عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

عبد القادر حميدة - الجزائر

قصتان: يوم خمسة يوليو ورحلة


القصة الأولى: يوم خمسة يوليو

دفقة الحب المفاجئة دفعته إلى نصحها: "لا تقربي هذا المكان في اليوم الخامس من يوليو."

رمقته بود، وابتسمت قائلة: "صاحبة المكان قالت لي نفس الكلام، لكن كيف علمت بهذا الخبر؟"

"من أحدهم. جاءني بالأمس ليخيط سروالا قطنيا تحسبا للشتاء القادم. جلس قبالتي وأنا منهمك في العمل. لفتت يدي اليمنى انتباهه، فاستفسر عنها، فقلت: فقدت أصابعي دفاعا عن حبيبتي."

قال بتيقظ واهتمام كبير وبعينين بارزتين: "كيف؟"

أجبته: "هجمت علينا عصابة في خلوتنا، فأخذت رفيقة صاحبي دون مقاومة تذكر. لكنني تشبثت بحبيبتي، ودافعت عنها، وظللت متمسكا بها، ممسكا بطرف ثوبها، والعصابة تجرها، إلى أن حالت بيني وبينها أسلاك شائكة. فلصقت يدي هناك. بقيت أنزف سبع ليال، كنت أنتحب وقد هدني الحزن والتعب والجوع. وفي اليوم الثامن تركت أصابعي بين الأسلاك ومضيت أبحث عنها، وسرعان ما وجدتها على تلة تبكي، ممزقة الثياب. قالت عندما رأتني:

"لقد أخذوا مني كل شيء."

"فزعت لهول ما أصابها و أصابني. وقررت الوقوف إلى جانبها. طويت صفحات الأحزان واحدة تلو أخرى. لكنها ذات ليلة سافرت ولم تعد."

قال الرجل: "أنا آسف."

قلت: "لا عليك."

ثم دقق النظر في مجددا وقال: يبدو أنك تعرف (أميرة). أنصحك، لا تقترب من ذلك المكان في اليوم الخامس من يوليو.

القصة الثانية: رحلة

المكان: منتصف الطريق.

الزمان: منتصف العمر.

الوقت: منتصف الليل.

جلست، وقامت في رأسي قامات كبيرة، أصابتني بصداع حاد. كنت قد تعرفت على بعضهم من بطاقات هويتهم المعروضة في بغية الوعاة (*). وكنت أتأمل السائرين حين بدا لي أن أسأل أحدهم:

"إلى أين يمضي القوم؟"

ابتسم لي، وواصل سيره، فأخذتني سنة من نوم. تثاءبت متلذذا نعاسي، ثم استلقيت على ظهري ومددت رجلي ونمت.

فرأيته يغني "أضاعوني وأي فتى أضاعوا". غنيت معه وبكيت.

ثم رأيتهم يدوسون وردته. لم أتمالك نفسي. صرخت فيهم، لكنهم لم يسمعوني. صرخت فيهم ثانية، وحين بدا لي أنهم سمعوني، انتبهت. وجدت نفسي في ذات المكان والزمان، والوقت قد مضى بي. قررت أن أسير سير صاحبي، فنادتني وردة قائمة على قارعة الطريق:

خفض أسى عما شآك طلابه --- ما كل شائم بارق يسقاه


(*) بغية الوعاة كتاب للإمام السيوطي.

D 1 شباط (فبراير) 2007     A عبد القادر حميدة     C 0 تعليقات