ياسمينة صالح - الجزائر
الأعوام تمضي كما الأيام
تصور أنني فكرت في الاتصال بك هذا اليوم لأقول لك: عيدا سعيدا وعاما جميلا، كما يقولها كل الناس بشهية مفتوحة على الكذب. أن يتمنى المرء عاما سعيدا أشبه بالكذبة البيضاء في عز البرد. فهل تبقى من السعادة ما يكفي لنتمنى لبعضنا منها ما لا يستحق الخجل؟
هل ثمة عيد للرياء؟ كل أعيادنا محاطة بالكذب، وهدايانا فقدت حرارتها منذ فقدنا الرغبة في التعبير عما يعترينا من "احتلال" أبيض نستشعر طعمه المر جليا في أوقات نكتشف فيها أننا أقل صلابة مما اعتقدنا، وأن الذين أسسوا في دواخلنا هذه الهشاشة يتهموننا اليوم بالضعف، ويدينون خوفنا من الموت الذي زرعوه في خبزنا اليومي كحارس شخصي على كل حل. كلما مرت مناسبة بالجوار نتذكر أننا نتمنى لأنفسنا سعادة خالية من الفرح، وأننا في النهاية نتسلى بالأشواق، كما يتسلى مارد في قنينة الوقت البليد الممتد ما بين عادة التخاذل ونمط "التجعيد."
كم هو ماطر هذا النهار من العام الجديد والعيد السعيد! لم يكن العيد ممكنا إذن، لأن الناس الذين لم يغادروا بيوتهم فعلوا ذلك عن قناعة بأنهم على حق. ولأن الذين خرجوا يشعرون بالتأفف من الشوارع الموحلة، ومن الازدحام الرهيب والوجوه التي فقدت وجهها الأول أيام فقد الوطن ملامح.
في العيد يخرج الأغنياء إلى الشوارع. يخرجون لأن عليهم أن يخرجوا. لأن عادة الوطن تكمن في خروجهم في وجه هذا الضجر اليومي، واليوميات المتشابهة. يخرجون ممسكين ببالونات يطيرونها في الهواء معتقدين أن ذلك يضفي على العيد طابعا قوميا. في العيد يبقى الفقراء داخل بيوتهم. يأبون على أنفسهم تلك النظرة المزمنة التي يعرفونها جيدا قبالة عيد لا يلبسون لأجله شيئا ولا يذبحون على شرفه عنقا. يبقون بعيدا في عزلة الوطن الذي لا يسأل لماذا يقل عدد الأطفال في الشوارع يوم العيد؟ ولماذا يزداد عدد الفقراء في العيد؟ لكن الحياة التي قيل إنها ستتغير هي ذاتها الحياة منذ بداية الخليقة. تماما كما يتكلم الناس في وقت الفراغ عن ذلك الطفل الذي سأل والده: "لماذا لا ألبس للعيد ثوبا جديدا ولا أخرج إلى العيد طفلا سعيدا؟" فقال له والده: "تريث. عندما نذبح البقرة سأشتري لك كل ما تشاء."
واستغرب الطفل كثيرا. بقرة؟ ليس لديهم لا بقرة ولا ثور. حاول أن يستفسر فلم يقدر. فقد أغلق عليه والده باب الحوار. كل عيد يقال له الشيء نفسه، بالطريقة نفسها، غير القابلة للجدال. ويظل الطفل مصرا أن والده كذاب كبير، إلى أن كبر الطفل وصار شابا فقيرا وسعيدا لأنه فهم أخيرا أن البقرة هي الوطن الذي يتكلم الرئيس عنه بعبارة "البقرة الحلوب."
فتصور، نعم تصور أنني فكرت في الاتصال بك هذا اليوم. لأقول لك: عيدا سعيدا وعاما جميلا، كما يقولها كل الناس بشهية مفتوحة على الكذب. أن يتمنى المرء عاما سعيدا أشبه بالكذبة البيضاء في عز البرد. فهل تبقى من السعادة ما يكفي لنتمنى لبعضنا منها ما لا يستحق الخجل؟
◄ ياسمينة صالح
▼ موضوعاتي