عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

جعفر أمان - السعودية

قصتان: اشتياق + إحساس


اشـتـيــاق

وقَفْتُ أمامه أتفرس في وجهه الذي علته الكآبة، والى الحزن الذي أرخى جفون عينيه، وهدّل حاجبيه، والى الفاجعة التي أرهقت تجاعيده.

تنبه لوجودي بعد فترة. ارتفعت جفونه بعد أن غالبها وفتح عينيه. بانت خطوط أفقية محفورة متوازية، أبرزت جبهته العريضة. نظر إليّ دون تمييز ثم قال:

"وأجرك يا ولدي."

لم ينتظر حتى أعزيه، وواصل دون إعطائي فرصة محادثته، وكأنها أسطوانة اعتاد ترديدها:

"ليتني سبقتها. لقد دفنت روحي حين دفنتها. هي رفيقة عمري، هي نفسي التي أشتاقها."

صمت قليلا ثم سألني وكأنه يود أن أوافقه:

"هل تستطيع أن تعيش جسدا دون روح؟"

دون انتظار الرد، أسدل جفونه، وعاد يبحر في ذكراها، مؤملا سرعة اللحاق بها، والتحاف التراب إلى جوارها.

::

إحساس

استيقظ فزعا مرعوبا، جبينه يتصبب عرقا، وقلبه يخفق بقوة. أحس بان مكروها قد أصاب ابنه الصغير، والذي يرافق والدته وجده في رحلة إلى الشام.

كانت الاتصالات صعبة، ولم يكن لديهم هاتف في الشقة التي يسكنونها، لم يستطع التحدث إليهم. عاش ساعات على أعصابه ينتظر اتصالهم. رن جرس الهاتف وإذا بصوتها على الطرف الآخر. لم يمهلها، وعلى الفور بادرها بالسؤال:

"كيف هو ابني؟"

قالت: "بخير."

"أمتأكدة أنتي؟"

"نعم. ولكن ما بك؟ لماذا تسأل عن ابنك بهذا الشكل؟ ولماذا صوتك ملئ بالقلق والتوتر؟"

"أريد أن أسمع صوته." أعطته سماعة الهاتف، فقال فرحا:

"بابا. بابا، لقد اشتريت ألعابا كثيرة."

حمد الله، ثم أكمل حديثه معهم، وأغلق الهاتف.

عاد الأهل بالسلامة بعد انتهاء رحلتهم. ما إن استقر بهم المقام حتى شرع في إخبارهم بما كان منه في ذلك اليوم. ابتسمت زوجته وقالت:

"ما أحسست به صحيحا. لقد أضعنا ابني في ذلك اليوم، وظللنا نبحث عنه كثيرا دون جدوى، وعندما فقدنا الأمل، بان بصيص الرحمة الإلهية، حيث سمعنا صوته المرهق، فالتفتنا وإذا به جالس يلهو بجانب أحد الباعة في الطرف الآخر من السوق. ولهذا تأخرنا في الاتصال بك."

ضمّ ابنه وشخص ببصره نحو السماء شاكرا لله عودة روحه.

D 1 نيسان (أبريل) 2008     A جعفر أمان     C 0 تعليقات