ضياء البرغوثي - فلسطين
عـائــشــــة
كانت النظرات البريئة التي رمقتني بها تحاول أن تجد حولها من يجيب عن تلك الأسئلة التي تتساقط من عينيها. بعد هنيهة شرعت عائشة بالبكاء عندما عجزت عن الالتقاء بإجابة عن أسئلتها الحائرة بين الأزمنة والمكان، فالمكان كان بالقرب من معسكر لجيش الاحتلال. أما الزمان فلا يُنسى، لأنها في تلك اللحظة كانت مسلوبة من حضن أمها التي تركتها خلفها تعيش في زنزانة صغيرة، بين أربعة جدران، وأكثر من سجان يعدون عليها أنفاسها، ويحصون عليها أيامها التي تمر ثقيلة ثقيلة. كيف لا وهي ترقد في زنزانتها التي كانت تؤويها هي وابنتها عائشة ابنة العامين.
كنت أقف حيرانا لا ألوي على شيء وأنا أبحث عن جواب لهذه الطفلة وهي تبحث عن أمها بين ركام الأشياء التي أحاطت بها لتكون شاهدا عليها وهي راحلة من سجن السجان إلى سجن الحرمان، الحرمان من حنان الأم ورعايتها.
كانت عائشة قد أرسلت إلى السجن عند أمها التي اختطفتها يد القهر لتودعها في ذاكرة السجن بعيدة عن بيتها وبنتها، عن دارها وزوجها.
عندما يئست عائشة من أن تجد أمها، ارتجلت موقفا بطوليا لتعبر عن احتجاجها على عدم رؤية أمها، فقامت بإلقاء كل ما في محجريها من دموع الحزن والانتصار على هذا الموقف المحزن المبكي.
لملمت جراحها، حملتها بين حنايا الضلوع، ورمت بدميتها بين كفيها، وأمسكت بيد والدها، وتلاشت خلف غيوم الانتظار.