عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » أرشيف الأعداد الفصلية: 2016- » أعداد السنة 13 » العدد الفصلي 12: ربيع 2019 » كلمة العدد الفصلي 12: التقدم التقني والبطالة والعولمة الكاذبة

عدلي الهواري

كلمة العدد الفصلي 12: التقدم التقني والبطالة والعولمة الكاذبة


.

عدلي الهواريالعولمة والتجارة الحرة وخصخصة مؤسسات القطاع العام وصفات قُدمت للعالم باعتبارها حلولا ناجعة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الدول، وخاصة النامية منها.

ونحن الآن في عصر التطورات التقنية المتلاحقة، التي بلغت مرحلة الاستغناء عن الأيدي العاملة بعد أن كانت الآلة تستخدم لزيادة إنتاجية العمال.

من الواضح الآن أنه كلما زاد التطور التقني، كلما قل الاعتماد على الأيدي العاملة، وتقلص عدد العمال والموظفين. في هذه الأيام، تذهب إلى البنك، فتجده مزودا بمجموعة من آلات سحب النقود، أو إيداعها. وتقلص عدد الموظفين الذين يقدمون هذه الخدمة إلى الزبائن.

قبل انتشار الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، كان عليك الذهاب إلى مكتب البريد لدفع الفواتير أو شراء طوابع لإرسالها بالبريد. في الوقت الحاضر، لا تغادر بيتك، وتدفعها باستخدام هاتفك أو حاسوبك.

مصانع السيارات كانت تعتمد على الأيدي العاملة، فصارت تعتمد على عملية إنتاج آلي، أدت إلى تقلص عدد العمال في قطاع كان يحتاج إلى الكثير من الأيدي العاملة. وكان العامل في هذا المجال ذا دخل جيد.

لم يعد شراء كوب القهوة أو علبة مشروب غازي أو قطعة شوكولاتة يحتاج للذهاب إلى دكان صغير، فالماكينات التي تشتري منها هذه الأمور متوفرة في الكثير من الأماكن.

الأمثلة كثيرة على حلول الآلة مكان الإنسان، والتقلص المطرد في الأعمال والوظائف. في الوقت نفسه، لا يتوقف حديث الحكومات عن النمو الاقتصادي بنسبة كذا، أو السعي إلى تحقيق نسبة أعلى من النمو بزيادة الاعتماد على التكنولوجيا.

في الوقت نفسه تتزايد البطالة، وتؤدي هذه في كثير من الأحيان إلى الفقر والتهميش. والرعاية الاجتماعية التي تقدمها الدول للعاطلين على العمل في تآكل مستمر.

والثراء المتراكم عن التطورات التكنولوجية انحصر في أيدي فئة صغيرة من الناس، ولم تنتفع منه الأغلبية الساحقة من مستهلكي المنتجات الإلكترونية، كالهواتف الذكية التي يبلغ ثمن بعضها بضع مئات من الدولارات.

الدول العربية كانت تعاني من مشكلة البطالة حتى في فترة الازدهار الاقتصادي قبل الغزو التكنولوجي، وكان ذلك نتيجة ارتفاع عدد السكان بنسبة أعلى بكثير من مثيلاتها في الدول الغربية. ولذا كانت أعداد خريجي الجامعات (ولا تزال) أكبر مما يمكن لأسواق العمل المحلية أن تستوعب.

ومحاولات ربط التعليم بسوق العمل لا أساس علميا دقيقا لها، فمنذ سنوات يعاني خريجو التخصصات المهنية من البطالة مثلما يعاني منها خريجو التخصصات الأخرى، كالتاريخ والآداب والعلوم الإنسانية.

وكلما واجهت حكومة مشكلة اقتصادية، لجأت إلى فرض إجراءات تقشف يكون ضحاياها الفئات التي تكافح من أجل توفير سبل العيش الكريم، فيزيد التقشف من قسوة أحوالها المعيشية.

كل دول العالم النامي صارت تريد تحقيق الأمر نفسه، وهو جذب استثمارات أجنبية، وتشجيع هذه بالقول إن الأيدي العاملة فيها ماهرة ولكنها رخيصة، وتقديم امتيازات ضريبية، مثل الإعفاء من الضراب بضع سنوات، أو دفع نسبة متدنية.

في التسعينيات تم الترويج للعولمة، وقيل إنها ستسهل انتقال الأموال والبشر. ولكن ما جرى في الواقع هو فتح أبواب الدول النامية للمال الآتي من الخارج ليجمع المزيد من المال المحلي. ولذا، بعد أن كان المواطن يشتري القهوة من محل صغير، أو بائع متجول، صار يشرب القهوة في مقهى أجنبي مقابل بضعة دولارات للكوب الواحد. ومن المرجح أن يفعل ذلك وهو عاطل عن العمل أيضا، ويحصل على مصروفه من أبيه أو أمه.

من سمات الأوضاع في الدول العربية الآن نسبة البطالة المرتفعة، وعجز الحكومات عن توفير حلول. ولن يمكن حلها بمزيد من الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية، أو زيادة الاعتماد على التكنولوجيا، فهذه كما نعلم من الأمثلة التي ذكرتها في البداية تؤدي إلى تقلص مطرد في عدد فرص العمل.

بعد ترويج الرئيس الأميركي بل كلنتون للعولمة، تبين بعد تولي دونالد ترمب الرئاسة أنه حتى الولايات المتحدة تريد أن تعود إلى حماية اقتصادها من منافسة الدول الأخرى كالصين، مع أن الحماية كانت في أوج الترويج للعولمة مصطلحا يقصد به الحديث عن ظاهرة سلبية.

إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تحمي اقتصادها من التنافس، ويريد رئيسها الحالي أن يقيم جدارا على الحدود مع المكسيك، فهذا يعني أن الدول الأخرى، ومن ضمنها الدول العربية، بحاجة عاجلة إلى إعادة النظر في إدارتها لاقتصاداتها.

في رأيي أن الدول يجب أن تعود إلى سياسات الاكتفاء الذاتي، الغذائي أولا. كما أن الاعتماد على التكنولوجيا بحاجة إلى أسلوب مختلف.

نظريا، المفترض أن التكنولوجيا تريح الإنسان وتزيد من الوقت المتوفر لديه لعمل أشياء أخرى يستمتع بها في الحياة. ولكن واقعيا، التكنولوجيا تريح الإنسان أكثر من اللازم، وتحوّله إلى إنسان عاطل عن العمل، وما يترتب على ذلك من مشكلات معيشية ونفسية.

أيهما أفضل لدولة عربية ما: أن يكون لديها مصانع إنتاج آلي، ونسبة عالية من العاطلين عن العمل، أم أن يكون لديها مصانع تشغل عددا كبيرا من العمال، وتلبي حاجات السوق المحلية، وبالتالي تتدنى نسبة البطالة؟ في رأيي أن الخيار الثاني أفضل للمجتمع. أما الأول فهو أفضل لصاحب رأس المال.

وصفات الخصخصة وغيرها من الوصفات سياسات اقتصادية مستوردة كان لها الكثير من النتائج السلبية. من الحكمة العودة إلى سياسات اقتصادية كانت فعالة في الماضي القريب، مثل سياسات الاكتفاء الذاتي، وحماية القطاعات الاقتصادية المختلفة، الزراعة والصناعة وغيرهما، والحرص دائما على أن تكون البطالة في حياة الإنسان أمرا عابرا، وتكون إذا حدثت لفترة قصيرة نتيجة الانتقال من عمل إلى آخر.

D 1 آذار (مارس) 2019     A عدلي الهواري     C 3 تعليقات

3 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

الصوفية في روايتين لغرايبة والقيسي

تجليات الفقد في بيت آسيا لاستبرق أحمد

"خيميائية" الحب والفوضى

كوْرا: قراءة في نصوص من التبت

قمرنا أحلى