عدلي الهواري
كلمة العدد 22: اللغة العربية على طريق الانقراض؟
نسمع من حين لآخر تنبؤات بأن اللغة العربية سوف تنقرض، فاللغات المحكية في واد والفصحى في آخر، والإنترنت رسخت اللغة الانجليزية كلغة عالمية، واللغة العربية لم تعد تصلح للتعبير. ولأن بعض الخبراء في اللغات هم من يقول ذلك، فلا بد أن تكون التنبؤات صحيحة.
يخطئ من يظن أن المتحدثين بالانجليزية في دول كبريطانيا والولايات المتحدة واستراليا يتحدثون لغة واحدة هي الانجليزية الفصحى، وأنهم جميعا ملمون بقواعد النحو الانجليزي، ولا يخطئون في كتابة الكلمات، ومهمتهم أيسر لأن اللغة الانجليزية خالية من الهمزة. يعرف من يعيش في دول مثل هذه أن اللغة التي يتحدث بها الناس في البيوت والشوارع ليس "فصحى"، وبينهم كثيرون لا يلمون بالنحو والإملاء، ولديهم من الظواهر التي نظن أنها مقتصرة على حال العربية.
اللغة الانجليزية واسعة الانتشار ولا شك، وزاد انتشارها عندما جاءت الإنترنت لان الحروف المستخدمة فيها كانت في البداية الحروف الانجليزية، ولكن سرعان ما أصبح للغات الأخرى مكان على الإنترنت، بما في ذلك العربية. وبفضل الإنترنت والقنوات الفضائية أصبح وصول العربية إلى كل بقاع العالم أمرا يسيرا، ولا يعود المهاجر العربي مضطرا لبذل جهد كبير للبحث عن مادة بالعربية كي لا ينسى لغته. فالإنترنت ساعدت العربية على الانتشار، لا على الانحسار.
يقال أحيانا إن التعبير عن النفس بالانجليزية يكون بدقة اكبر من العربية. الأمر يعتمد على ماذا يريد أن يقول الإنسان. إذا أردنا أن نقول في وصف شيء ما "رائع"، لا مشكلة هنا: كلمة رائع تعبر بدقة. أما إذا أردنا أن نصف الشيء بأنه "كول"، تقع مشكلة، فكلمة "كول" ليس عربية، وإذا ترجمت إلى "بارد" يكون لها معنى سلبي. فمن المسؤول عن هذه الإشكالية: اللغة العربية أم نحن، نتيجة ميلنا لاستخدام عبارات يستخدمها متحدثو لغات أخرى؟
وبالنسبة للمصطلحات العلمية المشتقة من اللاتينية وغيرها، يخطئ من يظن أنها مصطلحات سهلة على متحدثي الانجليزية الأصليين، فاستخدام لغة متخصصة في مجال ما عند الحديث إلى غير متخصصين محل انتقاد، والاتجاه المتنامي الآن لاستخدام لغة واضحة وبسيطة.
لا احد ينكر أهمية تعلم لغات أجنبية، ولكن أن يصبح تعلم اللغة الانجليزية والوصول إلى مستوى معين من المهارة شرطا من شروط التخرج من جامعات عربية فهو مطلب مجحف بحق الطالب وبحق اللغة العربية.
قبل أن نوجه اللوم إلى اللغة العربية والحديث عن انحسارها والتنبؤ بانقراضها فلنسأل انفسنا: ماذا فعلنا من اجل التمكن من لغتنا العربية الجميلة؟
مع أطيب التحيات،
عدلي الهواري
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]