منال الكندي - اليمن
للخير وجه آخر
التقى بها في ندوة ثقافية أقامها مركزه الخيري. كانت تنتقل بخفة بين الحضور بعد انتهاء الندوة لتسجل لقاءات صحفية عن انطباعات الحاضرين للندوة. أوقفها مسلما عليها وطالبا منها أن تعمل في مركزه كمتطوعة. حدد لها ميعادا لمقابلته في اليوم التالي في مكتبه دون انتظار لردها.
لم تكن صدفة. لقد سمع بها عندما زارت المركز الخيري لتأخذ موعدا للمقابلة مع ضيف المركز. وهناك تعرفت على زوجته المسئولة المالية عن المركز، ودار بينهم العديد من الأحاديث.
جاءت إلى المركز حسب الموعد. ظل يتحدث عن طبيعة المركز الخيري والخدمات الصحية والثقافية والخيرية التي يقدمها لكل الفئات ودعمه للشباب. تبعت هذه الجلسة عدة جلسات مطعمة بالفكر الخيري والأهداف النبيلة التي يريد تحقيقها لمركزه ومن حوله.
تطوعت للعمل الخيري. كانت نشيطة ومجتهدة، وعملت بجد وصدق. وذات يوم سافر المدير وعين نائبا له. أثناء عملها لساعات متأخرة دخلت امرأة بملابس رثة وبسيطة الملامح. كانت تحمل طفلا صغير ينزف نتيجة لخطأ في ختانه، فأخذتها متوجهة بها لطبيبة المركز، ولكن كانت الطبيبة قد غادرت.
"هل لديك أحد يذهب معك للمستوصف الآخر لإسعافه؟" سألت المتطوعة المرأة.
"لا. زوجي لم يعد بعد من عمله، ولا أعرف أحدا في الحارة." ردت المرأة وهي ترتعش من خوفها على ولدها الذي توقف صراخه وتجمد بين يديها.
نادت المتطوعة على نائب المدير كي يساعدها في أخذ الطفل بسيارة المركز إلى المستوصف الذي يبعد شارعا عن المركز. صرخ بها: "لست سواقا لأحد."
كانت الساعة التاسعة ليلا. شمرت المتطوعة عن ساعديها وأخذت المرأة وطفلها وأوقفت سيارة أجرة وطلبت من السائق التوجه إلى المستوصف. وهناك تمت كل إجراءات مداواة الطفل، الذي استرجع صوته وبكى صارخا. وعلت الفرحة وجه أمه وكأنها استعادت روحها.
عادت المتطوعة بالمرأة إلى بيتها القريب من المركز. كان الأب عندئذ في البيت، وشكر المتطوعة على ما فعلت وهم بدفع التكاليف، لكن المتطوعة رفضت، واستأذنت لتغادر وتمنت لهم الخير.
لم تعد المتطوعة للمركز في اليوم التالي. بعد أن مضى على غيابها أسبوعين، اتصل المدير ليسأل عنها وعن سبب غيابها، فأخبرته بما حدث مع النائب والإسعاف.
"عفوا، أنت لم تفهمي الخير بمفهومه الحقيقي." قال لها.
قالت ببرود: "لم أكن أعرف أن للخير فهما آخر." وأغلقت سماعة الهاتف.
◄ منال الكندي
▼ موضوعاتي