سليم الموسى - الأردن
دعوة للحياة: ح 4
"إن النقد الذي يوجه إليك يساوي قيمتك"، فالكثير من الناس قد يوجهون إليك نقدا لأنك تفوقهم ثقافة ومقدرة، وتصرفهم هذا يشفيهم من حقدهم عليك، ولكي تقهر القلق الذي انتابك من نقد موجه إليك، تذكر أن هذا النقد هو اعتراف ضمني صريح بقوتك وقدرتك، وأنه مساو لقيمتك.
كن قويا أمام النقد، فإذا سمعت كلاما غير محمود، فلا تتوقف أو تنظر لتتعرف إلى صاحبه، بل ابق سائرا في طريقك ولا تتطلع إليه، فليس بمقدورك أن ترد ألسنة الناس عنك، والموجهة إليك ظلما وعدوانا، فتجاهل نقد الناس ولومهم وحقدهم ما دمت متأكدا من عملك أنه على صواب، ولو حاولت قراءة – لا الرد – على أية محاولة نقدية موجهة إليك، لأخذ ذلك من وقتك وأفكارك الكثير ولعطلك عن العمل ، وحاول حسب قدرتك أن تصل إلى إيجابية مثمرة من مجهودك، ولا داعي بعد ذلك إذا وجه نقد إليك للرد عليه، فإن ذلك سيشغلك بشيء ما وجد إلا للعرقلة.
وإذا انتابتك مشكلة ما، فلا تلق مسؤوليتها كاملة على الناس من حولك، وحين تتقدم بك السن، وتزداد حنكة وخبرة وتجربة فسترى أن أية مشكلة حصلت، إنما أنت المسؤول عنها لا غيرك. . احتفظ بمفكرة تسجل فيها جميع مقابلاتك واجتماعاتك وأعمالك الهامة، وفي نهاية الأسبوع عد إلى هذه المفكرة، واخل إلى نفسك، وحاسبها بصدق وصراحة، ما هي الأخطاء التي ارتكبتها خلال أسبوع؟ وما هي الأعمال التي حالفك الحظ والتوفيق فيها؟ وما هي الطريقة لتزيد من التوفيق؟ وما هي العبرة التي جنيتها من ذلك؟ وستفاجأ حين تخرج من هذه المحاسبة بأخطاء كثيرة، لكن الشيء الذي سيسرك هو إقلال الأخطاء تدريجيا، وإذا استطعت ألا تنتظر إلى نهاية الأسبوع لتحاسب نفسك، بل ما أن ينتهي اليوم حتى تحاسب نفسك عليه، فذلك أفضل وأجدى نفعا. وتذكر أن من أهم الأخطاء هو إضاعة الوقت بلا مبرر، وإشغال النفس بتوافه غير مجدية، والجدال مع الناس من غير فائدة ترجى، ورسخ في أفكارك "في أنك إن لم تتخلص منها فلا يمكن أن تتقدم لحظة في حياتك."
والعاقل هو الذي يأخذ من النقد ما فيه من الحقيقة، وتذكر أنك تتعلم من الناس، الذين تهجموا عليك وانتقدوك، أكثر من الناس الذين امتدحوك وآزروك ورفقوا بك. وبالأصل، لماذا نقف منتظرين الناس أن يوجهوا لنا نقدا أو لوما على خطأ وقعنا فيه؟ أليس الأجدر بنا أن نتوجه إلى أنفسنا بإخلاص وننتقدها ونلومها على ذلك الخطأ؟ ثم نعطيها الدواء الشافي قبل أن يفتح أعداؤنا أفواههم بكلمة. والأجدر بنا أن نتقبل النقد السليم، فإننا لا نتأكد أن نكون على حق، ثلاث مرات من أربع! وإن آراء خصومنا فينا قد تكون أقرب إلى الصواب من آرائنا في أنفسنا، إننا ميالون دائما لدفع المسؤولية واللوم عنا. إننا عبيد لعواطفنا.
إن القلق ابن التعب، أو هو أدنى للوقوع في التعب، ولكن أي اهتياج عصبي، أو فراغ عاطفي لا يمكن أن يعيش مع الاسترخاء الكامل. وعليه زد أوقات راحتك، واسترح قبل أن يفاجئك التعب والإعياء، واعمل بالحكمة التي تقول: "إنني لا أظل واقفا حيث أستطيع الجلوس، ولا أظل جالسا حيث أستطيع الاستلقاء." وهناك الملايين من البشر يرهقون أنفسهم في جمع المال وادخاره والحرص عليه، ثم بعد ذلك يبذرونه تبذيرا، فمن الأجدر أن نحرص عليه، الصحة أم المال؟
باستطاعتك أن تسترخي أينما كنت، وكل ما عليك أن لا تتكلف جهدا في هذا الاسترخاء، اعمل ما طاب لك كمن الوقت، شريطة أن تراعي الاسترخاء في جلساتك، فإن مصدر التعب في الغالب ليس من كمية المجهود الذي بذلت، ولكن في الطريقة التي بذلت فيها هذا المجهود. ويبدأ الاسترخاء دائما باسترخاء عضلات العينين والوجه، وعندما تشعر بالتعب والإرهاق وتوتر في الأعصاب في نهاية اليوم، فاعرف معرفة جيدة أن ذلك اليوم كان عقيما في "الكيف" وفي "الكم" على السواء.
واتبع هذه العادات كي تشفى من الإعياء والقلق:
= أزل جميع الأوراق الموجودة على مكتبك، إلا ما كن وجوده ضروريا يومها بين يديك فإن النظر إلى مكتب مكدس بالأوراق والرسائل والتقارير والملفات المختلفة كفيل بأن يخلق القلق والتوتر في النفس، ويشغل الإنسان بمسائل متعددة في آن واحد، ويضيع الوقت بما هو ليس بحاجة إليه أما عن الناحية الصحية فإنه يجلب القرحة المعدية، وأمراض القلب والتعب الدائم والإرهاق.
= اعمل الأهم فالمهم، فأمران لا يمكن شراؤهما بالمال : إمكانية التفكير، وإمكانية إنجاز الأشياء بحسب ترتيبها في الأهمية، ووضع برنامج تواجه به الأعمال خير من مواجهتها ارتجالا.
= إذا بانت لك طريق عثرة، فاعمد إلى إزالتها فور رؤيتك لها، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
= عود نفسك السير وفق النظام، واستعن بغيرك في حل مشكلاتك إذا اقتضى الأمر، فذلك يبعد عنك القلق والإرهاق.
= "كما لو كان" عملك مريحا مسليا، هكذا فكر قبل شروعك بعملك. فلسفة "كما لو كان" هذه، يتبعها كبار علماء النفس ويؤمنون بها، وفي قول أحدهم جانب كبير من الحقيقة: أبدو كما لو كنت سعيدا، فتأتيني السعادة فورا - فأقبل على عملك كما لو كنت ستلقى فيه لذة ومتعة. أجـل لذة حقيقية، ومتعة واقعية.
= إن القلق الذي يصاحب الأرق لهو أخطر بكثير منه، وإن الإحساس بالسلام والطمأنينة هو أول مقتضيات النوم المريح. ومن أهم عناصر النوم الهادئ التعبد لله تعالى والصلاة له.
= = =
مراجع السلسلة منشورة في الحلقة الأولى.
◄ سليم الموسى
▼ موضوعاتي