عبد الجليل لعميري - المغرب
كسكس بشحمة الإذن
عبد السلام ، المكنى بـ "قميحة"، يعمل حارسا لمستودع الأموات بالمستشفى المركزي بالمدينة. التحق بهذا العمل منذ سنة تقريبا بعد وساطة عمه عند بعض النافذين في المستشفى. أقام خلال هذه المدة عند صديقه، وابن دواره، عبد السلام أيضا، ولكن المكنى بـ "شحيمة"، لذلك كان معارفهما والمقربون منهما يستعملون الكنيتين تفاديا لالتباس التشابه في الاسم الموحد.
شحيمة هذا يعمل بائعا للأسماك. جمعت بينهما عشرة حميمية كبيرة جوهرها عالم النساء والخمرة.
اصطاد قميحة ذات يوم – كما يقول – فتاة كانت برفقة أمها داخل المستشفى، وتطورت العلاقة: زيارات متكررة في العمل وفي المسكن. ومرة زارته بمعية أمها: "سي عبد السلام (لاحظوا) أنا محتاجاك في واحد لخديمة"، قالت الأم وعيناها تشعان بالغموض.
فكر قميحة بسرعة: لعلها تريد نقودا. واستسلم لثرثرتها.
عرضت عليه أن يسمح لها باستعمال يد احد الموتى في المستودع لإعداد كسكس الموتى.
اندهش في البداية، لكن الاغراءات المادية والعاطفية حاصرته، فاضطر إلى طلب مهلة للتفكير.
فكر: إنها جريمة قد تهدد عملي واستقراري. لاحقا عرض الأمر على شحيمة، الذي ضحك قائلا : "كيدهن عظيم . سنكون نحن الضحايا. فئران التجارب." واقترح عليه حيلة : "سأمثل دور الميت، وستقوم هي بشغلها دون أن تعلم، فنغنم منها المال. ستبيع الغرام الواحد بالألوف، ونتجنب ارتكاب أية جريمة."
وافقه قميحة مسرورا قائلا: "وسنرى ماذا يفيدها سحرها الكاذب."
تسلل شحيمة إلى المستودع بمساعدة قميحة، وفيما بعد تسللت "للا الطاهرة"، وشرعت في العمل.
أخرجت اليد اليمنى من كفن الجثة الملقاة على الأرض، وقربت الإناء الخاص بالكسكس، ورشت "السميد" بالماء – بدون ملح، لأن الجان لا يحبه كما تعتقد هي– وشرعت في تحريكه.
استغرقت العملية مدة تقارب الساعة، امتدت كأنها سنوات في اعتبار شحيمة الذي كان يسمع أنفاس الطاهرة، ويحس حركاتها وطقطقات دمالجها. وحين اطل قميحة ليسألها الإسراع، قالت له: " نعم. دقيقة. رد البال للطريق."
وفي لحظة خاطفة أخرجت من كمها مقصا لامعا، وفتحت كوة قرب أذن شحيمة وجزت "شحمة أذنه".
صرخ مذعورا من شدة الألم المباغت. تدحرج، فتراجعت الطاهرة وجحظت عيناها، ثم فقدت وعيها.
عاد قميحة على إيقاع صراخ صديقه فأدهشه منظر الكسكس المتناثر في المكان، وولولة صاحبه المدرج بالدماء، وغيبوبة الساحرة.
◄ عبد الجليل لعميري
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ
6 مشاركة منتدى
كسكس بشحمة الإذن, هدى الدهان | 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 - 04:34 1
نص سلس و جميل و مضحك . فعلا ان كيدهن عظيم و لكن اليس كيده هو اعظم هذه المرة ؟ فاز بالمال بالتاكيد مقدما لخدمة لم تكتمل . لو كان جنيا لكان افضل .فالجان لم يتعرفوا للان على كيد الانس والا لما حضروا صاغرين حين نطلبهم .
1. كسكس بشحمة الإذن, 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011, 17:17, ::::: عبد الجليل لعميري/المغرب
شكرا هدى على التعليق الممتع...في الابداع رمزية كما تعرفين...ولك كامل الحرية في التاويل..لان النص يولد من جديد بين يدي القارئ(ة)...تحياتي
2. كسكس بشحمة الإذن, 21 كانون الأول (ديسمبر) 2011, 18:02, ::::: عبدالرحيم الدبيري /المغرب
قصة رائعة رغم بساطتها بالا ضافة الى انها تعالج الواقع المعاش في الاوساط المغربية و شكرا على امتاعنا واتمنى لك المزيد من العطاء و السلام
3. كسكس بشحمة الإذن, 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011, 14:10, ::::: عبد الجليل لعميري/المغرب
دامت لك حلاوة القراءة ومتعة التامل...شكرا على التواصل سي عبده...
كسكس بشحمة الإذن, سعد المصراتى*طبرق * ليبيا | 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 - 09:22 2
نص رائع , يبدو ان شحيمة ممثل قدير , على العموم السحر والطمع وجهان لعملة واحدة
1. كسكس بشحمة الإذن, 1 كانون الأول (ديسمبر) 2011, 15:29, ::::: عبد الجليل لعميري/المغرب
شكرا اخي سعد...دامت لك متعة القراءة..
كسكس بشحمة الإذن, عبد الرحمان شكيب | 9 كانون الأول (ديسمبر) 2011 - 14:25 3
lموضوع ببساطته بدا جميلا وممتعا ، ورغم اطلاعي على مكيدة بهذا الشكل فقد فتح النص أفق انتظار مخالف حتى دفعني فضولي إلى القراءة بسرعة المتعطش للمعرفة لأكسر هذا الأفق وأعرف ما إذا وافق توقعي أم لا
اعرفك يا عبد الجليل وأعرف مقالبك الإبداعية ولنا لقاء
دمت مبدعا وفنانا متألقا
1. كسكس بشحمة الإذن, 9 كانون الأول (ديسمبر) 2011, 14:59, ::::: عبدالجليل لعميري/المغرب
شكرا الاخ عبده....اعتز بشغبك...دامت لك مسرة القراءة والكتابة...
كسكس بشحمة الإذن, خديجة | 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011 - 17:10 4
اعجبني كثيرا نهاية جميلة وغير متوقعة واصل كتاباتك نحن في انتظار المزيد اتمنى لك عام مكلل بالنجاح والابداع
1. كسكس بشحمة الإذن, 14 كانون الأول (ديسمبر) 2011, 14:35, ::::: عبد الجليل لعميري/المغرب
شكرا خديجة ...سيستمر التواصل ما دامت متعة القراءة/الكتابة تجمعنا...
كسكس بشحمة الإذن, عبد القادر لعميمي/ فاس_بولمان/ المغرب | 18 كانون الأول (ديسمبر) 2011 - 14:25 5
تعليق حول رحلة القاص عبد الجليل لعميري في عالم القصة القصيرة..نموذج : "كسكس بشحمة الأذن"
إن غرض القاص الحمري المغربي، ذ.عبد الجليل لعميري، من أعماله القصصية الفنية، هي إرضاء حساسية القارئ وإشباع ذوقه الفني. وقد استطاع هذا المشاغب المبدع بحروف "أناه المفكرة" أن يشبع أناسا مختلفي الملكات إلى حد بعيد، بدليل أن الإنتاج الأدبي/القصصي لديه، يروق لجميع القراء، من مختلف الفئات العمرية والميادين الفكرية الثقافية. وفي قصته " كسكس بشحمة الأذن" كما في قصصه الكثيرة التي سبق له أن كتبها، من قبيل : "قصتي مع النعناع"، "حوسبة الرئيس"، "تقشير الأنف"، "إخلال بالحياء"،...الخ، لم يصور _هذا القاص الفيلسوف_ الحياة الإجتماعية وحسب، بل عرض علينا أفكارا مكتملة، واضحة المعالم، استطاع بقدرته العقلية النفاذة أن ينتزعها من صميم الحياة الإجتماعية... والواقع أن القاص عبد الجليل لعميري ليس شبيها بالرجل الذي يقدم لنا مجموعة من الأزهار، بل إنه أشبه ما يكون بالرجل الذي يضع بين أيدنا خلاصة تلك الأزهار.. وقد تجلت معالم هذا التشبيه في عمق قصته الآنفة الذكر. وهي قصة يتناطح فيها الواقعي مع الأسطوري (الشعوذة)، الحديث مع القديم/التقليد، والكيد(للا الطاهرة) مع المكر والتهور(شحيمة وقميحة).. تناطح يكشف منذ الوهلة الأولى عن براعة الكاتب في تصوير واقع المجتمع المغربي وحقيقته، واقع مسكون بالخرافة، وتتحكم فيه غريزة متوحشة تعوي في أعماق أعماق وجوده (الطمع والسعي نحو تحقيق كل الرغبات بأي طريقة كيفما كانت).
قصة "كسكس بشحمة الأذن" بعنوانها وبخطابها اللغوي المتنوع، وكذا بشخصياتها وأحداثها... كشفت لنا عن رحلة الإنسان المغربي في دروب الحياة، كما كشفت لنا أيضا عن نظرة هذا الإنسان المحدودة للعالم والمستقبل.. رحلة لم ينفصل فيها هذا الكائن العاقل (إن كان عاقلا) عن الموروث الثقافي التقليدي السلبي، والدليل على ذلك هو لجوء الأغلبية من الناس (وليس الكل) (نساءا ورجالا وشبابا )، إلى السحرة والمشعوذين والأضرحة، واستثمار أجساد الموتى...الخ، واتخاذها كوسائط لتحقيق أهدافهم ونواياهم ورغباتهم الإيجابية والسلبية..، دون مراعاة حقيقة هذه الأشكال عقليا، و نتائجها على الكينونة الفردية والإجتماعية على السواء.
ولا شك أن هذه الحقائق التي تنكشف لنا مقترنة بعواطف اللذة واللهفة والألم والخوف والقلق والجزع (الحالات النفسية التي عرفتها شخصيات القصة من خلال تسلسل الأحداث وتطورها ) إنما هي جميعا مما استطاعت قصة لعميري أن تعبر عنه بأسلوب واقعي حي.
فهنيئا لك أستاذي الكريم، عبد الجليل بالقصة، وهنيئا للقصة بك... وطوبى لكل القراء والمبدعين...
1. كسكس بشحمة الإذن, 18 كانون الأول (ديسمبر) 2011, 14:54, ::::: عبد الجليل لعميري/المغرب
الاستاذ عبد القادر شكرا على القراءة الفلسفية لقصتي...التي ارى انها قد خطت حياة جديدة لها بين يدي القراء الكرام امثالك...طوبى لها بكم ...اني اتعلم من فيض علمكم ..دامت لك مسرات البحث والمعرفة...وشكرا لعود الند التي جمعتنا على المحبة والتواصل...
كسكس بشحمة الإذن, مهند النابلسي | 10 تموز (يوليو) 2012 - 18:07 6
رعب واقعي شيق ونهاية غبر متوقعة ، ولغة بسيطة معبرة واقتصاد دال في استخدام المطلوب بلا اسهاب وملل !