابقة من قبل ممثلين مشهورين.
حتى القاصرات والقاصرين لم يسلموا من هذا الاستغلال، ففي السينما هناك أفلام فيها أدوار لصغار ومراهقين، وبعض هؤلاء كانوا بين من صدرت عنهم اتهامات بشأن الاعتداء عليهم. وذكر في هذا السياق ممثلان مشهوران هما كيفين سبيسي وتشارلي شين.
ويمكن اعتبار كشف النقاب عن هذه الأمور الصادمة حلقة أخرى من هذه القضية التي تعود إلى الأضواء من حين لأخر. ففي بريطانيا خرجت إلى العلن عام 2012 مسألة استغلال المقدم التلفزيوني، جيمي سافيل، للصغار أثناء عمله على برامج ذات طابع خيري شملت زيارة المستشفيات. وكان سافيل يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، وهي هيئة عامة تحصل على دخلها بموجب قانون يفرض على كل مالك جهاز تلفزيوني دفع مبلغ سنوي.
وفي بريطانيا أيضا، فتحت تحقيقات في اتهامات لسياسيين معروفين بأنهم كانوا يعتدون جنسيا على قاصرين. وطالت الاتهامات رئيس الوزراء البريطاني السابق، ادوارد هيث. وعادت قضية التحرش بالنساء إلى الأضواء في سياق مجلس العموم البريطاني، ونتج عن ذلك استقالة وزير الدفاع، مالكوم فالون، وتبني إجراءات تهدف إلى تمكين ضحايا التحرش في المجلس من الشكوى للتحقيق فيما يتعرضن له.
ما كشفته قضية واينستين هو أن السمعة السيئة للوسط الفني لم تأت من فراغ، فمنتج ثري مثل واينستين كان بوسعه أن ينقل ممثلة ما إلى عالم الشهرة إن هي لبت رغباته، أو تبقى مغمورة إن امتنعت. ولذا، المرأة الراغبة في دخول عالم الفن قد تجد نفسها معرضة لمراودتها عن نفسها، والقبول بتقديم تنازلات من أجل أن تسير على طريق الشهرة.
الملفت للنظر في هذه الأمور أن المسؤولين في شركات الإنتاج والهيئات الإعلامية كانوا على علم بما يفعله هؤلاء المشاهير، ولكنهم تجاهلوا الأمر. وهناك سببان، في رأيي، لهذا التجاهل، أحدهما له علاقة بقوة الشخص المتهم، إما لأنه ثري كما في حالة واينستين، أو لأن له شهرة كبيرة تجعل التعامل معه يتم وفق معايير متساهلة بخلاف التعامل مع موظف عادي في المؤسسة.
السبب الآخر أن المسؤولين في المؤسسات والشركات يتبنون في كثير من الأحيان موقف الدفاع عن هؤلاء الأفراد بذريعة أن حمايتهم تعني أيضا الحفاظ على "هيبة" المؤسسة، ويعتبرون هذا أهم من حل المشكلة، ويختلقون الأعذار لعدم حلها.
على سبيل المثال، عندما تشتكي النساء من التحرش الجنسي، يتكاتف المسؤولون في المؤسسة لنفي وجود تحرش، أو اتهام الضحايا بالحساسية المفرطة، أو عدم اتخاذ إجراءات ضد المتحرش/ين.
ولو اشتكى العاملون من وجود تمييز عنصري في مؤسسة، يتكاتف المسؤولون فيها من أجل نفي وجود تمييز، وبدل أن يبادروا إلى اتخاذ إجراءات تؤدي إلى تحقيق تكافؤ الفرص والمساواة تجدهم يفضلون صرف مبالغ طائلة من أموال ليست لهم لمقاومة قضايا التمييز التي قد ترفع على المؤسسة في المحاكم، بعد إخفاق محاولات وقف التمييز من خلال الإجراءات الداخلية في المؤسسة .
مثل هذا الموقف الجماعي الذي يتخذه المسؤولون في هيئة ما يسمى التمييز المؤسساتي، أو العنصرية المؤسساتية، وهذا يعني وجود سياسة وموقف عامين على كل المستويات اعتمدا عن وعي، أو نتيجة تشابه في العقلية لوجود شبه كبير في خلفيات المسؤولين الاجتماعية والتعليمية.
من الأمثلة على العنصرية المؤسساتية حادثة قتل شاب أسود، ستيفن لورانس، على أيدي شباب بيض في بريطانيا عام 1993. تحقيق الشرطة في الجريمة لم يسفر عن إدانة أحد بالجريمة، فنشأت حالة من الغضب الشعبي أرغم الحكومة على تشكيل لجنة للتحقيق في الأسباب. وفسر الأمر بأنه ناتج عن العنصرية المؤسساتية في جهاز الشرطة الذي تولى التحقيق في الجريمة.
يحدث أحيانا أن تؤدي ضجة إلى مراجعة السياسات في المؤسسات أو سن قانون جديد، فيبدو أن المشكلة قد حلّت. ولكن يكتشف بعد سنوات أن التمييز استمر. خير مثال على هذا ظهر في الآونة الأخيرة عندما تبين أن رواتب مقدمات البرامج في بي بي سي أقل من رواتب زملائهن. ولولا اكتشاف الأمر بعد نشر معلومات عن رواتب الأشخاص التي تزيد عن مبلغ محدد، لاستمر هذا الوضع لأن العادة الشائعة في المؤسسات عدم الإفصاح عن راتب الفرد. وهذا في ظاهره يحمي معلومة خاصة بالموظف، ولكن في حقيقة الأمر يخفي التفاوت في الرواتب بين الأفراد دون أن يكون سبب الاختلاف قائما على أسس عادلة أو موضوعية.
استغلال المنصب والشهرة والسلطة تم في الولايات المتحدة على أعلى المستويات، عندما استغل الرئيس بل كلنتون المتدربة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي. وكان كلنتون جريئا في الكذب إلى حد الظهور على شاشات التلفزيون ليقول غاضبا إنه لم يمارس الجنس مع هذه المرأة. كذبه كاد يؤدي إلى إزاحته من منصبه. و سمعته الملطخة لا تزال تلاحقه، وربما ساعدت على عدم تأثر وضع دونالد ترمب الانتخابي بعد نشر تسجيل يتحدث فيه ببذاءة عن النساء أثناء حملة الانتخابات الرئاسية التي خاضها مقابل هيلاري، زوجة كلنتون.
من المؤكد منطقيا أن استغلال الشهرة أو الثروة أو المنصب غير مقتصر على الولايات المتحدة وبريطانيا، بل يحدث في كل الدول، بما فيها الدول العربية، فالطبيعة البشرية واحدة في مختلف الأماكن. ولذا من الحكمة أن تقوم الحكومات بوضع البيئة القانونية التي تمنع هذا الاستغلال، مع أن القوانين وحدها لا توقف الاستغلال، وأن تقوم المؤسسات الحكومية والخاصة بمراجعة سياساتها وإجراءاتها الداخلية لضمان عدم وجود بيئة خصبة لاستغلال الشهرة أو المنصب أو الثروة.
وفي حال اشتكى موظفون من وضع سيء، القرار السليم هو تصحيح الوضع، وليس التخلص من الشاكين، وبالتالي تمكين الأوباش من مواصلة ممارسة أعمالهم الفظيعة.
= = =
رابط تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" عن هارفي واينستين
https://www.nytimes.com/2017/10/05/us/harvey-weinstein-harassment-allegations.html
رابط لموضوع في صحيفة الـ"غارديان" البريطانية عن جيمي سافيل:
https://www.theguardian.com/media/2014/jun/26/jimmy-savile-sexual-abuse-timeline
رابط لنص الرسالة التي وجهتها مقدمات البرامج إلى مدير عام بي بي سي:
- لافتة العدد الفصلي السابع عود الند
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]
3 مشاركة منتدى
كلمة العدد الفصلي 7: استغلال الشهرة والثروة والسلطة, لطيفة حليم المغرب | 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 - 11:41 1
مقال قيم. يستحق الدكتور عدلي الهواري التقدير. يجب مكاشفة ما يقع في البدان العربية من اغتصاب للقاصرات
كلمة العدد الفصلي 7: استغلال الشهرة والثروة والسلطة, هدى أبوغنيمة عمان الأردن | 2 كانون الأول (ديسمبر) 2017 - 16:53 2
تحية طيبة مقال مهم يضيءالمسكوت عنه في المجتمعات المبهرة بأضوائها,وترفهاووصخبها.
كلمة العدد الفصلي 7: استغلال الشهرة والثروة والسلطة, هدى الدهان | 28 كانون الثاني (يناير) 2018 - 07:54 3
برأيي لاحل لهذه المشكلة لافي تغيير للبئية ولا للقوانين . التحرش في كل مكان وفي كل عمل.لماذا تبقى إمرأة في اعمال صغيرة ذات رتابة وتترقى اخريات جئن بعدها ؟ لانها لم تقدم ما قدمت الاخرى .ولذا بقيت في مكانها . اما الاخرى التي قدمت و بذلة ومهانة فقد جنت مقابل مااعطت .(لااتحدث عن الاغتصاب ، اتحدث عن التحرش و القبول به ) ،حين يتحرش شخص باحد و يتقبل الاخر ويماشيه و يجني ربما عملا فتح له مجالات اعمال اخرى و بعد سنوات من الاعمال وجني المال والشهرة يتذكر ان يتهم متحرشه بالتحرش و الممارسة بمقابل ؟ المشتكي يجب ان يحاسب ايضا لانه استفاد وصمت سنوات وليس فقط الذي فتح باب غرفة المكتب وفي وسطها سرير.