إكرام ماموني - الجزائر
مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي
مبادرة خطوات نحو التميز - جامعة سيدي بلعباس
تلخيص كتاب النحو والدلالة: "مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي " لمحمد حماسة عبد اللطيف
كتاب النحو والدلالة "مدخل لدارسة المعنى النحوي الدلالي" لمحمد حماسة عبد اللطيف طبع طبعته الأولى سنة 2000م من مطبعة دار الشروق بالقاهرة ويحتوى على أربعة مباحث وعدد صفحاته 180 صفحة.
يبيّن المؤلف في مقدمة الطبعة الثانية أن استجابة أبناء الحقل اللغوي والأدبي أدت به إلى تقديم طبعة ثانية، ولعل من أهم الأفكار التي شغلته: إبراز علاقة النحو بالدلالة، وارتباطهما ودورهما في فهم النصوص، وكذلك أن يكون للعرب نظرية خاصة بهم تحوي تراثهم . ويبين المؤلف في مقدمة الطبعة الأولى أن هناك تداخلا بين مناهج النحو والدلالة في البحث اللغوي المعاصر، وهذا يؤدي إلى ضرورة البحث في وجوه تداخل بين النحو والدلالة.
وشرح أن هدفه من هذا الكتاب الكشف عن تراثنا النحوي، وأن يكون بحثه هذا مدخلا إلى دراسة المعنى النحوي، وذلك من أجل توظيفه في تفسير النصوص والنحو، وقد اقتصرت الدراسات العربية في علم الدلالة على دلالة المفردة، وتخوف الباحثون في مجال الدراسة التركيبية في تحديد الدلالة التركيبة للجملة، وعليه فإنّ المعنى النحوي الدلالي مطلب ضروري، وقد استدل بنصوص من كتاب سيبويه وعبد القاهر الجرجاني واتجاهات اللغوية المعاصرة، مؤكدا ضرورة العودة إلى النحو العربي القديم بوعي جديد، وأن إسقاط الآراء المعاصرة خطر على نحو العربي، وعليه يجب العودة إلى دور المعنى النحوي الدلالي .
تمهيد
يسوغ المؤلف في هذا التمهيد غاية النحو عند المتأخرين، وهو معرفة الصواب من الخطأ، ومن أسباب حصره في هذه الزاوية انتشار العاميات واللحن والخطأ في آيات القران الكريم، والرغبة في معرفة أسرار القران الكريم، والتعرف على اللغة الإنسانية التي هي لغة القران الكريم، وعلى الباحث في النحو العربي أن يبحث في كتاب سيبويه باعتباره أول كتاب أثري يمثل مرحلة نضج فهم النحوي وتأليفه، وبعد هذا الكتاب مال النحو عن غايته الأولى دون أن ننسى جهود عبد القاهر الجرجاني وتأثره بكتاب سيبويه، وإن غاية النحو عند المتأخرين هي غاية تعليمية، وقد كان عبد القاهر الجرجاني نحويا بالدرجة الأولى، وذلك أنه فسر النظم بالنحو وبعدها يؤكد أن المنشغلين بالنصوص الأدبية هم الذين يقدرون النحو لأنهم طبقوا طاقات النحو الإبداعية في إضاءة النص وتفسيره، وفي نظرهم النحو إبداع، فالشاعر عندما يتمرد على قواعد النحو فهو مبدع، وبعدها يؤكد أنه يجب على النحو أن يعود للذي طبقة سيبويه، ولقد صارت غاية النحو في العصر الحديث الربط بين عالمي الأفكار والأصوات، والاهتمام بوسائل الربط بينهما .
يرى تشومسكي أن التفريق بين السليقة والأداء ضرورة أساسية في وصف اللغة، فالسليقة هي معرفة المتكلم المستمع بلغته، والأداء الكلامي هو استخدام اللغة من قبل المتكلم والمستمع في مواقف معينة، والهدف منها وصف العلاقة اللغوية بين نظام الأصوات والدلالات، والنحو يقوم على وصف سليقة المتكلم، وأن الغاية من الدارسة الوصفية للغة عند التوليدين هي تركيب القاعدة، والقاعدة تفسر المعرفة التي يمتلكها المتكلم والتي تجعله قادرا على إنتاج عدد من التراكيب، وهذه المعرفة تسمى السليقة وهي قاعدة توليدية.
يقوم النحو على وصف السليقة اللغوية للمتكلم، ولقد أحرزت النظرية التوليدية عن سابقتها البنائية في الموضوع والهدف؛ فالبنائية موضوعها "متن العبارات" أما التوليدية فهو "معرفة المتكلم أو سليقة", أما الهدف، فالبنائية تسعى إلى "تصنيف عناصر المتن اللغوي"، أما التوليدية فتسعى إلى "تعين القواعد النحوية الكامنة وراء الجمل" وهي تنطلق أساسا من أن مهمة وصف اللغوي هي تحديد القواعد التي توجد بين الأصوات ومعانيها وهنا تتعامل مع حقائق علمية في المجال اللغوي بوصفها دلالة على وجود مبادئ تنظيمية في العقل الإنساني، وتعمل من أجل أن يستعمل المتكلم لغته بإبداع.
إن العودة إلى إحياء معنى النحو هو إحياء لغاية النحو التي افتقدها وهذا ما أكده ابن مالك أن غايته هي :"انكشاف جدب المعاني وجلوة المفهوم". غير أن النحويين العرب لم يجعلوا النحو وحده يمد الجملة بمعانيها؛ بل جعلوا المفردات ودلالاتها كذلك تمد الجملة بمعانيها.
المبحث الأول: العلاقة بين الدلالة والنحو
يرى المؤلف في هذا البحث أن "اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" كما حددها ابن جني، والأغراض هي الدلالات، ويرى الكوفيون أن سيبويه اهتم بالدلالة، وعليه ليس الوصف النحوي خاليا من الدلالة، وهو وصف للعلاقات التي تربط عناصر الجملة، وهذه العلاقات النحوية تستند إلى أمرين أحدهما لغوي بحكم وضع الكلمات في كتل صوتية، والآخر عقلي يربط كل هيئة تركيبية بدلالة وضعية، وكلا الأمرين متداخلين.
أصبحت الدلالة منذ مطلع القرن العشرين فرعا من فروع البحث اللغوي، معترفا به في علم اللغة. ويرى جورج مونان أن هذا الفرع لم يبلغ الدرجة العلمية، ويرى الألسونيون أنها جزء من اللسانيات، و نبهوا إلى وجوب التفريق بين علم الدلالة وعلم المعجم، ذلك أن الدلالة هي دراسة الدلالات، وعلم المعجم لا يهتم بوصف دلالة الألفاظ، ويرى الباحثون أن دلالة الوحدة اللغوية هي مدلولها والمعنى هو القيمة التي يأخذها المدلول مجردا عن السياق.
وقد كان المعنى مشكلة منذ نشأة هذا الفرع على يد ديسوسير الذي يرى أن الرمز اللغوي اعتباطي عرفي وأن العلاقة بين الدال (نتاج الصوتي) والمدلول (تصور الواقع غير لغوي تصور لغوي). ويشير جورج مونان إلى أن التصور للمدلول غير واضح؛ فهو مرادف للتصور؛ أي مفهوم نفسي منطقي وفي حين آخر مرادف لشيء؛ أي مادي نفسي منطقي بالرغم من أنه نبّه أن الكلمة تتكون من رابط بين صوت وشيء، وقد اهتم الباحثون بالمعنى وذلك من خلال جهودهم المكثفة، وقد انطلقوا من الكلمة ثم الوحدة الدلالية ثم ظهر اهتمامهم بالجملة التي تعتبر أهم وحدات المعنى، ويرون أن لا معنى لكلمة خارج السياق، ومع ذلك بقيت الدلالة منعزلة عن النحو.
أدمج كاتر وفودر في بحثهما المعنون بـ "بناء نظرية دلالية" النحو مع الدلالة، وقد أشار تشومسكي إلى جهودهما، كما اهتم تشومسكي وأتباعه بالنحو من خلال بنيته السطحية والعميقة، وذلك بالعودة إلى التفسير العقلي للغة، والبنيتان تمثلان ركيزة البحث اللغوي عند التحولين، وحدد كاتر وفودر العنصر الدلالي للنظرية اللغوية بوصفه وسيلة الكشف التي تفسر موضوعات النحوية المجردة، الذي يحتوي على المعجم المثالي ويمد المعنى بكل المواد المعجمية في اللغة، وقواعد الكشف سوف ترجع التفسير الدلالي إلى مجموعات، وفيها يمكن الرجوع إلى البنية العميقة وإلى البنية السطحية، وبذلك أصبح الدارس الحديث لا يفرق بين الجانب النحوي والدلالي وهذا ما أدى بأصحاب النظرية التحولية إلى مواجهة مشكلة في تحديد مكان الدلالة .
المبحث الثاني: التفاعل بين الوظائف النحوية والمفردات
يشير المؤلف في هذا المبحث إلى رأي سيبويه في مطلع كتابه في إشارته عن الاستقامة من الكلام في نص موجز، وتكمن في بذوره نظرية نحوية دلالية حيث يندمج النحو في الدلالة. يقول سيبويه في باب سماه: باب الاستقامة من الكلام والإحالة إن الجمل منها المستقيم حسن ومحال، والمستقيم كذب، والمستقيم قبيح ومنها ما هو محال كذب، بمعنى أن الجمل تنقسم إلى مستقيم يضم (مستقيم حسن، مستقيم قبيح، مستقيم كذب) ومحال يضم (محال، محال كذب). والكلام المستقيم: هو المستقيم نحويا ودلاليا، والمستقيم نحويا يتوزع على ثلاث: مستقيم حسن، مستقيم قبيح، مستقيم كذب، فكل جملة صحيحة نحويا تعد جملة مستقيمة، لكن الحكم باستقامة الحسنة والقبيحة والكذبة يتعلق بالمعنى الذي تفيده عناصر الجملة عندما تترابط نحويا.
وقد دعم سيبويه هذه التقسيمات بشواهد ، والكلام المستقيم الكذب ليس هو الكذب الأخلاقي، لأن الكذب الأخلاقي كثيرا ما يعبّر عنه بكلام مستقيم حسن، ويمكن أن نطلق عليه كذب دلالي، ومن أسبابه التفاعل بين والوظائف النحوية وما يمثلها من مفردات بدلاتها، والكلام لا يتحول من كونه مستقيما كذبا إلى حسن، والعلاقة النحوية هي التي تحدد نوع التركيب، إما إفرادا أو إسنادا، ويقصد بالإفراد هو أن تركب كلمتين ويكون في الأعلام، أما التركيب الإسنادي فهو أن تركب كلمة مع كلمة وتنسب إحداهما إلى الأخرى.
وتوسع في مفهومه بأن كل الوظائف النحوية مرتبطة بعضها ببعض لتكمل معنى واحدا يصلح أن يشغل وظيفة نحوية واحدة، أو عنصرا من عناصر الجملة، وبذلك ينتقل إلى المجال الدلالي، والكلام ينتقل من مستواه العادي الحقيقي إلى مستوى الإبلاغ الفني المجازي، ولا نحكم على الجملة صحيحة نحويا ودلاليا إلا إذا خرجت المفردات فيها عن دلالتها الأولية، ويكون هناك اسم يصلح في الوضع العرفي، ويكون الفاعل لفعل يصح عقليا؛ ومن هنا نقول إن الكلام مستقيم حسن.
وقد استخلص سيبويه من خلاله موضوعه النقاط التالية: أن كل مفردة منطوقة لها دلالة تنتمي إلى حقل دلالي، وكل كلمة من حقل دلالي معين قد تشترك معها كلمات من حقول دلالية أخرى، وأن هناك قواعد تركيبية خاصة بالعلاقات النحوية التجريدية، وأن اختيار المفردات من حقول دلالية مختلفة محكوم بقواعد معينة، وأن السياق الذي يكون فيه الكلام هو الذي يحدد الدلالة. وهو الذي يحدد مزية الكلمة.
يقر عبد القاهر الجرجاني بأنه هناك ثلاثة عناصر تجعل للكلام مزيته: وهي الأغراض التي يوضع الكلام لها، وموقع الكلمات، واستعمال بعضها بعضا، ومن هنا تشكلت نظرته. يمكن القول إن التفسير الدلالي للجملة ينشأ من المعنى النحوي، ووضع العناصر النحوية في الموقع الذي تقره البنية الأساسية. والمعاني النحوية عند الجرجاني هي اختبار الموقف الدقيق بين المفردات والعلاقات النحوية، وهو ما يعرف بالنظم عنده وعبر عنه بعضهم بالتأليف.
المبحث الثالث: العنصر الدلالي في بعض الظواهر النحوية
يرى المؤلف في هذا البحث أن هناك تفاعلا بين العناصر النحوية والدلالية، وتأثيرا متبادلا، هو الذي ينتج المعنى النحوي الدلالي للجملة، دون أن ننكر تأثير دلالة سياق النص اللغوي، وسياق الموقف الملابس له على العناصر النحوية، وأن دلالة السياق تجعل الجملة ذات هيئة تركيبة واحدة بمفرداتها ، والسياق غير اللغوي هو الذي ليس له عناصر لغوية في الجملة. وهو ما يُعرف بسياق المقام، وهذا اتجاه اهتمت به المدرسة اللغوية الاجتماعية. ولتنغيم الكلام المنطوق دور دلالي في التفسير، ويتنوع التفسير بتنوع النغمة، وهو قرينة لغوية كاشفة عن البنية العميقة، ويساعد على معرفة مدلول الجملة.
أما النبر فهو عنصر صوتي يقع على بعض مقاطع الكلمة يؤدي دور بعض الوظائف النحوية خاصة النبر السياقي، وعليه يعد التنغيم والنبر السياقي من القرائن اللفظية ذات سياق لغوي يعين على تحديد سياق الجملة، ويعتبر الشرط الدلالي عاملا للتفريق بين الوظائف النحوية، ولتحقيق هذا الشرط الدلالي في وظائف النحوية مثلا في التميز يشترط فيه أن يكون " بمعنى من"، أما الظرف فيشترط أن يتضمن "معنى في"، والحال يشترط فيه "أن يكون مذكورا لبيان الهيئة"، والإضافة يشترط "أن تكون بمعنى من"، والمصدر المضاف يكون" مضافا إلى فاعله في المعنى أو إلى مفعول في معنى"، واسم الفاعل إذ لم يكن صلة ل (ال) يشترط فيه "أن يكون معنى الحال أو الاستقبال "، وكذلك اسم المفعول والمصدر يشترط فيه "أن يكون بدل من لفظ فعله"، وصيغة فعيل التي يستوي فيها المذكر والمؤنث يشترط "أن تكون بمعنى فاعل"، وجواز الابتداء بالنكرة موصوفة في بعض الحالات في المعنى أو مضافة في المعنى، والتزام النصب على المفعول به إذا كان هناك مانع معنوي.
وهناك كذلك بعض الظواهر النحوية التي يقوم فيها الجانب الدلالي بدوره، مثلا:
= في الحذف تدفع دلالة السياق المتكلم إلى اختصار وحذف بعض عناصر الجملة وذلك على ضربين: توسع في إيقاع العلاقات النحوية، وحذف بعض عناصر الجملة، واكتفاء بعضها الأخر.
= في اختيار وجه نحوي معين: يقوم العنصر الدلالي على اختيار وجه معين من أوجه النحوية.
= في اختيار الرتبة: يقوم العنصر الدلالي بتميز الوظائف النحوية عن بعضها من بعض مما ينتج لها حرية الرتبة.
= في تصنيف بعض الكلمات: وذلك في الحكم على بعض الكلمات بأنها أسماء معارف ونكرات.
= في التعريف والتنكير: ويكون في بعض الأسماء علامة التعريف.
= في الحمل على المعنى: وذلك بأن يحمل الكلام على معناه لا على لفظه.
المبحث الرابع: فاعلية المعنى النحوي في النص
يشرح المؤلف في هذا المبحث تجزئة النص من أجل دراسته يراد بها الفهم العقلي لحركة أجزائه والعلاقة فيما بينها في جسم حي هو النص، وكل دراسة لغوية غايتها فهم النص والنص اللغوي، وحدة متلاحمة من صور منطوقة وهي المفردات ونظامه النحوي؛ أي الهيئة التركيبية. ومن هنا ينتج التفاعل الدلالي النحوي.
لقد حرص النحاة على التفريق بين الكلام والقول، والكلام كل لفظ مفيد يفهم به المعنى وفيه يكون التفاعل النحوي الدلالي، أما القول فهو مفردة، والمفردات المركبة، وعليه كل كلام قول، والعكس ليس صحيحا.
الدلالة النحوية التي يتأسس بها النظام النحوي الموجودة من وراء المفردات مع دلالة المعجمية، يشكلان معنى الكلمة في الجملة، فكلا الجانبين متعاونين، والجملة هي حصيلة تركيب المفردات في نمط معين حسب قواعد لغوية معينة، والاختيار بين جداول المفردات وجداول النظام النحوي ينتج جملا صحيحة نحويا دلاليا، وعليه أن مستوى الكلام يتدرج من الإبلاغ غير الفني إلى الإبلاغ الفني عن طريق الاختيار بين نوعين من الجداول: (المفردات والنظام النحوي).
يراد بالمعنى النحوي عند الجرجاني التوفيق في الاختيار بين المفردات ووظائفها النحوية، وذلك من خلال نظرية النظم. أدرك الجرجاني وسيبويه بأن هناك تداخلا بين التراكيب والمعاني، واختيار الكلمات في النظام النحوي هو أساس المعنى الذي يبحث عند نقاد العمل الأدبي، ومنه تبنى الجملة، وهو الذي يبين شخصية الشاعر وتميزه.
ولفهم العمل الأدبي يجب أن يكون هذا الفهم قائما على أساس معنى نحوي، وعليه المعنى النحوي ليس منعزلا عن النص، وأن العزل بين جانبي النص كان نتيجة الإهمال لفعالية المعنى النحوي في تناول النصوص، ونتيجة لخلط دارسي اللغة العربية بين أمرين: وهما العلامة الإعرابية التي تعمل على وضوح المعنى ونظام النحو،. والاكتفاء بالنظر إلى النحو من جانب العلامة الإعرابية أفقد النص حيويته. لذلك يجب العودة إلى المعنى النحوي الدلالي لإحياء النص.
- يافطة للعدد الخاص بمبادرة خطوات نحو التميز