عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

طه بونيني - الجزائر

صلاح الدين يفكّر


طه بونيني كنت وصلاح الدين في جولة سريعة. رجعنا للتوّ، وها هو ابني ذو العامين ونصف عام أسفل العمارة، يهمّ باعتلاء الدرجة الأولى في السلالم.

لم أكن أتجرّأ أن ألفظ هذا، قبل بضعة شهور. طفل صغير وسلالم في جملة واحدة. لم يكونا ليجتمعا إلا ووجع الرأس ثالثهما.

كان يحمل علبة حلوى. بدونها كان ليستعين بالدرابزين، ليصعد ويتدبّر أمره لوحده، أمّا وهو يحمل العلبة، فقد تلكّأ وتردّد وحاول الصعود وهو يتهادى كالبطريق. إنّه في مرحلة يريد فيها فعل كلّ شيء بنفسه. لكنّه لم يستطع. عندها ناداني: "أبي. أبي".

إنّه نداء نجدة، يطلب منّي أن أنتظر وقد سبقته ببضع درجات. وكي أخفف عنه عناء العلبة، طلبت منه حملها عنه، دون أن أعلّق على طلبي أملا كبيرا.

توقّف صلاح الدين. ثبت في مكانه للحظة. ظننت لثانية أن خطبا ما ألمّ به. لكن سرعان ما انقطع خيط السكوت. لقد كان يفكّر.

دام جموده ثانيتين، والثمرة الجديدة التي أفضى عنها هي "اتخاذ قرار".

لعلّه اتّخذ بعض القرارات الصغيرة من قبل، لكنّي لم أعهده سخيا جدا، لدرجة منحي علبة الحلوى، بعد مقاومة لا تذكر، ودون أن يبكي، بل بمحض إرادته.

لا يجب أن تمرّ لحظة كهذه دون اعتبار. شغّلت جهاز المنظار المعنوي، ونظرت إليه بعين خالية من النمطية، فرأيت طفلا صغيرا، يحاول حلّ مشكلة. وقد تطلّب الأمر، أن يشغّل عقله الصغير، ويفكّر.

أعطاني العلبة. هذا هو قراره الأخير، ليتخفّف من العبء. صعدنا درجة درجة، نحو الطابق الأول، حيث أسكن، وبينما أصعد الدرج، قلت في نفسي: عندما نصل الطابق الأول، سيحدث أحد الاحتمالين: لا يطلب صلاح الدين علبته، ويكون عندها قد وهبني إياها، وتخلّى عنها، وهذا حلّ للمشكلة؛ أو يطلب منّي أن يستعيد علبته، التي أودعني إيّاها. وبلغة البيان، فهذا الحلّ أبلغ.

كنت أفكر في الاحتمالين، بينما أرتقي السلالم، وكان صلاح الدين يفعل كذلك. كلّ درجة هي بمثابة خطوة جدّية يقبل عليها.

ارتقينا تسع عشرة درجة، وبقيت أمامنا خطوة واحدة. ارتقيت الدرجة الأخيرة ساهيا. كان عقلي مشغولا، صار خيالي يطير كثيرا.

أكملنا الدرجات العشرين واقتربنا من الباب. هممت بفتح الباب، وقبل أن ينسلّ المفتاح في القفل: "أبي. أبي". يناديني صلاح الدين.

"ماذا؟" أجبت ببال مشغول.

"أواوْ" أجابني. استدرت نحوه، وقد استرعى انتباهي.

بلغة صلاح الدين الخاصة "أواوْ" تعني علبة الحلوى بالكاكاو. أعطيته إياها. وفتحت الباب بينما أقول له: "أحسنت". إنّه أول قرار يتّخذه، يضحّي فيه بعلبة الحلوى، لمدّة قصيرة، ليحلّ مشكلة. ولو كانت مجرّد صعود الدّرج.

D 1 أيلول (سبتمبر) 2018     A طه بونيني     C 0 تعليقات