مليكة نجيب - المغرب
الـفـتـنــة أشـــد...
عار، ارتمى على الصدر بردا وسلاما يخمد تأجج الشوق والحنين، يمنح سكينة اللقاء، ويرد قسوة البعد والفراق. ويوهم بأشرعة يجليها المد إلى شاطئ الأمان.
مدثر بعباءة الأمل، توسد الحلمة، لاهثا، نبر: تخلصي من كل ما يصلك بالبلد، من كل ما يربك عجلة المستقبل، أعدي الوثائق اللازمة، نسّقي مع المحامي، ستلحقين بنا قريبا.
سأداوم الاتصال بك.
همد اللهاث، تراجعت حدة الأنفاس، انخفضت حرارة الجسد، أعادته إلى سفح نهديها منهكا، عاجزا عن تهدئة بركان اللوعة، المتأججة نيرانه بغابات البعد.
قصدتُ مسقط الرأس، بغية الحصول على الوثائق. بالإيميل أخبرني الزوج عن إكراميات الإدارة الإلكترونية. الإدارة الإلكترونية اختصرت الزمن والتكاليف، برهنت عن تقدم التكنولوجيا وجودة الخدمات، خلال ثوان وبحركة بسيطة تلجين موقع الإدارة وتطلبين ما تحتاجين. تجدينها حسناء خدوم، نصوح، قريبة من القلب والمبتغى، تلبي الرغبات وحتى النزوات، ضرة منافسة للإدارة التقليدية: المماطلة، الثرثارة، المتمنعة، النائية.
* * *
بنرفزة، تقدم الحمار الأغبر العربة. يئن جلده تحت لهيب السوط. تئن أضلع العربة المتداخلة فيما بينها تحت ثقل الحمولة. سب الحمار نفسه بعد أن يئس من جدوى سب الغير. تلكأت العربة في قطع المريرة الملتوية، وزاغت العجلتان عن الطريق. دفع الحمار عجيزته وأفرغ محتواها.
ممتعضة، أغلقت فتحتي أنفي البارز.
الصبر نفد زاده.
صب صاحب العربة جام غضبه سوطا على الجراح المتعفنة. استشاط الحمار غيضا، لكز العربة التي أنحت باللائمة على الركاب اللامبالين.
مشيا الهوينا.
الهوينا فتنة نائمة، بلبل هدوءها الاحتجاج واللغط. وامتد زمن العربة طويلا فوق المريرة الحدباء.
قلت: لا داعي للقلق فالإدارة الإلكترونية في الاستقبال.
بتدشينات خارج مسقط الرأس انشغل ممثلو السلطة.
وهناك أشهدت اثني عشر ذكرا راشدا أنني فلانة بنت فلان حليلة فلان المسمى كذا وكذا، المخير في ترك الإدارة والمجبر على خيار الهجرة لجبر أنقاض مستقبل.
شهد الذكور أني كنت بكرا خالية من موانع الزواج، قضيت دهرا في عشرة طيبة أثمرت أبناء حلال.
بمسقط الرأس، مكثت شهرين متتابعين تماسا حيث ضعف نبض المحمول وخبا وميضه وتوقف كليا عن الخفقان.
تقاسمت جثته وسادة النهد إلى جنب الوثائق. واستعجلت الإياب. واستعجلت ضخ البطارية وزيارة المحامي.
* * *
سعت أحشاء الكيس الأسود أوراقا وأوراق، وضم بجنباته أضمومة أوراق نقدية فضل المحامي تقاضيها عوض الشيك، مقابل أتعاب التوسط لرجل، بالاقتران "بگورية"، يضمن بها هوية وجود، وعمل لابن يجد نفسه بلا أحلام.
انعطفت بمحج الشارع أؤم مكتبا اعتدت على ارتياده، أحث الخطو لاستدراك التأخير بمسقط الرأس، ولاستعادة رضى الزوج المستاء لجهلي بمسطرة الإدارة الإلكترونية، عنفني لتفويت فرصة اللقاء، وتركه فريسة حضن "الگورية" الموحش . أخبرني أن "الگوريات" باردات، أنانيات، يسخرن الرجال كما يسخرن الإدارة الإلكترونية لتلبية كل الأهواء.
أجّلت تصديقه إلى حين الالتحاق به.
صعب أن تصدق كل ما يقوله الرجال.
أقترب من البناية، يستفيق المحمول النائم، يرتفع صياحه، تقفز يدي لتهدئة روعه.
عار، يلتصق بالحلمة يقبلها بشوق عارم.
وتعبّ الحلمة من رحيق رجع الحنين.
صريعة اليأس أستجير بالوصل.
وتقفز يد متربصة لتنتشل الكيس.
وأُنْتَشلُ من دفء الوصال.
ونضيع بين الزحام.