عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

رامي حسين - الأردن

فاطمة: من وحي عينيك


رامي حسينتتوسد النجوم بين عينيها مرتاحة من عناء سفر طويل، تعلو وجهها ابتسامة تذيب جليد الاحزان من حولها، وبخار القهوة يتصاعد من كوب مستمتع بالاستلقاء بين يديها، وشعرها الحريري ممتد على كتفيها.

يطرق المطر نافذة غرفتها بشدة طالبا الولوج للداخل حيث دفء مشاعرها قد ملأ المكان. تراقب باهتمام محاولات المطر المتكررة.

يلمس خدها الرقيق زجاج النافذة، تسري قشعريرة في بدنها. تنكمش متل الزهرة حول نفسها، جميلة ورقيقة وأنيقة بكل ما تفعله، وجهها ابيض يحتوي على كل نقاء الكون، عيناها عسليتان تحاكيان النجوم بجمالهما.

تجلس متربعة على كرسي خشبي. تنظر من نافذة غرفتها التي تزاحم سطحها بحبات المطر. تضم ذراعيها إلى صدرها بحثاً عن مزيد من الدفء، الافكار تتجول ذهابا وإيابا أمامها، والذكريات تطل برأسها من طرف باب كان موصدا في مكان منعزل تماما في حيز فكرها. اود أن أضمها لصدري واتأمل ذاك الجسد الفاتن. اود أن اقطف لها من بين يديها زهرة واجدلها بين خصائل شعرها.

حبها يملأ قلبي وإحساس بالشوق والحنين، احساس جميل لا يمكنني يوما ان اصفه، دوما ما احاول ان اتحايل على قلمي لعلي استطيع ان اصف ما تشعرني به هذه الجميلة، لكنه يأبى التحرك من على حافة السطر الأول، فحينما يكتب أسمها يجلس متأملاً فوق " التاء" ويأبى النزول.

الابتسامة ترتسم على شفتيها الورديتين لكن سرعان ما تتلاشى كسرعة تلاشي قطرات المطر حين تحملها الرياح بعيداً عن زجاج نافذتها، لكي تتيح المجال لقطرات اخرى اصطفت في طابور طويل لرؤية وجهها. تلك الابتسامة، وبالرغم من الوقت القصير التي تجلسه بين شفتيها، ارى فيها سعادة لا توصف فابتسامة كهذه تنسيني احزاني بمجرد النظر اليها.

لوعة الأشواق تكتنز وتكبر بهذا القلب كنهر ممتد عبر صحارى هذا الجسد الذي ما عاد يطيق صبرا على لوعة البعاد، انا وغربتي ووجهها الجميل جلساء تلك الغرفة. دائما ما كانت تندب حظها التعيس في هذه الحياة، أحاول دائما التخفيف عنها لو بالقليل، كنت أحسها مثل فراشة سعيدة وهي بين ذراعي. تنهدت بعمق طاردة بعض الافكار التي تجول في بالها، واطلقت بصرها بعيداً نحو قطرات المطر القادمة من اعلى طارقةً نافذتها.

لا تفارقني ابدا في اي من لحظاتي، اتخيلها دائماً بجانبي وقد ارسلت شعرها الجميل على كتفي ووجهها اللطيف بين يدي، اتحسسه برفق خوفاً عليه من أن تؤذيه قسوة يدي، وهي تهمس في اذني بأعذب كلمات العشق.

اجلس بين جدران غرفتي منتظرا ذاك اليوم الذي يجمعنا وهي بين ذراعي وقد ارسلت على كتفي شعرها الطويل.

تلك هي فاطمة. توقف القلم، وما زال يأبى النزول.

D 27 كانون الأول (ديسمبر) 2011     A رامي حسين     C 8 تعليقات

4 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

تهنئة بالعام الجديد

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 67: هارد لك (*) يا شباب

لا وقت للحلم هنا

الإبداع والحقيقة في الأدب الكولونيالي