عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

محمد العصفوري - مصر

السد


الزمان: الثالثة قبل الفجر.

المكان: لا أدري ولا أستطيع أن أحدد بالضبط أين كنا.

فجأة، وسط سكون الليل، انبعثت طرقات مزعجة من ناحية الباب كانت أشبه بطلقات مدفع مكتوم.

قام أبي وقد أكلته الدهشة بفتح الباب فتحة صغيرة. دفعوه حتى فتح على مصراعيه. انتشروا في أرجاء البيت في أقل من لحظة.

أصابني الذعر. هرولت إلى داخل حجرتي. ربتت أمي على ظهري. أسرعتْ بارتداء ملابس أخرى فوق التي كانت ترتديها. سكنت في ركن.

بعد دقائق تحول البيت إلى ثكنة عسكرية. انقلب كيانه. استأذن الضابط-بدا لي مهذباً-في الدخول إلى حجرتي. لم يمانع أبي.

بحث الجنود في كل ركن وكل شبر عن شيء لم أدركه بعد. جمعوا بعض الكتب والأوراق. بسط أحدهم ملاءة السرير الخاصة بي. ألقى ثانٍ ما جمعوه فيها. ربطوها فأصبحت أشبه بصرة كبيرة الحجم. حملها ثالث. استدار الضابط إلى أبي:

"آسف لابد من مجيئك معنا."

صاحت أمي. أفلتت مني دمعة. أحكم أحدهم ما ظننته سوار حديدي حول معصم أبي الذي استسلم في صمت. فتح الباب مرة أخرى.

حشد من الجيران. تطلعت العيون. اشرأبت الأعناق. أبي يمضي رابط الجأش ,رافع الرأس إلى العربة.

ألقى عليّ نظرة ذات مغزى، لا أدري ما هو. انطلقت العربة يشق صفيرها آخر ما تبقى من سكون الفجر.

نادت علىّ أمي. أخذت تتكلم بكلام أكبر مني. في الصباح سمعت لكن لم أفهم. تجارة مخدرات. تزييف دولارات. قلب النظام. توزيع منشورات.

مصطلحات عجيبة. اكتفت أمي بكلمة كانت ترددها كلما سألتها: "حسبي الله ونعم الوكيل."

لف الظلام المدينة. أصبحت رجل البيت. خرجت أحضر طعام العشاء. نظرات قاتلة. ابتسامات خبيثة. همسات خائنة. توريات في الحديث تحمل روح السخرية. أعمدة النور بمصابيحها العملاقة تنظر إليّ ضاحكة وتفرش الطريق أمامي بظلال متحركة. العمارات الشاهقات تقف كسد منيع للهواء والضوء وكل شئ. ونظرة أبي ذات المغزى الذي لم أدرك حتى الآن ما هو.

D 1 آذار (مارس) 2007     A محمد العصفوري     C 0 تعليقات