رحاب الصائغ - العراق
ربات التمرد
مكتب المدير في الطابق السابع. غرفة مكيفة. سكائر من نوع جديد. تمر عليه بين الفنية وأخرى السكرتيرة بفستانها الزهري. تنفخ علكة أجنبية خارجة من فمها كالبالون. ترفع سماعة التلفون. وتعلن للمدير عن وجود ابنته غادة. قدماه يغوصان في الحذاء المبطن. يومئ لها برأسه المغطى بالشعر المصبوغ.
تدخل غادة كالأميرة. شابة وسيمة تعشق الكلاب، وتبحث عن أفضلها أثناء تجوالها في البلاد. بغنج تناديه: "بابا" تاركة عفويتها المتشحة بالعزلة، مثل غزال شارد يصعب صيده.
حدث أمر ما أمس، واليوم قلبي يلوك اللعنات على كل لحظة.
"ما أروع هدوءك يا أبي!"
ولكني أجد قلبي يخالفني. ويرقص بحب الحياة، وداخلي مشاعر وأحاسيس جمة. بعد أن طبعت على خدي قبلة لم أجد ألذ منها في الفراغ الذي أعيشه، فسكنت أضلعي النجوم. زوجتي توفيت منذ سنين.
وانكبت غادة بحركة تراجيدية تقبله، ويدها المرتعشة تمتد ممسكة بعلبة السكائر. والدها ينزلق فكره حول مساءات نسجها بشفافية على ذكرى ضحاياه. لم يتعلم البكاء عند غياب الآخر.
"بابا أنا أملك شيئاً غريزياً نحوك يشبه الدانتيلا الباريسية."
المدير يريد مسك خيط الليلة الماضية. عندما عاد للبيت وكان ثملاً. ماذا فعل حينها. يتذكر أنه دخل غرفته ووجد على سريره تفاحة سحرته برقتها.
قبل عودته كانت غادة تشعر بالخوف. فذهبت إلى غرفة والدها تنتظره. وغلبها النعاس. شعرت بوالدها يحتضنها ويقبلها، وهذا لم يكن شيـئا غريبا، فهو يحبها بجنون ليس له حدود، ولا يشبه أي حب آخر.
تهيأت غادة لترك المكتب بتعديل قلائدها الملونة، فهي تحب لبس الغواني. قالت لوالدها: "انتظرك في البيت،" ودفعت بكفها المحلى بالأساور خصلات شعرها وراء ظهرها. وحملت بيدها الأخرى حقيبتها المنقوشة بالخرز.
لعن يوم ولادتها ويوم موت أمها. وأخذ يركز أكثر في السيكارة المشتعلة بين أصابعه، مؤنبا نفسه. سحب المسدس، وأطلق رصاصة على رأسه، تاركا ابنته أرملة.
◄ رحاب الصائغ
▼ موضوعاتي