عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

ربا الناصر - الأردن

نجمة حرة


من بين النجوم، اتخذت موضعا لك، لتطلي عليّ من بعيد – على غير عادة منك – مراقبا لحركاتك العفوية، فأراك تهمسين في أذن النجوم تارة، وتتضاحكين مع القمر طابعة على وجهه قبلة قرمزية، فترسمين البسمة على شفاهه تارة أخرى. رأيتك هناك تسبحين وسط رائحة الأزهار الخالدة، تحومين في فلك واسع، بدون قيود تحكمك كما كنت هنا. في أرض الواقع، هذه الأرض التي أسكنها جسدا، هذه الأرض التي أتأمل صفحة سمائها، قارئا سطورها التي تكتبينها، كأن حياتك لم تنته عند شاهد قبر، أقرأها ونور القمر يغمر وجهي، متناسيا معك عالمي الجامد، محاولا الارتقاء ببقايا صفاء روحي، والعروج نحوك إلى حيث تسكنين يا صديقة النجوم وحبيبة القمر.

على ضفة النهر أقضي جل وقتي، أحاول فيه رسم صورة لك، أو تجسيدك على هيئة تمثال عاجي لكن صفاء روحك ونقاء قلبك، فاق كل الخيالات، حتى امتلأت سلة مهملاتي بأفكاري المشوشة، فلم أعد أستطيع لملمة أفكاري من بعد رحيلك.

كانت حياتنا بمثابة مسرح كبير، نستمع فيها إلى خرير السواقي وحفيف غصون السنديان وتغريد الشحارير في الحقول المجاورة لمنزلنا في هذا الريف الهادئ، لكننا لم ندرك أن القدر سيرسل لنا يده لتأخذك هناك في سماء الحرية حيث تسبحين، ولم نعلم أنه يمضي إلينا مسرعا عبر الحقول لا يلوي خطاه، حتى وقف عند باب المنزل، يدقه بيدين بدتا كمطرقتين، فيقف من ورائه الموت وقد تجسد على هيئة رجل أسمر، ذي شارب معقوف، ينظر نحونا بنظرة باردة خلت من الرحمة، حتى كلامه كان متهكما جافا، فخاطبنا قائلا:

"لقد حان موعد دفع الديون، هات نقودك."

فأجبته مسرعا: "من أين نأتي بألف دينار، وأنت تعلم حالنا؟!"

فقال آمرا: "إذا عليكما الخروج من المنزل فورا، فلم أعد أطيق صبرا."

عندها انتفضت غضبا وأمسكت بالمعول ملوحة به في وجهه، محطمة لكل حواجز الخوف التي بناها في نفسك من وعوده وتهديداته. رفعته في وجهه وأنت تعلمين أنه من أوقعنا في فخه المنصوب، ذلك الفخ الذي توهمنا لسنين أنه سيحقق أحلامنا الصغيرة لكنه سحب بساط الأمان من تحتنا، ويبنى حاجز الفراق بيننا من ضربة معول طائشة أزهقت روحك الطيبة في لحظة سريعة، أتذكر فيها تلك النظرة المطلة من وراء جفون مكحولة بالرقة والخوف، أجل فإسدال جفونك كان بداية لرفع الستار عن حياة جديدة والتعرف على طرقات من النجيع لم تطأها قدماي قط.

أذكر في لحظة موتك تجمع الغيوم وتشرد العصافير حتى أشجار الصنوبر كانت مرتعشة، أما في لحظة صعودك إلى السماء كانت أسراب الفراش تحمل روحك بعيدا عني فتضعك وساما على صدر السماء وتصبح هي سراجا ينير ظلام الليالي البعيدة.

في كل يوم أجلس قرب النهر، أنظر إلى مياهه الجارية وقد عكست هدوئي الحزين، متأملا للون السماء الأزرق وشفاه التلة المتشققة. هذه الصورة الثابتة بمشاهدها الدائمة جعلتني أطوق إلى لقياك والمشي سويا تحت ذلك الممر الواسع بأشجاره المحتبكة وزهوره المتعانقة، لكنني على أمل في أن أكون مذنبا يلمع بالقرب منك، لعلي أحظى بابتسامة شفافة أبت الخضوع للحزن.

D 1 نيسان (أبريل) 2008     A ربا الناصر     C 0 تعليقات