سليم الموسى - الأردن
دعوة للحياة: ح 5
كثيرا ما تسوء أمور الواحد منا، يمكن أن يكون في ضائقة مالية، أو في خصام مع صديق، أو شعور بالتقصير بالقيام بالواجب، أو خوف الفشل من المستقبل وعدم الشعور بالسعادة، إلى غير ذلك من أزمات، وفي كل ذلك تكون شجاعتك وإيمانك في امتحان عسير، فإذا كنت تريد الحل، أو تبحث عن حل لكل مشكلاتك أو الأزمات التي تتعرض لها، فواجه نفسك إنك الوحيد القادر على توفير السعادة لنفسك، ومنحها الصحة والنشاط والأمل والثقة والنجاح.
لا أحد غيرك يستطيع مساعدتك، إن لم تشأ مساعدة نفسك، فالقوة الكامنة في نفسك هي وحدها القادرة على إيصالك إلى النجاح وبر الأمان، وهذه القوة هي أن تتمكن من الرؤية بوضوح وبعين فكر ثاقب، ماذا تريد؟ وعن ماذا تبحث؟ وأي نجاح ترغب؟ إن كل الخطط التي كنت ترسمها والنجاحات التي وصلت إليها، قد تجسدت في الحياة شيئا فشيئا، بعد إن احتفظت في مخيلتك بالرؤية الواضحة لها، وعلى أي حال فقد وجدت أولا في تفكيرك.
لا شك أنك قلت كثيرا "أخشى أن يحدث ذلك." وربما تجاهلت حقيقة واضحة وهي أن الخوف جعلك تتخيل أشياء قد تحدث، فحدثت فعلا. إن القدرة الخلاقة في نفسك ليست طاقة عاقلة يمكنها التمييز بين الخير والشر، فإن تخيلت أي شيء، فإن هذه القدرة توفره لك، تخيل النجاح تحصل عليه، وتخيل الفشل تمن به. وهذا يقودك إلى معرفة كيفية السيطرة على هذه القدرة الكامنة في نفسك، وعلى طبيعة تخيلاتك أو هذه الصور الذهنية، حتى تحمل إليك هذه القدرة ما تريد فقط. وما عليك إلا أن تحصر فكرك في الأشياء التي ترغب بها، وهذا يضعك على الطريق الصحيح، ناقلا إياك من حيث أنت، إلى حيث تحب أن تكون.
إن لكل واحد منا عقلين، يختلف كل منهما عن الآخر، فأحدهما هو العقل الواعي الذي يتعامل مع العالم الذي نعيش فيه، وأنت تستخدمه في التفكير والشك والتساؤل والحساب وكل ما تركز عليه انتباه عقلك الواعي يسجل على شكل صور ذهنية ويحمل إلى عقلك الثانـــي (العقل الباطن). إذن فالعقل الواعي لا يملك قوة خلاقة ولا جبارة خلاقة، وتنتهي قدرته بتسليم العقل الباطن ردود فعله وأفكاره المتعلقة بأشيائك المهمة. أما العقل الباطن فيتمتع بقدرة لا تحد، لا يمكنه التفكير لأن التفكير من خصائص العقل الواعي، وهنا تكمن الخطورة، فإذا لم يكن عقلك الواعي قد حذرك من صورة ذهنية خاطئة وحملها إلى العقل الباطن، فإن هذا العقل لن يتساءل عن النتائج السيئة التي قد تحدث، وسيحول بقدرته الخلاقة تلك الصورة الذهنية التي يحملها - مهما كانت نتائجها إلى حيز الوجود - إذن حاول أن يحتل عقلك الواعي الصور الذهنية الصحيحة والمفيدة فقط، ولا تشغله مطلقا بالصور الخاطئة، حتى لا ينقل للعقل الباطن إلا الصور التي تريد.
تعترضك مشكلة ما، وتبدأ التفكير في حلها، تشرق وتغرب، وتروح وتجيء، وتبتعد وتقترب، وتأمل وتيأس، وتقترب من الحل ولا حل، ثم تجلس مستسلما منهوكا لا تجد الحل أو المخرج. وحين تسترخي قليلا، يلتمع في ذهنك الحل فجأة، فتصيح على شاكلة أرخميدس "وجدتها". لقد ظهر هذا الحل دون أي تفكير واع من قبلك إطلاقا، وذلك لم يكن مصادفة، فأنت في محاولتك حل المشكلة أمرت عقلك الباطن دون إدراك منك أن يجد لك الحل، وضعت أمامه بواسطة عقلك الواعي كل الصور الذهنية التي تحمل الوقائع، بعد أن عجز عن إيجاد الجواب لأنه في حالة توتر، ومن هنا وحين استرخيت، سارع عقلك الباطن إلى إرسال الجواب إلى عقلك الواعي.
وهكذا ففي وسعك أن تتأكد أن الصور الذهنية الخاطئة، تجذب إليك الحالات الخاطئة والعكس صحيح. وكل ما يحدث في الواقع، قد حدث في بادئ الأمر في عقل الواحد منا، لكن الأهم في الموضوع، هو كيف يمكنك بلوغ عقلك الواعي والسيطرة عليه بسهولة، من خلال تصورك ذهنيا للأشياء التي تريدها حقا، والتي تتمناها، والتي يجب أن تحققها، الصور الذهنية الإيجابية، صور النجاح والثقة والأمل والسعادة والفرح والحياة. وللوصول إلى ذلك علبك أن تفعل ما يلي:
* دع جسمك يأخذ قسطا من الراحة.
* حرر عقلك الواعي من كل الأفكار المتناقضة، واجعله يرتاح.
* ركز انتباهك على الصور الذهنية التي تريد أن تتحقق.
وفي هذا التركيز وحصر الفكر، اصنع صورة ذهنية لما تريد بلوغه، وما ترغب في تحقيقه، انظر إليه بعين فكرك. تخيل ما تحب أن ترى أو يحدث لك، تصور ذلك بحيوية بحيث ترى نفسك أنك تقوم بها أو تجسدها ن وبقدر تركيزك وحصر فكرك بما تريد، فإنه سيقترب منك شيئا فشيئا، وستجد كل ما ترغب في متناول يدك. فكر إذن بالصور التي تريد، فتنتقل إلى عقلك الباطن الذي يشرع بالعمل ويحتفظ بهذه الصور حتى يطلقها بالوقت المناسب. ولا بد من تحذيرك بشدة من أن تعمل على إيذاء نفسك وصحتك، بأن تتذكر سلسلة من الظروف المؤلمة، وأن تسمح للقلق والهم والتوتر بالسيطرة على عقلك الواعي، أطرد هذه الصور حالا، وامحها من عقلك الواعي حتى لا تصل إلى عقلك الباطن وتستقر فيه، وهنا أكبر الخطر. كون فقط الصور الذهنية لصحة أوفر، وسعادة أكبر، ونجاح أعلى، وراحة وسعادة، كون صورة الأشياء الحسنة عموما، وستدهش للنتائج التي ستتوصل إليها. إنها تتوقف على قدرتك على تخيلها فقط.
وفي كل ذلك، يجب أن تكون صادقا مع نفسك، لأن انعدام الصدق مع النفس هو أساس كل اختلال عاطفي وعقلي. وأن الفشل كل الفشل وفي كل مجال وكل الأحوال هو في انعدام الثقة بالنفس. وعليه، انظر إلى نفسك نظرة فاحصة دقيقة صادقة، تقبل الحسن والسيء فيها، واعترف بهما، فذلك أقوى ينبوع من ينابيع الطاقة البشرية، وإن معرفة المرء لنفسه معرفة حقيقية ناضجة يخفف من الألم والتوتر. وإن أولئك الذين يعانون من مشكلات عاطفية، هم قليلو الثقة بأنفسهم. ولكن ما أن تختبر بنفسك قيمتك ووضعك الحقيقي بما في ذلك المساوئ فيك، حتى يتبدل الموقف إيجابيا، وتبدأ بالاعتراف ليس بأخطائك فحسب، بل بالنقاط الحسنة والجيدة فيك، ومن هذا القبول الذاتي لا يبقى إلا خطوة واحدة إلى العاطفة السليمة.
إن الإخلاص مع النفس والثقة بها، ليس أمرا يسهل تحقيقه، أو يمكن الوصول إليه بين ليلة وضحاها، إذ يجب أن نعمل من أجا الوصول إليه بكل بطء وتأن، إن بإمكانك أن تحاول على الأقل أن تكون مخلصا مع نفسك بعدد مختار من الأهداف المهمة لك مثل العمل مثلا. حتى تختار العمل الذي يناسبك، فلا تركز على الجاه أو المقام أو الراتب، بل على رغبتك بالقيام بهذا النوع من العمل، وهل يتلاءم مع إمكانياتك، إنك في المرة الأولى ستبذل حياتك لكسب الشهرة والنجاح، في حين أن نصف هذا الجهد لو صرف في حقل يكون أفضل ملاءمة لكفاءتك ومزاجك لكان الكسب ضعف تلك الشهرة أو ذاك النجاح، والنصيحة العامة: حاول أن تحقق حلمك إذا رغبت. وإن فشلت ووجدت أنك لست أهلا لهذا العمل، ففكر أنك كسبت المعرفة بذلك. أي أنك لا تصلح لهذا العمل الحلم، وحينها ستنصرف إلى القيام بعمل أنت مؤهل له ومؤهب.
وفي سعيك للإخلاص مع النفس، لا تعاتب نفسك، ولا تساو بين الإخلاص واللوم الذاتي. فالإخلاص الذي يتضمن تقديرا للسيئ والجيد بكل موضوعية، والتخلص من السيئ. وكن دائما أنت نفسك. لا تطمس شخصيتك وارض بها وليكن ما يكون. فإن أنت أحرزت بنفسك معرفة ذاتية ناضجة منفتحة لا يعود لديك أي خوف من الحياة.
ويمكن أن تتقبل كل المشاعر المحزنة والسعيدة على السواء والمتعلقة منها بالحب أو الذنب. وتذكر أن اختيار طريقة الحياة يكمن في النفس، وأن الإخلاص مع النفس هو أكثر من مبدأ نجاح، إنه طريقة حياة هنيئة سليمة حلوة وهادئة. إن الإخلاص للنفس والثقة بها من أكثر المشاعر حيوية، فهي تعمل كما الخميرة في العجين تجعله ينتفخ ويأخذ شكلا، وما أن تخترق الثقة بالنفس كيانك حتى تمنح الحياة والحيوية لخطط نجاحك، وتذكر أن أولئك الذين يشعرون بالثقة في أنفسهم يوحون بالثقة إلى الآخرين.
إن كل الإنجازات العظيمة تبدأ أولا في تفكير الإنسان، ويبقى الإنسان عاجزا عن القيام بالشيء، طالما هو يفكر أنه ليس بإمكانه القيام به، فإذا كان هذا هو الواقع، فابدأ بأن تعيش حياتك مجددا وتضع يدك على الأشياء التي حدثت ودمرت ثقتك بنفسك، ثم ارسم نفسك ذهنيا كما لو كنت تتحرر من ردات الفعل الخاطئة هذه، قف موقفا جديدا من المشاعر السخيفة التي تشدك للخلف، واستفد من الطاقة الخلاقة داخلك، ولا تتكل على أحد غيرها، والجأ إليها بالطريقة الصحيحة، وآمن بنفسك، فأنت تمتلك بداخلك كل مفاتيح الأشياء الحسنة بالحياة.
وفي كل ذلك لا تتعجل الأمور وكن صبورا، دع الناس لما هم فيه وكن أنت نفسك، كن سيد الظروف الخاصة والحالات المحيطة بك، لا تتطلع إلى ما في يد غيرك، وتذكر أن كل التطورات الحسنة وذات القيمة تتطلب وقتا، وأن روما لم تبن في يوم واحد، وأن الصبر مفتاح الفرج.
تعلم أن تسترخي، وان لا تأخذ الحياة بجدية مفرطة، واتكل على الله، وعلى الطاقة الخلاقة التي وضعها فيك. وكن صبورا فإنك لن تستطيع تسريع هذه الطاقة الخلاقة التي ستعمل لوحدها من أجلك، فقط، إذا كانت الصورة الذهنية لما تريد مشرقة وواضحة. وفي كل وقت وحين توكل على الله، فلا حول ولا قوة إلا به، وتقرّب إليه دائما بالصلاة والدعاء الصادق، وخضوع المؤمن الملهوف.
= = =
مراجع السلسلة منشورة في الحلقة الأولى.
◄ سليم الموسى
▼ موضوعاتي