لطيفة السليماني الغراس - المغرب
قراءة موجزة في الفردوس البعيد
هذه قراءة غير متخصصة في رواية "الفردوس البعيد" للكتابة والفنانة التشكيلية المغربية، زهرة زيراوي، التي انتقلت إلى رحمته تعالى في الآونة الأخيرة. عندما قرأت الرواية، وقفت قليلا عند العنوان وقد أحالني على الفردوس المفقود، ووجدت الروائية تماهت كذلك مع الفردوس على الناصية لماريو بارغاس.
هذه الرواية تُصدر أنينا حزينا عبر سرد واقع ممقوت، وكان هو الغول الذي يهدد وجود الأديبة، قدم عبر الزمان ولا يترك لها وقتا لا للبكاء ولا للابتسام.
من خلال التذكر، أطلت علينا مرحلة تاريخية عاشتها البطلة نجمة وكأن الرواية ترجمة لحياة تماهت معها، وتُحيلنا على ظروف الحرب العالمية الثانية، وأحداث الترحيل القسري من الشرق إلى المغرب، وتوازي ما وقع لها إبّان المرحلة الأوفقيرية وتاريخ الصراع السياسي والانفتاح المغاربي على الثورات الثقافية، وتأثير الفلسفة في تطوير المعرفة عند الطلاب المغاربة عموما، والطالبات خصوصا وهن يسبحن في عالم مدام بوفاري وكتاب المعرفة لتولستوي.
وتؤثث الكاتبة السرد بأسماء الكتب والأعلام وكأنها تريد إبراز نضال الأنثى التي ولجت رحاب الجامعة وناضلت ضد القهر والتسلط والجهل.
عندما استهلت الرواية بحديث نبوي شريف، كانت تؤمن بأن الإنسان لا محالة زائل. وفي الفصل السادس عشر أتت بالآية 125 من سورة النحل: بسم الله الرحمان الرحيم: "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" صدق الله العظيم. وهذا يؤكد رفضها للفكر الشيوعي.
وتثير الكاتبة تساؤلات فلسفية حول علاقة الفكر بالوجود، لتعبر عن مرارة جيل بأكمله ناضل ولم يجد الفردوس المفقود لا بالهجرة والاغتراب ولا في وطنه.
كتابة المرحومة زهرة شكّلها الفن والمعرفة، وأفرزت كتابة رومانسية حزينة ترفض الواقع وترفض الفكر الملحد وتشجب ممارسات تيارات دينية تبيع وهم الخلاص من القهر والجهل. ورفضت الوصاية على الفكر بصكوك غفران. وهي تُدين أشباه المثقفين بصنعهم لسياج كبير حولهم.
ومن خلال استعراض لعناوين الكتب وأسماء الأدباء والشعراء الذين ناهضوا القهر والظلم، تؤكد أن فرص النبوغ في الوطن العربي مستحيلة، وتقول إن كل اليقينيات تتدحرج وتبقى فضاء لا لون ولا طعم ولا رائحة له.
ويواجهها جبروت الغرب وأمريكا عندما صدروا ثورات وهمية. ولم يبق غير الروح الدينية التي تجعلها ترى أن العقاب الإلهي فيما حل من كوارث طبيعية، وإن كانت قد وجدت حتى هذه الكوارث لا تتساوى فيها الدول الغنية والفقيرة، فنتائجها في هايتي وفي اليابان مختلفة.
تتأسى الكاتبة بذكر المناضلين والمبعدين عن أوطانهم وسلاحهم الكلمة. تتأمل العالم وتقول: حتى لا يداهمنا الجنون فيما نؤول إليه، علينا أن نلجه ولا نذوب فيه. وكانت دعوتها إلى أنسنة العالم.
- زهرة زيراوي