وفاء زيناتي - الأردن
عندما يصبح الوطن منفى
النزوح القسري والفقر داخل الوطن غربة. والشعور بالغربة منفى. عندما يقرر الإنسان في الظروف الطبيعية الرحيل عن منزله إلى مكان آخر، لأسباب مختلفة، فإن هذا الانتقال المكاني يتطلّب منه فترة زمنية ليست بالقصيرة للتأقلم نفسيا واجتماعيا مع المكان الجديد.
ولنا أن نتصور بناءً على ما تقدّم الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية السيئة لملايين العراقيين من الرجال والنساء والأطفال، الذين هاجروا خارج العراق أو الذين نزحوا داخله نتيجة ظروف الحرب وما تبعها من قتل، ودمار، ومداهمات للبيوت، وتفجيرات عشوائية للأسواق والمباني ومراكز الشرطة، والجثث المتناثرة على الطرقات مجهولة الهوية.
يشير تقرير لجمعية الهلال الأحمر العراقية إلى أن عدد النازحين داخل العراق ارتفع إلى نحو مليونين وثلاثمئة ألف شخص. ويشكل عدد الأطفال دون سن الثانية عشر ما نسبته (65,3%) من مجموع النازحين. هذا العدد المخيف من النازحين، وخصوصا الأطفال، داخل الوطن الأم يشير إلى كارثة إنسانية تتمثل في الصعوبات الكبيرة في الجوانب الصحية والاقتصادية والتعليمية، حيث يفقد الكثير من الأطفال في ظل هذه الأجواء المشحونة بالقتل والعنف فرصهم في الحياة الكريمة وحقهم الطبيعي في التعليم.
وتحذر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من أن هؤلاء النازحين يواجهون مصاعب جمة، حتى في داخل بلادهم، متمثلة في إيجاد أماكن يلجئون إليها بعد ارتفاع عدد المحافظات التي تعتذر عن استقبالهم بسب قلة الموارد الكافية لتقديم التعليم والمساعدات الغذائية.
وترى المفوضية العليا أن الـمليونين وثلاثمائة ألف مليون نازح يشكلون برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة خاصة وأنه لا نهاية تلوح في الأفق للوضع الحالي. كما أن المناطق التي ينتقل إليها النازحون تندر فيها فرص السكن والعمل. لذلك تلجأ كثير من النساء اللواتي فقدن أسرها في العنف، بشكل متزايد، إلى العمل في الدعارة للحصول على المال من أجل المعيشة. ومما يزيد في الوضع سوءا أن هؤلاء النازحين، داخل العراق وخارجه، لا يتلقون الدعم الذي يحتاجونه لا من حكوماتهم ولا من المجتمع الدولي.
يشير الدكتور يحيى فايز الحداد في مقالة له في مجلة الفكر العربي بعنوان "الحروب وآثارها النفسية على الأطفال" إلى إحدى الدراسات التي تناولت أثر الحرب اللبنانية على الأطفال، بيّنت أن معظم الأطفال يعانون من الكوابيس والنوم المضطرب وصعوبة التركيز، خصوصا في الواجبات المدرسية، وتكرار ألعاب غير مرضية للذات تتناول موضوعات صادمة من مشاهدات الحرب، وتراجع الاهتمام بممارسة الأنشطة الممتعة والانفصال العاطفي عن الأبوين أو الأصدقاء، وزيادة اليقظة والحذر المتمثل في التعصيب والمبالغة في ردة الفعل للترويع المفاجئ (الإجفال).
وتضيف الدراسة إلى أن عشوائية الحرب وعدم القدرة على التنبؤ بمجرياتها أدت إلى تقلص حس الأطفال بالأمان والثقة حتى مع وجود الوالدين، لأن الأهل في أغلب الأحيان في مثل هذه الظروف عاجزون عن حماية أطفالهم من الأذى. لذلك أصبح شعور الأطفال بعدم الأمان شعورا عميقا وكثيفا. وهذا يحولهم إلى أشخاص قلقين واتكاليين أكثر من المعتاد، مع تقلص القدرة بالثقة بأنفسهم وبالآخرين. ويعيشون هاجس التوقعات الكارثية بالنسبة إلى المستقبل.
وينقل بدر الرفاعي في مقال له في مجلة عالم الفكر أرقاما مذهلة عن الإنفاق العسكري في العالم، فيقول إنه "وفق معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام في تقريره عن العام (2006)، بلغ الإنفاق العسكري في العالم في العام (2005)، نحو (1118) مليار دولار. وفي مقدمة الدول الأكثر إنفاقا تأتي على التوالي الولايات المتحدة الأمريكية، فبريطانيا، ففرنسا، ثم اليابان، فالصين فألمانيا وإيطاليا، وهي من الدول الأكثر ثراء واستقرارا في العالم ... في حين أن ما ينفقه العالم على السلاح كل ساعتين يعادل ما ينفقه على أطفال الكوكب كله في عام كامل."