دليلة سليطين - المغرب
الأم
لو تسألني من هي جوهرة الحياة ولؤلؤتها؟ لو تسألني من هي نبع الحنان والحب؟ لو تسألني من أغلى شخص في الحياة؟ سأجيبك: إنها الأم، ولا تنتظر جوابا آخر مني، فالأم كلمة صغيرة ذات معانٍ كبيرة وشتى. هي أغلى شيء في هذه الدنيا. لولاها ما ولدت، ولولاها ما كبرت. الأم هي المدرسة الأولى وهي أول من تفتح عليه أعيننا. وبمجرد ما تقترب من حضنها تجد الحنان والحب اللذين لم تحس بهما من قبل في الحياة. فمنذ نعومة أظافرك وهذه الإنسانة الغالية، أو بالأحرى جوهرة الحياة الثمينة، تمنحك من نبع حنانها الفائض الذي لا يجف ولا يقل. تتركك تسبح فيه فلا تمل. ومنذ تعلمك المشي وهي تحيطك بعنايتها الفائقة وحبها الذي ليس كمثله حب. تطعمك من حليبها اللذيذ الذي منحه خالقنا لها. وكم تتألم هذه الجوهرة من أجلك ولكن إذا كانت هذه الآلام في سبيلك، في سبيل راحتك، فإنها تقلب الآلام فرحا وسرورا من أجلك أنت: ذلك الإنسان الذي نكرها وجحد بتضحياتها.
يعجز القلم عن وصف هذه المرأة العظيمة ومزاياها التي أرسلها الله إليك، ولو كتبت ألف كتاب لن تستطيع إحصاء تضحياتها. في عينيها ترى الحنان بعينه، نظرة واحدة منها تشعرك بالأمان والطمأنينة. كلمة صغيرة من شفتيها تولج فيك إحساسا بالفرحة والسعادة والراحة والأمان، وتحرك فيك مشاعر لم تشعر بمثلها من قبل. من هاتين الشفتين اللتين لا ثمن لهما، تخرج كلمات رنانة كأنها تغريد بلبل في الربيع. ورائحة هذه الكلمات تشبه رائحة المسك. وأبدا لن تسمع منها كلاما يضرك أو يؤذيك، فكلها خير في خير. وحتى عندما تكبر فأنت تبقى وتظل في أمس الحاجة إليها، إلى حنانها وحبها ومساندتها ونصحها، فنحن كالنبتة الضئيلة وهي الشمس تمنحنا الحياة والسعادة والدفء. فالحياة بدون أم ليست حياة.
وحتى الإنسان غير السوي الذي قد يتكبر عليها أو يجرحها بكلمة أو يشتمها أو يرفع يده عليها تسامحه الأم ولا تحمل أي ضغينة تجاهه. فقلبها طيب طاهر. عندما ينبض هذا الأخير، فإن كل دقة هي لك وهي مليئة بالحب اتجاهك، فهي تعيش من أجل راحتك وهناءك، وتسهر على فرحك وهدوء بالك. فما أعظم هذه الإنسانة! وما أغلى هذه الجوهرة التي ليس مثلها أحد! هي مستعدة أن تفديك بدمها وتضحي بكل غال ونفيس من أجلك.
إنها أفضل ما في الدنيا، إنها كزهرة في الربيع، إنها كالشمس في غروبها، إنها الهواء الذي نتنفس به، إنها النور الذي نرى به. إذا رحلت، رحلت الدنيا كلها. لا يعرف قيمتها سوى اليتيم، ولا يقدرها سوى العاقل البار. هي عماد الأسرة وعماد المجتمع، لولاها كنا مجتمعا لا يعرف معاني الرحمة ولا السعادة ولا الحنان. تعطي ولا تأخذ. إنها كالنخلة الشامخة التي تأكل أنت من ثمارها اللذيذة فلا تشبع. إذا فعلت كل ما يمكن فعله على وجه الأرض ما استطعت أن ترد حتى حرفا من كلماتها، ولا قطرة عرق واحدة من العرق الذي كان يتصبب منها يوم تعبت في تربيتك وتغذيتك وكسائك، ولا ذرة من تضحياتها من أجلك.
هذه الإنسانة تبني لك عشا في حضنها الدافئ. تعلمك كيف يكون التسامح والتراحم، وكيف تفرح وتسعد. تطلعك على خالقك وعلى رسوله الكريم. إنها السند في الحياة والعصا التي نتكئ عليها. فما أثمنها! وسبحان خالقها! تستحق منا الكثير الكثير. اعلم أن الله وضع الجنة تحت قدميها، وأوصى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها وبالإحسان إليها، فيا ليتنا نستطيع رد جميلها ولو جزءا من خيرها اتجاهنا، ويا ليتنا نستطيع أن نعوضها على كل تعب تعبته معنا ولم تشتك منه.
إنها كالوردة عندما تقطف، تتألم ولا تظهر. إنها الطبيعة بأكملها والحياة برمتها. فالأم كانت أحن صدر علينا في الصغر، فلماذا لا نكون أحن صدر عليها في الكبر؟ الأم هي نواة الحياة، فهيا نحسن إلى والدينا، عسى أن نرد ولو تضحية من تضحياتهما، فنكسب رضا الوالدين ورضا الله معهما. اللهم اجعل أمهاتنا من أصحاب الجنة وفي أعلى المراتب فهن أحق بذلك.