منى كاظم - العراق
صدى كلمات
لا ادري لمَ تهرب مني كلماتي، فها أنا استجمع قواي لكتابة بضع كلمات. كم كتَبتُ من كلام قبل اليوم، واكثر منه ما قلته مع نفسي، فلقد عوّدتني أيامي على الكتمان.
عديدة هي الكلمات التي كتبتها أخاطب بها طيفك الحاضر أمامي في لحظات الصعاب، فأبثُ فيها حزني وحيرتي بين كفي طيفك، ثم أعود فأخبأها بين طيات الكتب، فقد لا أجد فيها لغتي القادرة على التعبير عني. أشعر باني غير قادرة على كتابة الفرح أو وصف السعادة، ربما لأن الكلمات غير قادرة على وصف تفاصيل الفرح أو السعادة مثلما تكون واقعاً. ولكني قد أروض نفسي على الشعور ببعض السعادة، فقد اكتب عنها ذات يوم.
تتراقص من حولي الكلمات، ويضُّج مسمعي بالأصوات، كلماتٌ من يسمعها يظنها الشهدُ في كاس الشفاء، فتَرتسِم على شفاه من يطلقها سعادة سرعان ما ينكشف زيفها. إنها كلمات حروفها من سراب، ما إن يمر عليها الزمن حتى تتلاشى ويختفي لها أي اثر أو تأثير، فارغة من المعنى، يغيب عنها الصدق، فينعدم فيها سحر التأثير، فلم تعد تلك الكلمات تجد لها مكاناً على الصفحات أو في ذاكرة أيامي.
شتّان بين كلمات تتدفق من صدق الأعماق، فتترسخ في الذاكرة، وتزداد تألقا وإشراقا كلما مرت عليها الأيام والسنون، وبين كلمات تنطلق عبثاً من الشفاه بلا مبالاة، ولا يتعدى تأثيرها حيز المكان الذي تنطلق فيه.
لا أستطيع التعبير عن السعادة التي منحَتني إياها كلماتك. كيف يمكنني وصف كلماتك أو التعبير عما تحمله من معنى؟ فهي وان قلّت أو بدت قاسية بعض الشيء، يشرق فيها شعاع الصدق المتألق بنقائه كنقاوة بلورات ثلج لامسته الشمس من بعيد فوق سفح جبل من الجليد القاسي ليسطَع دون أن يحجبهُ شيء.
من صدى كلماتك كنت أتلمس طريق حياتي، فأبصرُ في الظلام، ذلك الصدى الواسع الذي يخترق الأعماق والأجواء ليصل إلى وجداني، فيوقظ عقلي ويحرك أصابعي لتكتب ما لا أجرؤ على التلفظ به.
إن الصدق الذي تنطق به كلماتك أقوى من ذلك الجدار الزائف الذي يحيط بي ليحجب عن ناظريَّ واحة الأمل. لو تعلم تأثير كلماتك. ما اكتبه ليست مجرد كلمات صمّاء أو جمل باهته، هي نفحات من بعض ما تعلمته منك، فمن شذا كلماتك تعلمت اكثر ما علّمتني كتبي، فلو أَني من المدرسة تعلمت كيف اقرأ وأكتب، ومن الكتب تعلمت الحكمة والتفكير، فمنك تعلمت كيف أكون، وأين أكون. ودون أن تنتبه، ومن غير سابق تصميم، أصبحت أنت معلمي الأول.